مدة البت في القضايا تتقلص بالعيون    أمريكا: "برج" يقتل ركاب طائرتين    الشهيد محمد الضيف.. جنرال كتائب "القسام" ومهندس "طوفان الأقصى"    فاتح شهر شعبان لعام 1446 ه هو يوم الجمعة 31 يناير 2025    نتائج الخبرة العلمية تكشف قدرة خلية "الأشقاء الثلاثة" على تصنيع متفجرات خطيرة (فيديو)    الجديدي وفتحي ينتقلان إلى الوداد    الجيش الملكي يخسر بثنائية بركانية    ساو تومي وبرينسيب تؤكد دعمها الثابت للوحدة الترابية للمغرب وتعزيز التعاون الثنائي    تعليق الرحلات البحرية بين طنجة وطريفة بسبب اضطرابات جوية وارتفاع الأمواج    الشرقاوي: خلية "الأشقاء الثلاثة" خططت لاستهداف مقرات أمنية ومحلات عمومية    النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام بإقليم العرائش تكرم منجزات شخصيات السنة    اغلاق المجال الجوي البلجيكي بسبب عطل تقني    خروج 66 فلسطينيا حالة صحية متردية من سجون الإحتلال    الولايات المتحدة تبدأ أكبر حملة لترحيل مهاجرين جزائريين غير الشرعيين.. هل يجرؤ النظام الجزائري على الرفض    مشروع الربط المائي بين وادي المخازن ودار خروفة يقترب من الإنجاز لتزويد طنجة ب100 مليون متر مكعب سنويًا    رحيمي ينقذ نادي العين من الخسارة    من المدن إلى المطبخ .. "أكاديمية المملكة" تستعرض مداخل تاريخ المغرب    الوداد يضم لاعبا فرنسيا ويستعير آخر من جنوب إفريقيا    زياش إلى الدحيل القطري    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء-سطات تواصل تنفيذ برنامجها السنوي لتنقية شبكة التطهير السائل    «استمزاج للرأي محدود جدا » عن التاكسيات!    رئاسة الأغلبية تؤكد التزامها بتنفيذ الإصلاحات وتعزيز التعاون الحكومي    أمر تنفيذي من "ترامب" ضد الطلاب الأجانب الذين احتجوا مناصرة لفلسطين    أداء إيجابي ببورصة الدار البيضاء    الوداد يعزز صفوفه بالحارس مهدي بنعبيد    برقية تعزية ومواساة من الملك إلى خادم الحرمين الشريفين إثر وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود    ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: المغرب يعتمد خيارا واضحا لتدبير إنساني للحدود    إطلاق النسخة الأولى من مهرجان "ألوان الشرق" في تاوريرت    بلاغ من طرق السيارة يهم السائقين    الملك يهنئ العاهل فيليبي السادس    مقتل "حارق القرآتن الكريم" رميا بالرصاص في السويد    عاجل.. الوزير السابق مبديع يُجري عملية جراحية "خطيرة" والمحكمة تؤجل قضيته    عصام الشرعي مدربا مساعدا لغلاسكو رينجرز الإسكتلندي    قرعة دوري أبطال أوروبا غدا الجمعة.. وصراع ناري محتمل بين الريال والسيتي    ارتفاع مفاجئ وتسجل مستويات قياسية في أسعار البيض    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يبقي سعر الفائدة دون تغيير    الشرع يستقبل أمير قطر في دمشق    حاجيات الأبناك من السيولة تبلغ 123,9 مليار درهم في 2024    استقرار أسعار الذهب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    المغرب يحقّق أرقامًا قياسية في صادرات عصير البرتقال إلى الاتحاد الأوروبي    ""تويوتا" تتربع على عرش صناعة السيارات العالمية للعام الخامس على التوالي    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    أمطار رعدية غزيرة تجتاح مدينة طنجة وتغرق شوارعها    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصادق المهدي: لا سبيل لإقصاء الإخوان إلا بالديمقراطية (حوار)
