تعهد عبد اللطيف وهبي، المرشح لمنصب أمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة، بإحداث قطيعة شاملة في حزبه، وفقا للوثيقة السياسية التي يخطط لعرضها على المؤتمر الرابع ل”البام” المقرر عقده في 7 فبراير المقبل. ومشروع هذه الوثيقة سيطرحه وهبي على المؤتمر لاعتماده في حال ما إن أصبح أمينا عاما للحزب، وهي وثيقة إضافية عن تلك التي ستطرحها اللجنة التحضيرية للحزب. الوثيقة وعنوانها: “أسئلة آنية حول قضايا الديمقراطية والمرجعية الفكرية والعزوف وحقوق الإنسان والحريات واختلال المساواة الاجتماعية”، تنشرها “أخبار اليوم” بالكامل، شددت على أن مهام المؤتمر “يجب أن تبتدئ من عملية تفكير سياسي تقوم على شجاعة مدنية لإنجاز ثلاث قطائع أساسية وحيوية لتطور الحزب وإعطائه نفسا جديدا وقوة جديدة نحو تحقيق الأهداف التي أسست مشروعيته التاريخية”. وبحسب مشروع الورقة السياسية، فإن أول قطيعة هي القطيعة التنظيمية. ويشرح وهبي هذه القطيعة قائلا: “هي التي يجب أن تنصب على تفكير جديد في الأداة الحزبية. فالثقة العمياء في المفعول التلقائي للتاريخ قادت إلى بناء حزب في مدينة الرباط، تمتلكه قيادة، تقتصر مهامه على الأوامر، والضبط وتنظيم مناسبات حزبية، واستحقاقات سياسية وطنية، واستصدار خطابات وبلاغات وبيانات”. ويقول مستدركا: “صار حزب الأصالة والمعاصرة جهازا يفتقر لامتداد الواقعي ودون حياة داخلية تجعله حساسا لمختلف ظواهر وقضايا المجتمع المغربي. لهذا، فإن مؤتمر الحزب مطالب أن يجد صيغا وآليات تجعل الحزب يعيش كتنظيم شعبي يمتد لمختلف مفاصل المجتمع، وينشط الحياة الحزبية الداخلية لتمده بالطاقات والأفكار”. أما ثاني القطائع، فهي تلك المتعلقة بالقطيعة السياسية، وهي، بحسب وهبي، تلك “التي يجب أن تصب في جهد يجعل الحزب يستعيد زمام المبادرة ويخرج من دائرة الانتظارية، ومن الأدوار التابعة لمبادرات الدولة ومؤسساتها”. ويقول مضيفا: إن “مؤتمر حزب الأصالة والمعاصرة المقبل ملزم بصياغة برنامج سياسي يعبئ حوله حلفاءه السياسيين، ويمد يده للجميع، لا عداء مبدئي مع أي أحد، وينشأ مبادرات عملية تنصب حول قضايا حيوية للمجتمع المغربي، يلعب فيها دورا طلائعيا يمكنه من المساهمة في رد الاعتبار للسياسة وإضفاء طابع المصداقية على مؤسساتها”. وتعرج الوثيقة السياسية على القطيعة الثالثة، التي ينوي وهبي تنفيذها في الحزب، وهي القطيعة الفكرية، وهي كما يقول: “أن يتذكر أعضاء حزب الأصالة والمعاصرة، أن الديمقراطية ليست فكرة جاهزة نؤمن بها لجمالية مفرداتها. بل هي أفق للتفكير، ومجال الإبداع، ونشاط للتعدد والاختلاف، وإطار للتضحية، لذلك على المؤتمر المقبل أن يكون انطلاقة لجيل جديد من الأفكار و المقترحات، خاصة أن الحزب قد راكم العديد منها في عملية نضاله الديمقراطي، و بقيت دون نقاش جدي داخلي، ودون أن تشكل موضوع تقاطبات داخل الرأي العام الوطني”. ويرى أن مسألة “أن لا تكون للحزب أي امتداد إيديولوجي داخل فعاليات المجتمع المدني، هو أن يبقى الحزب أداة سياسوية منحصرة داخل المؤسسات ودون دعامات مدنية وحضور على الجهة الفكرية والثقافية”.
مشروع ورقة سياسية.. أسئلة آنية حول قضايا الديمقراطية والمرجعية الفكرية والعزوف وحقوق الإنسان والحريات واختلال المساواة الاجتماعية عبد اللطيف وهبي اتسم سلوك أنصار الديمقراطية بالمغرب، منذ أزيد من عقدين من الزمن، بميول قوية نحو اتكالية مطبوعة بنوع من القدرية الفلسفية التي تفهم الواقع والأحداث على أنها خط متصاعد من التطور يترجم طبيعة المرحلة، وروح العصر الحديث الذي يجسد حتما قيم الحداثة وأساليب العقلانية المادية، والمؤسسات الديمقراطية. إنه سلوك يقوم، بوعي أو دون وعي، على بديهية الفلسفة الكلاسيكية التي تفترض بشكل تلقائي أن الفكر يبحث دائما عن الحقيقة. إنه إرادة ترغب