صورة المغرب، في عيون كثير من الخليجيين، هي تلك التي عبرت عنها الشيخة الداودية، في إحدى سهراتها الأخيرة بالرياض، حين قالت مخاطبة جمهورها السعودي بكل تلقائية: «ولادكم عندنا وبناتنا عندكم». وهي العبارة التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقفتها وسائل الإعلام بتأويل واحد، وهو أن بنات المغرب في الخليج بغايا، وأبناء الخليج في المغرب زبائن جنس فوق العادة. وبما أن الشيخات لا ينطقن إلا عن الهوى، فيمكننا من خلالهن أن نرصد تاريخ الحب وتحولاته –ومناسبة 14 فبراير شرط- ونرى كيف أنه في زمن الشيخة الحمداوية كانت عيون المغربيات تجلب الهوى من شيشاوة، فقط، فيما، في زمن الشيخة الداودية، أصبحت تجلب الهوى وأشياء أخرى من الكويت وأبوظبي والرياض والدوحة ومسقط… ولو كان الأمر يقتصر على ممتهنات الجنس، لهان، لكن الأدهى والأمرَّ هو أن هوى الكثير من المغربيات في اللباس والموسيقى وحتى في التدخين، أصبح خليجيا، وهذا نلمسه، يوميا، في فتيات استعضن عن التنورة الأوروبية والجلباب المغربي بالعباية، والسيجارة بالشيشة، كما عوضن «جاك بريل» ب«جاك بغل»؛ والكثيرون يعرفون حكاية المومس التي ضبطت، في ليلة ماجنة، مع أحد الخليجيين، بعد مدة قصيرة من مغادرتها السجن بتهمة الدعارة، فما كان من ممثل النيابة العامة إلا أن قام يقول للمحكمة: «هاذ السيدة عندها الدعارة مع العود»، وكان يقصد حالة العَود، ليفاجأ بها تنتفض في وجهه قائلة: «الدعارة كاينة.. بلحاق العود عزدتوه». وفي حالة الكويتي مغتصب طفلة مراكش، فإننا كنا أمام دعارة مع بُراق («عود» بجناحين)، فما إن أخلي سبيله بضمانة من سفارة بلده، حتى طار إلى خارج المغرب، وترك المحكمة تناقش -في ما يشبه درسا نظريا لا قيمة له على أرض الواقع- طعن النيابة العامة في تمتيعه بالسراح المؤقت، في حين أن السراح أصبح سراحا دائما. وإذا تأملنا حالة البيدوفيل الكويتي، وحالة المغني الإماراتي عيضة المنهالي، الذي اعتقل، قبل حوالي سنة، رفقة 32 فتاة مغربية، في إحدى الفيلات بمراكش، وخرج من القضية، في 24 ساعة، كما تخرج الشعرة من العجين، فإننا لن نكون أمام ممارسات يحرمها الدين الإسلامي ويجرمها القانون المغربي، بل أمام جنس يجرمه القانون الدولي. هكذا، فما لا يقوى هؤلاء المكابيت على إتيانه في «دار الكفر»، يقترفونه في «دار الإسلام»، ويجدون صاحب الملهي الذي يستقبل القاصرات، وصاحب المنزل الذي ينظم «القصارات»، والقاضي الذي يقصر في تطبيق القانون، وقس على ذلك ممن يسهلون ومن يتساهلون مع انتشار الدعارة المحرمة دوليا، أي دعارة القاصرين. وعندما ننظر، في 2020، إلى حالة البيدوفيل الكويتي على ضوء الدراسة التي كانت قد أعدتها الشبكة العالمية لحماية الطفولة بتعاون مع الجامعة الأمريكية «جوهن هوبكينز»، حول «البيدوفيليا» في 2016، والتي أكدت أن «المغرب لم يحين قوانينه لتعزيز مكافحة استغلال الأطفال جنسيا، ما يتيح للمعتدين على الأطفال أن يتهربوا من العدالة بطريقة أو بأخرى»، نجد أن ما أشارت إليه الدراسة قبل أربع سنوات ينطبق بالتمام على ما حدث قبل أيام. وعندما نرى الإخوة زعيتر يضحكون على وقاحة كوميدي هندي، استضافوه من أموال المغاربة، وقال أمامهم إنه يقضي الوقت في الاستمتاع بالعاهرات المغربيات.. عندما نرى ذلك ونسمع هذا، فإننا نلتمس الأعذار لكل من خرجوا يصرخون، بعد فرار البيدوفيل الكويتي، مع مظفر النواب: «هذا وطن أم مبغى؟». يجب ألا نخفي الشمس بعُقال مثقوب؛ نحن أمام حالات دعارة مع العود، بالمعنى القانوني، فالحقائق التي يعرفها المواطن العادي، قبل رجل الأمن والقاضي، هي أن أغلب الخليجيين الذين يفدون على بلدنا، لا يأتون لتكرير النفط، بل لتكرير المتع السرية التي جربوها أو حكى لهم عنها من سبقوهم إلى زيارة المغرب، والتي لا يقوون على فعلها في الدول الأوروبية التي جعلت من الدعارة مهنة منظمة قانونيا ومراقبة طبيا، للقطع مع استغلال الأطفال وحتى النساء في وضعية هشاشة؛ فيما نحن الذين تعاقب قوانيننا على ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، وتمنع بيع الخمر للمسلمين، تعج حاناتنا وملاهينا الليلية بالقاصرين والفتيات الفقيرات، وطبعا بالمرضى جنسيا من مختلف الجنسيات. ختاما، مع اعتزازي بكثير من الخليجيين المحترمين الذين تربطهم بالمغرب علاقة سياحة أو علم أو عمل أو تجارة، فإنني لم أعد أخفي اشمئزازي من رؤية شخص خليجي في المغرب، وكلما حصل ذلك إلا وتذكرت ما قاله نزار قباني: «في عصرِ زيتِ الكازِ يطلبُ شاعرٌ.. ثوبا وترفلُ بالحريرِ قِحابُ.. والعالمُ العربيُّ يرهنُ سيفهُ.. فحكايةُ الشرفِ الرفيعِ سرابُ.. والعالمُ العربيُّ يُخزنُ نفطهُ.. في خِصيتيه وربُّك الوهابُ.. والناس قبل النفط أو من بَعدهِ.. مستنزفون فسادةٌ ودوابُ».6