نشر في اليوم 24 يوم 27 - 01 - 2020

يعد من أهم الشخصيات السياسية والفكرية في السودان، انتخب رئيساً للوزراء مرتين، وهو إمام الأنصار ورئيس حزبالأمة القومي، الحزب الذي ظل يتصدر الانتخابات التي تُجرى عقب الثورات الشعبية التي تحدث ضد الأنظمة العسكريةفي السودان. ففي سنة 1964، حصل حزب الأمة على أكثرية أصوات الناخبين السودانيين. حدث هذا بعد سقوط نظامالجنرال عبود عبر ثورة شعبية أسهم فيها حزب الأمة القومي. وعقب الثورة الشعبية التي أطاحت بالنميري في منتصفالثمانينيات، قاد حزب الأمة الحكومة بعد حصوله على أكثرية أصوات الناخبين، والصادق المهدي ظل يوصف بالسياسيالمرن الذي يبحث دائماً عن الحلول السلمية، بمعنى أنه لا يتطرف لموقف، وقد ظل طوال فترة نظام البشير رافضاً المشاركةفي السلطة، وباحثاً عن انتقال ديمقراطي عبر التفاوض مع النظام، إلى أن أسقطت الثورة الشعبية نظام البشير.
والصادق المهدي، الذي عانى السجون والمنافي مدة تزيد على العشرين عاماً، هو اليوم يسعى إلى ترسيخ التحولالديمقراطي، عبر طوافه المستمر بين أقاليم السودان، ومخاطبة الجماهير من أجل تدعيم الفترة الانتقالية.
وفي هذا الحوار، تناقش «أخبار اليوم» الصادق المهدي بشأن أهم القضايا الراهنة في الساحة السياسية السودانية.
في أحد لقاءاتك الجماهيرية قلت إن السودان مهدد ب«الفتنة». على أي أساس بنيت هذا التخمين؟
استطاع النظام المخلوع في السودان أن يرسخ نفسه في السلطة مدة ثلاثين عاما. في هذه الفترة أقاموا مؤسساتموازية للدولة، ونهبوا أموالا طائلة، كما كونوا تحالفات خارج السودان، لذلك، هم مع كل هذه المفاسد. ورغم الثورة التيقامت ضدهم، مازالت عندهم إمكانية التحرك، وهو تحرك منطلق من الحركات نفسها التي ترفع شعار «الحاكمية لله»،وهو شعار الخوارج تبناه أصلا أبو الأعلى المودودي، ونشره في العالم العربي سيد قطب. هذه المدرسة موجودة فيمناطق كثيرة، وتؤازر بعضها البعض، وهؤلاء يشكلون أكبر عائق أمام الثورة السودانية.
ثانيا، المشاكل الموضوعية التي أنشؤوها في الاقتصاد وفي الأمن كثيرة جدا، ومن أهم الأشياء التي تركوها تراثا فيالسودان، أن الفساد في الخدمة المدنية، وفي منظمات المجتمع المدني.. فساد عام. هذه المشاكل التي تركوها ستشكلعقبة كبيرة جدا في سبيل إدارة الدولة.
ثالثا، لا شك أنه في الظروف التي نواجهها الآن، توجد عناصر خارج السودان من الأسرة العربية والدولية تسعى إلى أنتسيطر على المشهد السوداني، مثل ما حصل في سوريا وليبيا، وهذا عامل مهم جدا، لأنه سيجعل هذه العناصر تتدخلفي المشهد السياسي السوداني.
هل تقصد هنا تحالف الإمارات والسعودية ومصر؟
النزاع الخليجي كله سوف يجد لنفسه طريقا إلى المنطقة العربية عموما، مثلما حصل في سوريا وليبيا.
في هذا الإطار، هناك عدد من متتبعي الشأن السوداني يقولون إن الإمارات والسعودية تحاولان السيطرة على السودان،وإعادة إنتاج النموذج المصري. ما رأيك؟
أعتقد أن الجميع مقتنعون بأن السودان ليس فيه إمكانية لحكم ديكتاتوري، للأسباب الآتية؛ هناك كثلة شعبية كبيرة جدامجندة ضد أي ديكتاتورية، والسودان لن تكون فيه ديكتاتورية ناجحة بحكم لأن هناك ثلاث انتفاضات أو ثورات شعبيةحدثت في ظل الديكتاتوريات، وأربع حروب أهلية.