وتبحث عن الحقيقة. إنها بديهية تسلم مسبقا بأن الفكر العقلاني له إرادة طيبة في البحث عن الحقيقة، ويؤسسها على قرارات مفكر فيها. يترتب على هذه البديهية أن البحث عن الحق والحقيقة هو أمر طبيعي وسهل، لا ينقصه سوى القرار الذي يقنع خصومهما أو أعداءهما. حزب الأصالة والمعاصرة.. من شجاعة التأسيس إلى شجاعة النقد والقطيعة البناءة وبما أن الديمقراطية والتحديث هما مرجعية الفكر السياسي اليوم، ومنطقه العصري، وروح تطوره الحتمي، فإن الأمر لا يقتضي سوى بناء تنظيمات، واتخاذ قرارات وإنشاء بلاغة قادرة على إزاحة كل التأثيرات الخارجية التي يعيق الفكر وتمنعه من إنجاز مهامه. يكفي أن نقيم مؤسسات من تسميات هذا الفكر ومن نظامه لكي نجسر الهوة بين حقائقه «الصائبة»، والواقع الذي لا محالة سوف ينحني لنبل وإنسانية أهدافه. كل صعوبة أو عائق سيزول ويندثر أمام الانجراف القوي لقيم العصر الحديث التي هي حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الفكر والتعبير. وكل عناد أو مقاومة ما هو إلا مدعاة للأسف والشفقة لأنه منتهٍ حتما في مزبلة التاريخ. متتبع الحياة السياسية بالمغرب، وهي المطبوعة بالقليل من الحركية، سيلاحظ،لا محالة، أن أنصار الديمقراطية فيها، إلى جانب أنهم قلة، لهم مواقف وسلوكات الفاعل الذي يكتفي بإعلان المبادئ، ويترك الأحداث وتطورات الواقع أن تؤكدها له، وهو مزهو في برج خطاباته ذات الادعاء العقلاني والخاصية التجريدية. هذا الإيمان الساذج بالمفعول التلقائي للتاريخ؛ التاريخ العصري، هو الذي جعل الأحزاب الكبرى في المغرب، وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسس لمشروعيته التاريخية على مبدئي الديمقراطية والتحديث، تثق في قوة الخطابات السائدة في عصرنا، وترى فيها قوة مكتفية بذاتها، قادرة على تغيير الواقع المغربي صوب الاتجاه المأمول، وإن كان لهم دور ما فإنه دور إنشاء تنظيمات، وأجهزة، وبث خطاب يمجد المؤسسات والقوانين، في انتظار أن تستكمل الدورة الطبيعية للتاريخ مهامها، وتنجز ما بدأته هناك في مناطق العالم المتحضر الذي يجرنا جميعا إلى أن نجسد روح العصر الحديث. هذه الثقة في نجاح الديمقراطية، حقيقة لعصرنا، وفكرا سيكتسح كل العقول، هي التي جعلت الأحزاب الديمقراطية بالمغرب دون نضال ديمقراطي، وصار هذا الأخير باردا، متراخيا لا يسمع له وقع إلا لماما. وجعلت السياسة لا تشتغل على وقائع وأحداث، والحزب لم يعد القاطرة التي تشق المستقبل من رحم تناقضات الحاضر. هذه الثقة بالمفعول التلقائي للتاريخ هي مرض الديمقراطيين اليوم بالمغرب، وهي التي أنستهم أن الفكر لا قيمة له دون واقع حي يدفعه إلى التفكير. واقع يحدث عنفا عليه. أنستهم أن الأساسي والجوهري يوجد خارج الخطاب والفكر؛ لأن البحث في الحقيقة لا يكون إلا داخل الزمان وفي المكان. وهذا الأخير هو المجتمع المغربي بتاريخه المتميز الخاص الذي يجب أن يستفز القيم والمبادئ والخطابات، ويدخلها في مسارات لإنتاج تأصيل تاريخي لها في تجديد يبث فيها حرارة الواقع. هكذا، فإن الحزب، حزب الأصالة والمعاصرة، ليس برجا لترقب الفجر الجديد. عليه أن يكون القاطرة التي تسهم في قيادة المجتمع، وإرادة قوة لترجمة طموحات وآمال مجتمعه في التقدم والتنمية. والمرحلة هي مرحلة الديمقراطية والتحديث، ليست فقط بعد تفكير، بل أساسا بعد عناء النضال، وتجسيد الإرادة، والانخراط في حمأة النضال الديمقراطي «داخل الأحداث لصنع التطورات بجانب كل القوى الديمقراطية السياسية والمدنية الأخرى». إن عقد مؤتمر الحزب في هذه المرحلة من تاريخ النضال الديمقراطي المغربي، هو فرصة تاريخية، ليس فقط لتشخيص وضع قائم، وهو أمر على غاية من الأهمية، بل كذلك فرصة لنقد الوضع الحالي، بما فيه نقد وضع الحزب، ونقد الديمقراطية التي نعيشها تصورات ومنجزات وآمالا مستقبلية. لسنا