مثلا، نظام البشير استمر ثلاثين سنة، لكنها كانت ثلاثين سنة من عدم الاستقرار، إذ لجأ إلى تغيير جلده أربع مرات لكييستمر، وهذا دليل على أن المعارضة قوية جدا، وحدثت ست انتفاضات أثناء حكمه قبل الانتفاضة الأخيرة.
في رأيي، كل من يدرس المشهد السوداني يدرك أن السودان لا سبيل له لأن يستقر في ظل نظام ديكتاتوري، بالإضافةإلى ذلك، هناك الكثير من أهلنا في الخليج يخافون السيطرة الإخوانية، وفي رأيي، فإن التيار المضاد للإخوانية فيالسودان هو الديمقراطية، لأن أداءهم جر عليهم كراهية كبيرة جدا.
ألا تعتقد أن إدماج الإسلاميين، سواء تيار الترابي أو إخوان البشير، في الإصلاح يمكن أن يجنب السودان حربا أهلية أوالفتنة؟
تقصدين الإسلامويين الذين يستعملون الإسلام للوصول إلى السلطة؟ في رأيي، أن هذه الجماعة ذات المرجعية الإخوانيةلا مستقبل لها في السودان إلا إذا قاموا بإعادة هيكلة، أي مثلما فعل حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية فيتركيا، أي التخلي عن الانقلاب والانقلابية وإقصاء الآخرين، والتخلي عن السيد قطبية. لو قاموا بهذا يمكن أن يكون لهمدور في السودان، لأنه، مهما كان، ستكون الحريات مكفولة في السودان.
يلاحظ أنه جرى إقصاء جماعة الترابي المنشقين عن البشير من المشهد السياسي. لماذا؟
هم انشقوا ليس لأن لديهم اختلافا مبدئيا، بل انشقوا لأن لهم اختلافا في توزيع المناصب، وقد اعترفوا بهذا. لقد اشتركالطرفان في انقلاب 1989، واتفقا على إقامة نظام فاشي، واستمروا هكذا عشر سنوات، في ظل نظام عازل للآخرينباطش وعنيف وظالم. صحيح أنهم لم يشتركوا في جرائم دارفور، لأن النظام بدأ يرتكبها بعد 2002، وهم انشقوا منالنظام سنة 1999، لكنهم اشتركوا في باقي الجرائم السابقة لهذا التاريخ.
هل هذا يعني أنك مع إقصاء جماعة الترابي؟
أعتقد أن كلا الطرفين لهم مسؤولية في ما حدث، ويجب أن يقوموا بإعادة هيكلة. تكمن المشكلة في أنه ليست لديهم قيادةكاريزمية، والزعامة المعترف بها تستطيع أن تنظر في كيفية إعادة الهيكلة الجديدة، لذلك، الآن أغلب الظن أنهم يتبعونقيادات مختلفة، وليس هناك قيادة من هؤلاء لديها المركز الأدبي لجمع الصف حول هذا الإصلاح الهيكلي. وللأسف،الكثير من الشخصيات ذات العطاء الفكري غادرت الحزب وتركت البيادق، وهذا يسبب صعوبة في إيجاد من يمكن أنينقذ الموقف. إنهم يحتاجون إلى فكر جديد يستوعب أخطاء التجربة، ويخاطب المستقبل، ويلقى قبولا في الساحةالسياسية السودانية، دون تحدٍّ للقيادات الأخرى.