في حاجة للقول إن النقد، في فهم الديمقراطيين، ليس ضدية وتجريحا، بل هو تحليل جديد وفهم مغاير وجرأة في الاقتراح ومقدرة على الإصغاء. على هذا الاعتبار، سوف يكون من باب الحكمة أن نتخذ مناسبة انعقاد مؤتمرنا لكي نسهم في التفكير، ونحاول الفهم، بأشكال تتوخى التجديد وتشرأب إلى الإبداع أمام واقع يحبل بتناقضات غير مسبوقة، وقضايا ليست وليدة اليوم، لكنها تحتاج إلى حلول مغايرة، ورهانات إن لم نساهم في ربحها، سيكون الخاسر الوحيد هو المجتمع والشعب الطامح إلى الرقي والازدهار. فلكي يقوم حزب الأصالة والمعاصرة بأدوار طلائعية في مستقبل المغرب، ويسهم بقوة في بناء معالم تعاقد اجتماعي وسياسي جديد، وترسيخ مكانته داخل الصف الديمقراطي مع أنصار الحرية والتقدم، خاصة أمام الانسداد الاقتصادي والتعثر التنموي الذي أصبح يملي ضرورة اجتراح بدائل تنموية تضع البلاد على سكة الالتحاق بالدول الصناعية واحتلال مرتبة راقية في الوضع الدولي، لكي يقود حزب الأصالة والمعاصرة المراحل المقبلة في السياسة كما في الاقتصاد، داخل الرأي العام كما داخل المؤسسات، على مناضلاته ومناضليه أن ينتقلوا من شجاعة التأسيس التي كلفتهم مجهودات جبارة وإقداما وتضحيات، إلى شجاعة النقد والقطيعة البناءة. ثلاث قطائع أساسية إن مهام المؤتمر المقبل يجب أن تبتدئ من عملية تفكير سياسي تقوم على شجاعة مدنية لإنجاز ثلاث قطائع أساسية وحيوية لتطور الحزب وإعطائه نفسا جديدا وقوة جديدة نحو تحقيق الأهداف التي أسست مشروعيته التاريخية. قطائع يمكن تلخيصها على الشكل التالي : – قطيعة تنظيمية. – قطيعة سياسية. – قطيعة فكرية. * القطيعة التنظيمية هي التي يجب أن تنصب على تفكير جديد في الأداة الحزبية. فالثقة العمياء في المفعول التلقائي للتاريخ قادت إلى بناء حزب في مدينة الرباط، تمتلكه قيادة، تقتصر مهامه على الأوامر، والضبط وتنظيم مناسبات حزبية (مجالس وطنية، جهوية، محلية…) واستحقاقات سياسية وطنية (انتخابات برلمانية محلية، جهوية…)، واستصدار خطابات وبلاغات وبيانات… لا يشتغل الحزب إلا في مناسبات رسمية ولا يتعدى حدودها. وأصبح حزبا للأطر والمثقفين والمتمدرسين الذين لا تجمعهم سوى غيرة ديمقراطية ينتظرون أن يرونها في بلادهم تتجسد في قوانين ومؤسسات ونظم إدارية، باعتبارها فكرة العصر قادرة على أن تجد طريقها إلى الواقع، بحكم أنها الأنسب والأفضل. صار حزب الأصالة والمعاصرة جهازا يفتقر إلى امتداد الواقعي، ودون حياة داخلية تجعله حساسا إزاء مختلف ظواهر وقضايا المجتمع المغربي. لهذا، فإن مؤتمر الحزب مطالب بأن يجد صيغا وآليات تجعل الحزب يعيش كتنظيم شعبي يمتد إلى مختلف مفاصل المجتمع، وينشط الحياة الحزبية الداخلية لتمده بالطاقات والأفكار، ويوسع من اللامركزية ليفتح المجال للشباب والنساء لتتشكل قيادات محلية وجهوية تنخرط في الممارسة السياسية التي تمكنها من التكوين لتصبح قيادات شابة تغدي دماء الحزب وتجدد عنفوانه. * القطيعة السياسية هي التي يجب أن تصب في جهد يجعل الحزب يستعيد زمام المبادرة ويخرج من دائرة الانتظارية، ومن الأدوار التابعة لمبادرات الدولة ومؤسساتها. فمؤتمر حزب الأصالة والمعاصرة المقبل ملزم بصياغة برنامج سياسي يعبئ حوله حلفاءه السياسيين، ويمد يده إلى الجميع، لا عداء مبدئي مع أي أحد، وينشأ مبادرات عملية تنصب حول قضايا حيوية للمجتمع المغربي، يلعب فيها دورا طلائعيا يمكنه من الإسهام في رد الاعتبار إلى السياسة، وإضفاء طابع المصداقية على مؤسساتها، وينشط دينامية مجتمعية تعيد الحماسة إلى المواطنة النشطة الكامنة في أوساط الشباب المغربي. إن ضخ دماء جديدة، وبث حيوية داخل الحزب تقتضي مشاريع سياسية تنطلق من الواقع المحلي للقضايا الوطنية، وإشراك كل فعاليات الحزب والقوى المتحالفة معه للدخول في معارك لمناصرة الحقوق