في هذا الإطار، قرأت أن هناك تحقيقا مع عدد من الأشخاص الذين شاركوا في الانقلاب، بينهم السنوسي. هل أنت معهذه الخطوة؟
بالتأكيد نعم، نحن نحدد ما هي الجريمة، ونبحث عن المجرمين. الجريمة الأولى كانت هي الانقلاب ضد سلطة شرعية، هممعترفون بها وقائمة على انتخابات حرة ونزيهة. إذن، عندما تجري المساءلة في الانقلاب فإنها تشمل كل من أيدوه،والسنوسي قبل الثورة الأخيرة قال في تصريح له: «نحن غير نادمين على التخطيط للانقلاب والمشاركة فيه»، وهذه إدانةلنفسه، ولا يمكن التماس البراءة لمن اشترك في هذه الجريمة الدستورية.
عدد من متتبعي الشأن السياسي السوداني يتحدثون عن أن حكومة حمدوك هي حكومة ضعيفة، ومشكلة من الأحزابالصغيرة، لماذا لم نرَ الأحزاب التاريخية في الحكومة، مثل حزب الأمة والحزب الشيوعي، هل لأنه لم تعد لكم الشعبيةوالقوة اللتين كنتم تتمتعون بهما في السابق؟
في الحقيقة، كنا نرى أن هذه الحكومة يجب أن تكون حكومة خبراء في الفترة الانتقالية، وألا تدخل فيها الأحزاب، وكانقرارنا ألا نشترك في هذه المرحلة. هناك أحزب تعرف أنها إن فوتت هذه الفرصة فلن تشترك في الحكومات المقبلة، بحكمأنها لا تمتلك قاعدة جماهيرية تؤهلها للحكم عبر الانتخابات، فاعتبروها فرصة ذهبية، لذلك، شاركوا في إدارة الفترةالانتقالية. نحن كان قرارنا غير ذلك، وكل من هو مشكك في شعبية حزب الأمة، يمكنه أن يطلع ويتابع زياراتنا وطوافنا بينالأقاليم وفي العاصمة. وكما تعلمين، لدينا حملة تعبوية كبيرة تؤكد أن حزبنا لديه رصيد شعبي وازن، وأن حزبنا هوالحزب الوحيد الذي لم يشترك مع نظام البشير، مع أنه عرض علينا خمس مرات أن نقاسمه السلطة، لكن كان جوابنادائما لا، مادمنا لم نتفق على قواعد النظام الديمقراطي. لماذا عرضوا علينا ذلك؟ لأنهم أدركوا، كما قالوا، أنهم نزعوا منالصادق السلطة، لكنهم لم يتمكنوا من أن ينتزعوا منه الشرعية، أي أنهم أدركوا أننا نمثل الشرعية.. لذلك كانوا حريصينعلى مشاركتنا لنعطيهم هذه الشرعية، وبما أننا رفضنا، كان همهم أن يغتالوا سمعتي ويغتالوني قانونيا ومعنوياً، لذلك،رفعوا علي قضية في سنة 2014 عقوبتها الإعدام، وفي 2018 رفعوا علي 10 بلاغات بعضها عقوبتها الإعدام، وظلتهذه البلاغات مفتوحة عند الوكيل العام للنيابة إلى أن سقط النظام.
ألم يكن لديكم تخوف من فشل الحكومة الانتقالية، خصوصا أن مثل هذه الحكومات تكون مهمة للسير بالبلاد إلى برالأمان، واليوم نرى أن الوزراء في الحكومة ليسوا مسيسين، وليست لهم القدرة على اتخاذ قرارات جريئة؟
نعم، عندنا هذا التخوف، والحقيقة أن البعض رأى أن الانقلاب كان على حكومة أنا كنت رئيسها، فكان منطق هؤلاءيقتضي أن أكون رئيس الحكومة في هذه المرحلة، لكني رفضت لأن هناك أجيالا جديدة لم تشترك في تلك الانتخابات،لذلك، لن أتقدم وأطالب بمنصب كنت أتولاه إثر انتخابات 1986، وقررنا أن تكون حكومة خبراء، لكن المؤسف في مثل هذهالحكومات أنهم، في الغالب، يكونون خبراء في تخصصاتهم، لكنهم ليسوا خبراء في السياسة، لذلك، هذا يشكل ثغرة،ونحن نحاول، من خلال مصاحبة ومناصحة الحكومة، إغلاق هذه الفجوة، لكن الواضح لدينا في هذه السلطة أن الغلبةلخبراء دون خبرة سياسية وآخرين يمثلون إيديولوجيات أقلية، وهذا يمكن أن ينعكس ضعفا في أداء الحكومة، ونحنسنكتفي بتقديم الدعم، لكن احتمال الفشل وارد.