وتطويرها، وفرض بدائل وحلول للمعضلات الأساسية التي تحول دون تطور المغرب. ثمة قضايا تطرحها حركية المجتمع المغربي، كقضايا التنمية المحلية والجهوية. وثمة قضايا يتوقف عليها تقدم المغرب، كقضية التعليم والمدرسة العمومية والإعلام العمومي، وهناك قضايا تهدد اندماج المجتمع وتماسكه، كقضايا البطالة وانتشار الفقر وتوسع اللامساواة الاجتماعية. كلها محاور تنتظر من المؤتمر المقبل للحزب أن يبلور بشأنها تصورات سياسية وبرامج عمل تقدم كمبادرات داخل المجتمع والمؤسسات السياسية. * القطيعة الفكرية هي أن يتذكر مناضلات ومناضلو حزب الأصالة والمعاصرة أن الديمقراطية ليست فكرة جاهزة نؤمن بها لجمالية مفرداتها. بل هي أفق للتفكير، ومجال للإبداع، ونشاط للتعدد والاختلاف، وإطار للتضحية، لذلك، على المؤتمر المقبل أن يكون انطلاقة لجيل جديد من الأفكار والمقترحات، خاصة أن الحزب راكم العديد منها في عملية نضاله الديمقراطي، وبقيت دون نقاش جدي داخلي، ودون أن تشكل موضوع تقاطبات داخل الرأي العام الوطني. إن المؤتمر المقبل لحزب الأصالة والمعاصرة مطالب بأن يتهيأ ليجعل من الحزب قوة مدنية ثقافية تنشط ديمقراطيا الرأي العام، وتدفع إلى تشكيل تحالف عريض ومتنوع لنصرة الثقافة والفكر العقلانيين والديمقراطيين. فأن لا يكون للحزب أي امتداد إيديولوجي داخل فعاليات المجتمع المدني، هو أن يبقى الحزب أداة سياسوية منحصرة داخل المؤسسات ودون دعامات مدنية وحضور على الجهة الفكرية والثقافية. هكذا، فإن مستقبل حزب الأصالة والمعاصرة، ليكون فاعلا وبنفس جديد وحيوية منتجة، يقتضي من مناضلاته ومناضليه أن يتخذوا فرصة المؤتمر المقبل ورشة لتحقيق هذه القطائع الثلاث باعتبارها مدخلا ديمقراطيا لنضال سياسي جديد ينقل الحزب من الحتمية التاريخية التي سجنته في المؤسسات والأدوار التابعة، إلى الديمقراطية النضالية التي تجعل الحزب والمؤسسات وليدة تطورات عملية في اتجاه التحقيق التاريخي للديمقراطية، باعتبارها جدلية المحلي والوطني، وجدلية العالمي والخصوصي. حزب الأصالة والمعاصرة: ديمقراطية في ظل الاستمرارية أول نصر حققه حزب الأصالة، منذ تأسيسه إلى اليوم، وللتاريخ أن يؤكد هذا، هو النصر المتمثل في جعل مطلب الديمقراطية لا يتنافى أبدا مع الاستمرارية التاريخية للأمة المغربية. أي أن وجود ونضال حزب الأصالة، «رغم أعطابه الداخلية»، منح الحياة السياسية المغربية إمكانية تاريخية للتعاطي مع مطلب الديمقراطية خارج الثنائية الضدية: ديمقراطية/استمرارية تاريخية. وأصبحت الديمقراطية مطلبا لجميع القوى الحية للبلاد بمضمون يزاوج بين خصوصية التاريخ المحلي واستمرارية مؤسساته، وبين التحديث والعقلنة والانتخاب الحر والنزيه وتداول السلطة السلمي والقانوني. مضى على المجتمع المغربي زمن كانت فيه قوى سياسة ترغب في فتح مستقبله على المجهول، وتنادي بتغييرات في البنية والتاريخ، باسم قيم تجريدية كان يقال عنها إنسانية وعالمية. ومضى على المجتمع المغربي زمن كانت تهدده بعض القوى المحافظة تسجنه في ماض عتيق غير قابل للتطور والتجديد. ومضى على الديمقراطيين في المغرب زمن كانوا في سوء تفاهم مؤلم مع حاضرهم، حيث كان جلهم مغرما بالقطيعة، ومولعا بمعاكسة الاستمرارية، ويرفض التغيير من داخل المؤسسات. اليوم، ومنذ تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، وجدت المشروعية التاريخية أبناءها الديمقراطيين، وأصبح للديمقراطية إجماع لا يتضرر بالاختلاف حول مداها، عمقها، مجالاتها، ووتيرة إقرارها. لقد استطاعت النخبة المؤسسة لحزب الأصالة والمعاصرة أن تقنع تاريخ بلادها المحلي بأهمية الديمقراطية أداة فعالة للتقدم والازدهار. وساهمت -على أعطابها الذاتية والتنظيمية- في بناء الصرح المؤسساتي الذي يضمن اختلاف المصالح ويوجهها لخدمة وحدة البلاد. إلا أن المؤتمر الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة يأتي اليوم في سياق آخر، وضمن ظروف جديدة، تجاوزت السؤال الأولي للديمقراطية؛ سؤال الوجود، وأدخلت السياسة في أسئلة أكثر عمقا وتعقيدا من مرحلة التأسيس والنشأة التي انتصرت فيها الديمقراطية باعتبارها نظاما واحدا للتنافس. فإذا كان للحزب، بنقائصه وأعطابه التي شخصناها بكل شجاعة مرارا وأمام الملأ، له الحق في أن يفتخر بمساهمته القوية في فرض الديمقراطية على الحياة السياسية آلية وحيدة للاحتكام في الصراعات والاختلافات، ضد التهديدات التي تتربص بنا مجتمعا ودولة، فإن المرحلة اليوم تقتضي من الحزب أن يطور من فهمه للديمقراطية التي يحتاج إليها المغاربة اليوم، وأن يبحث عن إيجاد أدوار جديدة، أكثر واقعية، للمؤسسات السياسية حتى يكون لها التأثير السياسي في حياة المواطنات والمواطنين. لقد ناضلت القوى الديمقراطية، وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة، لوضع تقعيد معياري للديمقراطية بالمغرب، يجعل المؤسسات المنتخبة تشتغل وفق قوانين ونظم عقلانية واضحة ومعروفة. وفي خضم هذا النضال، الذي لا يمكن أبدا عدم احترام نتائجه وأهميته في تاريخ المغرب، تحولت الديمقراطية من مطلب مادي للتأثير في تاريخ المغاربة نحو التقدم والرخاء، إلى فرصة سياسية للنخب لكي تحتل مواقع داخل المؤسسات وتشارك في تدبير الشأن العام، دون أفق اجتماعي، ودون برنامج اقتصادي، وفقدت، بالتالي، الحساسية مع الواقع اليومي لكل المغاربة. الأمر الذي جعل الديمقراطية تبدو في أعين عموم المغاربة آلية مؤسساتية لإيصال النخب إلى المناصب فقط، وليست آلية لإيصال مطالبهم ومشاكلهم إلى المؤسسات كي يُتخذ القرار لفائدتهم. لقد لاحظ جميع متتبعي الشأن السياسي بالمغرب كيف أن الديمقراطية تحولت إلى دخان يخفي تهافت الكثير من النخب الحزبية على المواقع والمناصب والامتيازات. والحزب، وهو أمام مؤتمره الرابع الذي يراد أن يكون منعطفا نحو تعميق نضالاته الديمقراطية، على عاتقه مسؤولية فتح سيرورة تحول الديمقراطية المغربية من حالتها «الغازية» التي عليها اليوم، إلى حالة «صلبة» وواقع حي منتج لتغييرات تخدم الاندماج الاجتماعي وتقوي التقدم الاقتصادي وتنمي الثقافة التحررية. فتجارب التناوب الحكومي لم تنجح في تفعيل الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها، والنخب الحزبية غير منسجمة من الأجيال الحالية، والحراك الاجتماعي الذي يقوده الشباب نزع المصداقية عنها، ما جعل المواطن يفقد الثقة في المؤسسات المنتخبة، وبالتالي، تضرر النضال الديمقراطي بشكل كبير، وتضررت معه أهمية ومصداقية العملية السياسية الديمقراطية. ورغم اتساع الحركية الاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي، والتي أشاعت داخل شبابه ثقافة الاحتجاج، فإن الديمقراطيين لم يستطيعوا فرض التطبيق الديمقراطي للعديد من الإصلاحات الدستورية والقانونية والتنظيمية التي جاء بها دستور 2011، ما جعل الدستور المتقدم ينتج واقعا معاكسا للآمال والطموحات التي حملته وجاءت به. واقع خال من كل المكتسبات التي ناضل من أجلها كل الديمقراطيين، وعلى رأسهم حزب الأصالة والمعاصرة (على أعطاب سلوك بعض من قياداته في الأمانة العامة ومحيطها). فأمام دستور ديمقراطي متقدم، وقوانين متطورة، ومؤسسات متعددة ومختلفة، نجد المجتمع المغربي يعيش سكونا سياسيا وحزبيا غير مسبوق، وتراجعا مهولا للعمل النقابي، وانحرافات للعديد من جمعيات المجتمع المدني. الأمر الذي جعل المواطن يتعمق لديه الشعور باليتم السياسي، وانكمش داخل منطق مصالحه الخاصة التي سوف لن تتحقق له إلا إذا أعاد الوعي بأهمية ربط حياته الخاصة بتطورات الشأن العام. على أساس هذا الواقع غير الديمقراطي للحياة السياسية المغربية، تأتي ضرورة بناء حزب شعبي ديمقراطي