سبق وأن دعوت إلى التعاون بين العسكريين وبين الحكومة المدنية، ونحن نتحدث عن حكومة مدنية ضعيفة. ألا يمكن أنتؤدي هذه الصيغة إلى عودة النظام العسكري من جديد؟
هذا وارد، لكننا نحن نتحدث عن توازن القوى، القوة العسكرية عندها السلاح والانضباط، والقوة المدنية لديها الشارعوالدعم الدولي. والدعم الدولي مهم جدا في هذه الظروف. الآن في إفريقيا هناك قرار بعدم الاعتراف بأية قوة انقلابية،وأظن أن في هذا توازن قوى، وفي رأيي، أن العاقل هو من يدرك ضرورة التعامل مع هذا التوازن، دون أن يحاول أنيستغل الموقف لصالحه. نحن نقول في حزب الأمة: نعم للحماسة الثورية، لكن يجب أن نصحب هذه الحماسة بالحكمة،بما يراعي توازن القوة، لأن القوات المسلحة، عندما حدث الغيث السوداني (يقصد الربيع)، كانت أمامها ثلاثة مواقف؛الأول أن تقضي على الثوار، لأن الشارع مهما كان قويا لا يستطيع تغيير النظام، وكان لديهم خيار ثانٍ أن يقفوا علىالحياد، والخيار الثالث أن ينحازوا إلى الشعب، وهذا ما قامت به القوات العسكرية في السودان.
وأرى أن هذه هي مرحلة توازن القوة، وهي تحتاج إلى توازن القوى المدنية والقوى العسكرية والقوة الدولية، وهي متداخلةفي الشأن السوداني، وهناك أشياء إن لم تستجب الأسرة الدولية لها فسنتعرض لضرر. السودان عليه 62 قرارا منمجلس الأمن بموجب الفصل السابع، كما أنه موضوع في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، وكل ذلك كان سببه نظامالبشير، وإن لم نستطع تجاوز هذه العوائق، سوف يدمر عطاؤنا، لذلك، نعتبر المجتمع الدولي شريكا معنا، وإذا لم يتعاونالشركاء، الثلاثة كل حسب وزنه، فإن تجربة الانتقال الديمقراطي سوف تفشل.. لا بد من مراعاة هذا التوازن.
ما رأيك في الحكم الأخير على عمر البشير؟
هذه عقوبة على أقل جرائمه، وهو حكم مفهوم، لكن البشير ارتكب، حسب الاتهامات الدولية، جرائم الإبادة الجماعية وحرباضد الإنسانية وجرائم حرب. هذه الجرائم موجودة في صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية، وهو مطلوب فيها. هناك منيقول يجب أن يحاكم داخل السودان على هذه الجرائم، لكن القانون السوداني ليست فيه نصوص تحاكم على هذهالجرائم بالشكل الموجود حاليا، وهذا ما يجعل الخيار الوحيد هو أن يحاكم في المحكمة الجنائية الدولية. ويبقى السؤال: هل سيسَلَّم أم لا؟ وهذا فيه خلاف، لكن ينبغي ألا يكون هناك خلاف في اعترافنا بالمحكمة الجنائية الدولية، لأنها تمثلجزءا مهما من تطور القانون الجنائي الدولي، أما هل نسلمه أو لا نسلمه، فأعتقد أنها خطوة مؤجلة، لكن الخطوة الحاليةهي أن يصادق السودان على نظام روما الذي وقع عليه سابقاً، وهذه خطوة لا ينبغي أن نختلف حولها. ثم نقرر بعد ذلكفي أمر البشير.