ليشكل قوة ضاربة للدفاع عن الحلم الديمقراطي، وتحويله إلى واقع حي قابل للتطور. فالقطيعة مع ثقافة الاتكالية والتقاعس داخل الحزب، والعمل على امتلاك زمام المبادرة السياسية سيخدم، لا محالة، عملية رد الاعتبار إل المطلب الديمقراطي باعتباره مطلبا مجتمعيا، ومعه رد الاعتبار إلى العمل السياسي باعتباره عملا تمثيليا لطموحات ومصالح الشعب المغربي. إن مؤتمر حزب الأصالة والمعاصرة مطالب بأن يكون محطة فارقة في عملية التطور الديمقراطي بالمغرب، بأن يتحول من حزب مؤسساتي (بالرغم من فرملته المصالح الذاتية الضيقة)، إلى حزب ينشئ مؤسسات ديمقراطية صلبة، إلى حزب يفعل المؤسسات لخدمة المواطنات والمواطنين، لذلك، فعليه أن يساند العمل النقابي والعمل إلى جانب باقي القوى السياسية الديمقراطية من أجل رد الاعتبار (إلى جانب الفاعل السياسي) إلى الفاعل النقابي، ومنحه الدور الحيوي في تنمية الاقتصاد والمجتمع. حقوق الإنسان والحريات كما أن للحزب أدوارا مهمة عليه الاضطلاع بها في مجال الحقوق والحريات، فإذا كان جزءا مهما من المجتمع المدني قد عبر عن أهميته وجديته في الدفاع عن قيم العدل والحرية وحقوق الإنسان، فإن ترجمة مكتسبات هذا المجتمع إلى واقع مؤسساتي ونظم تنظيمية، هو من مهام الفاعل السياسي الديمقراطي، لذلك، فإن حزب الأصالة والمعاصرة مطالب بتقوية تحالفاته وتطوير علاقاته مع أنصار حقوق الإنسان ودولة القانون، لتكوين جبهة وطنية مدنية سياسية متراصة لها استراتيجية الإقرار الواقعي لكل المعاهدات والاتفاقيات والنظم القانونية والحقوقية الدولية التي صادق عليها المغرب وبقيت حبرا على ورق. لا يمكن حزبا ديمقراطيا، مثل حزب الأصالة والمعاصرة، ألا يستشعر أهمية تطوير قانون الحريات العامة الذي بقي متخلفا عن كل التطورات التي عرفتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ثم إن الإمكانيات التي يحبل بها دستور 2011 تمكن حزبنا من الوقوف على أرضية صلبة للدفاع عن الحريات الفردية والحق في المساواة والتدبير الشفاف والقانوني لكل الدوائر الحكومية. وإذا كان النضال الديمقراطي اليوم بالمغرب يقف أمام العديد من القضايا والمشاكل والمطالب التي تمس مختلف المجالات والقطاعات، ما يزيد من صعوبة هذا النضال وتعقده، بفعل تعدد الاتجاهات والمجالات، بل وتناقضها في بعض الأحيان، الأمر الذي يجعله، في كثير من الأحيان، نضالا متشتتا لأنه مضطر إلى خوض معارك مختلفة.. إذا كان هذا الوضع التاريخي للمجتمع المغربي يطرح كل القضايا في مرحلة واحدة، فإن مؤتمرنا الرابع مطالب بأن يتبنى تصورا سياسيا يوحد نضالات الحزب المختلفة على مبدأ واحد، يعطيها الانسجام في الأداء، والقوة في النتائج. في الحاجة إلى جواب عن سؤال القضايا الاجتماعية الحارقة إذا نحن حققنا القطيعة الفكرية التي نحن مطالبون بإنجازها لرؤية واقعنا بشكل جديد خارج الجاهز والمنمط والمستورد، سواء من الخارج أو من ماضينا، فإننا نستطيع قراءة تاريخنا الوطني بأعين تستفيد مما هو متاح عالميا، وتطويره بمعطيات مادية محلية. والمتتبع اليوم لتناقضات المجتمع المغربي، وللأحداث التي تعبر عنها، ولكل الصراعات التي عرفها هذا المجتمع، في الاجتماع كما في الاقتصاد، في المؤسسات كما في المجتمع المدني، سوف يستخلص، لا محالة، أن ثمة مبدأ أساسيا ومطلبا مركزيا وحيويا يحرك ديناميكية كل الأحداث، ويقف وراء كل التناقضات التي تؤلم المجتمع المغربي، وتخرج بعض شبابه للاحتجاج في الساحات العمومية. إنه مطلب المساواة الذي يشكل مبدأ أساسيا في الديمقراطية الحديثة، والعمود الفقري لمنظومة ثقافة حقوق الإنسان ودولة القانون. إن أهمية الديمقراطية وثقافة الحداثة وحقوق الإنسان تكمن في أنها تخلق باستمرار الوعي بظروف الحياة اليومية، وتولد لدى الأفراد الحاجة إلى أن يتمتعوا بالمساواة أمام ظروف العيش التي مافتئت تتطور وتتغير. وإذا كان المجتمع المغربي قد عرف تأثيرات قوية ومستمرة من الخارج بفعل انفتاحه الدائم على العالم، فإن تطورات الوعي الاجتماعي داخله لم تعد تقبل بأوضاع اللامساواة التي ماانفكت تتعمق وتنتشر، سواء بين الفئات الاجتماعية أو بين المناطق الجغرافية، أو بين الجنسين. هكذا نلاحظ أن كل القضايا التي يطرحها المجتمع المغربي، من قضايا المرأة والطفل، وانتهاء بقضايا القدرة الشرائية وتغطية شبكة الأنترنت، مرورا بقضايا التربية والتعليم (عفوا ابتداء منها) والتشغيل والصحة والإدارة والنقل وغيرها، هي قضايا تدفع إلى التنظيم والفعل الاحتجاجي على أساس مطلب المساواة، في ظروف العيش وأمام خيرات الوطن. إن عدم الانتباه إلى مركزية هذا المطلب في الوعي الاجتماعي لعموم المغاربة، هو الذي قد يسقط الحزب الديمقراطي في الانعزالية عن قواعده الشعبية، لأن أهمية القوانين والمؤسسات، بالنسبة إلى هذا الوعي المتنامي، لا تتجلى في قيمتها التجريدية، بل في واقعيتها التطبيقية. إذ إن هذه القوانين والحقوق، التي تدعي الحداثة وحقوق الإنسان، ليست سوى وعود كاذبة، وفي أحسن الأحوال نوايا طيبة، إذا هي لم تترجم إلى واقع معيشي لعموم الأفراد. إن أهمية النضال الديمقراطي، في مجال السياسة وداخل المؤسسات، تكمن أساسا في تضييق الهوة بين «المواطنة القانونية المجردة»، و«المواطنة الواقعية»، وكلما كانت الهوة بينهما شاسعة، كما هو الأمر اليوم بالمغرب، كان المتضرر الأول هو الديمقراطية بصفتها فكرة ونمطا للحكم. لقد خلقت وضعية التضخم القانوني، في التشريع وفي الخطاب، عند النخبة السياسية والمدنية، مع ضعف وهزالة التطبيق على أرض الواقع المعيشي للمغاربة، من جهة، أرستقراطية سياسية تحتكر تدبير الشأن العام وتستفيد من السلطة والامتيازات، كما خلقت، من جهة أخرى، تهميش عموم المواطنين، والزج بهم في مقتضيات عيش صعب ومتعب لا يمت بصلة إلى الوعود الآتية من مؤسسات العولمة، أو من الرباط عاصمة الطبقة السياسية المغربية. وحولت هذه الهوة السحيقة، الإصلاح السياسي بالمغرب، إلى عمليات بيروقراطية هدفها الإحصائيات ولعبة الأرقام والمساطر الإدارية الخالية من كل تأثير على تنمية وتحسين ظروف عيش المغاربة. وانتهى الأمر بهذا الإصلاح إلى العودة الاضطرارية لتوسيع صلاحيات الدولة وتدخلها بشكل مشتت في خدمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ولعل الدعوة إلى نموذج تنموي جديد خير دليل على الانسداد الذي أوصلتنا له السياسة القائمة. إننا، مناضلات ومناضلي حزب الأصالة والمعاصرة، مطالبون، أثناء انعقاد مؤتمرنا الرابع، بألا نخطئ في قراءاتنا السياسية للوعي الاجتماعي للمغاربة، وأن نضع مطلب المساواة الاجتماعية في عمق برامجنا وتصوراتنا، لأن هذا الوعي عبر، في أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، عن أن القضية الأساسية اليوم التي يميز بها أصدقاءه من خصومه هي قضية المساواة بين الجنسين، وبين المناطق الجغرافية، وبين الطبقات والفئات الاجتماعية. وبالنتيجة، فإن الديمقراطية، التي يطالب بها عموم المواطنين، هي ديمقراطية اجتماعية وثقافية، وليس فقط ديمقراطية سياسية تتزين بتعدد المؤسسات. وعلى أساس مبدأ المساواة الذي يهيكل وعي وفعل كل الديناميات الاجتماعية داخل المجتمع المغربي، علينا أن نحلل ونبني المواقف والتحالفات. فسواء بالنسبة إلى قضايا محلية واللامركزية والجهوية، أو بالنسبة إلى وقائع وأحداث تطرح هنا أو هناك، تهم الحريات الفردية والحقوق الاجتماعية، أو بالنسبة إلى مبادرات الإصلاح والتغيير التي تأتي بها الدولة أو قوى العولمة، فإن المبدأ المؤسس لنضالنا واستراتيجيتنا يجب أن يكون هو مبدأ المساواة الواقعية والملموسة لكل المغاربة أمام خيرات وطنهم المادية والرمزية. الانتخابات وخطر العزوف على الرغم من مظاهر الإجماع الذي تحظى به المؤسسات السياسية والمنتخبة داخل الطبقة السياسية المغربية، فإن مصداقيتها، باعتبارها واقعا مغربيا، تضررت كثيرا في أوساط الطبقة الوسطى، خاصة عند الشباب المتمدرس والمتابع بهذا الشكل أو ذاك للشأن العمومي. ولعل هذا ما دفع العديد من الشباب والمتعلمين والمثقفين إلى العزوف عن المشاركة السياسية، سواء داخل الأحزاب، أو في الانتخابات التي تعد الآلية الأساسية لإنتاج النخب السياسية. إن درجة العزوف السياسي السائد في المجتمع المغربي أصبحت اليوم من أهم المخاطر التي تهدد تطور الديمقراطية في المغرب. وصار مفروضا على كل من يهمه مستقبل الديمقراطية بالمغرب، التفكير الجدي في فهم أسباب هذا العزوف، والعمل على إيجاد حلول ناجعة للحد منه. صحيح أن العزوف السياسي بالمغرب ظاهرة قديمة ومعقدة تمس مختلف جوانب العملية السياسية، ونحتاج لفهمها ومعالجتها إلى أكثر من مقاربة واحدة، لكن اللحظة السياسية التي نحن مقبلون عليها في حزب الأصالة والمعاصرة تستدعي منا اغتنام فرصة مؤتمرنا الرابع، لكي نبلور خطة عمل تمكن حزبنا من المساهمة الجادة في إعادة المصداقية إلى العملية الانتخابية. إن الإجماع الذي يظهر حول العملية الديمقراطية بالمغرب لا يمكنه أن يخفي عنا تربص أعدائها داخل المشهد السياسي المغربي بسبب سلوكاتهم الانتهازية، وتدافعهم نحو مصالحهم الذاتية وحمايتها. وإذا أضيف العزوف السياسي إلى العجز الذي تعانيه المؤسسات السياسية في إصلاح الواقع المغربي، فإن الديمقراطية في المغرب ستكون في وضعية صعبة وهشة جدا، ما سوف يسهل ازدهار تيارين اثنين معاديين لها، هما تيار السلطوية وتيار الشعبوية. فالسلطوية تستفيد من الضعف الواقعي للمؤسسات الديمقراطية لتنفرد بالقرار، والشعبوية تستفيد من العزوف عن المشاركة في العملية الديمقراطية لتستقطب وتجيش الأتباع بخطاب تبسيطي رفضوي تظلمي يدخل السياسية في منطق الانغلاق والأحادية. وإذا كنا لا نطور الديمقراطية إلا بالمزيد من الديمقراطية، فإن على مؤتمرنا أن يؤكد أن الانتخابات تبقى الآلية الوحيدة للوصول إلى السلطة وتداولها، فرغم العيوب التي قد تنتجها (منتخبون دون مؤهلات، حكومات ضعيفة، استبداد الأغلبية…)، فإنها الآلية السلمية الوحيدة القادرة على إنهاء الخلافات والاختلافات. وعند قراءتنا للواقع المغربي، فإن أسباب العزوف في الانتخابات، وفي السياسة عموما، ليس الانتخابات في حد ذاتها، رغم ما يشوبها من مظاهر غير ديمقراطية، وليس عدم معرفة أهمية الانتخابات في أوساط الشباب المغربي. بل إن السبب الحقيقي وراء انتشار ظاهرة العزوف السياسي بالمغرب، هو الانفصال الدراماتيكي بين يوم الاقتراع وبين الولاية الحكومية لمختلف الحكومات المتعاقبة على القرار السياسي. إن على مؤتمر حزبنا أن يصب جهده في إيجاد حلول سياسية تجسر الهوة المهولة التي تفصل بين يوم الاقتراع، الذي تتجسد فيه السيادة للشعب المغربي، وبين الولاية الحكومية التي يدبر فيها الشأن العمومي. فغياب أي أثر لهذه الأخيرة على حياة المغاربة هو ما يجعل الانتخابات فاقدة للمصداقية بالنسبة إليهم، وهو، في المحصلة النهائية، ما يعمق اللامساواة التي يعانونها في كل مناحي وجودهم. إن نجاح حزب الأصالة والمعاصرة في الدفاع عن الديمقراطية، بصفتها عملية سياسية تتقوى وتقوي الاستمرارية التاريخية لمقومات هويتنا المغربية، هو نجاح كان وراءه ذكاء الحزب في تجاوز الخطاب الثوري الذي يدعي القطيعة التاريخية، وبناء الديمقراطية التي تنتج الإصلاح والبدائل الواقعية. والتحدي السياسي الذي يقف أمامه حزب الأصالة والمعاصرة اليوم هو: كيف نكون إصلاحيين دون أن نسقط في التقليد والمحافظة؟ كيف نبقى ديمقراطيين دون أن نسقط في الانتهازية الذاتية والشعبوية السياسوية التي لا تخدم التنمية والوطن؟