لماذا لم يعقد حزب الأمة مؤتمره لانتخاب رئيس جديد ولتجديد هياكله في ظل أجواء التغيير التي تعرفها السودان؟
لا يمكن عقد المؤتمر العام قبل أن تعقد المؤتمرات الفرعية، ونحن لدينا 18 كيانا سياسيا حزبيا في 18 ولاية، ولديناتنظيمات شبابية ونسوية وطلابية وفئوية، وعندنا 73 مكتبا خارج السودان مشكلة من سودانيين أسميهم سودانيون بلاحدود. وحتى نتمكن من عقد المؤتمر العام، يجب أن تعقد كل هذه التنظيمات مؤتمراتها الفرعية، لذلك، فالمؤتمر العامسيعقد بعد الانتهاء من هذه الإجراءات.
هناك من ينتقد الصادق المهدي لأنه ظل رئيسا للحزب عدة عقود، وهو من ينادي بالديمقراطية ويناضل من أجلها؟
أولا، لا تعني الديمقراطية أن يكون الإنسان رئيسا لفترة معينة، إلا إذا كان هذا منصوصا عليه في دستور الحزب،ودستورنا فيه أن الرئيس يجب أن يحاسب ويعرض للانتخاب في المؤتمرات العامة التي تعقد. صحيح أنني انتُخبت رئيسالحزب الأمة منذ 1964، وكنت آنذاك في العشرينات من العمر، وقد قضيت أغلب تلك الفترة في السجن، وحزبي كان فيهذه الفترات محلولا، في عهد النميري لم يكن هناك حزب مدة 16 سنة، في عهد البشير الذي امتد إلى ثلاثين سنة لمنيكن هناك حزب، فهؤلاء الديكتاتوريون عندما يأتون إلى السلطة، أول قرار يتخذونه هو حل الأحزاب، فعندما نتكلم عنالحيز الزمني، نتساءل عن الفترة التي كان فيها الحزب موجودا. الحزب كان غير موجود أصلا، والقيادة كانت إما فيالسجون أو في المنافي، وأنا لم أحرص على إعادة انتخابي، لكن النضال والعطاء الفكري هما ما أكسبني شعبية، ليسفي حزب الأمة فقط، بل في الخارج أيضا، وأنا لست رئيس محليا، بل لدي روابط كثيرة في العالم، فأنا عضو في ناديمدريد لرؤساء الدول السابقين المنتخبين، ورئيس للمنتدى العالمي للوسطية، وعضو في المكتب التنفيذي لمؤسسة المياهالعربية، وغيرها الكثير. وبشأن حزب الأمة، فقد عقد الحزب سبعة مؤتمرات عامة، ويعقد بشكل مستمر اجتماعات الهيئةالمركزية.
قلت إنه خلال المؤتمر تكون هناك محاسبة، هل حوسب الصادق المهدي؟
طبعا، الذي يحصل هو الآتي: الرئيس يقدم خطابا، والمؤتمرون يناقشون ذلك الخطاب، وتكون هناك إشادة بالأداء.. لأننااستطعنا أن نصمد أمام الديكتاتورية، وأن نرفض أي نوع من أنواع الإغراء، وأن نتصدى وندفع ثمن هذا التصدي.
في السياق نفسه، يقال إن حزب الأمة هو حزب عائلي، وإن القيادة تبقى محصورة فقط بين أبنائك وعائلتك؟
من أجل أن تمتحني ذلك، خذي أكبر 15 منصبا في حزب الأمة، ستجدين أن هناك اثنين من أسرتنا، وقدا جاءابالانتخابات وليس بالتعيين. أنا التزمت في تربية أولادي البنين والبنات بأسس تربوية هي: أولاً: لا عنف. ثانياً، لا تمييزبين ذكر وأنثى. ثالثاً، حرية الاختيار، لذلك، كل شخص من أبنائي وبناتي أصبحت له شخصية مستقلة، ولو أنني حاولتأن أفرض عليهم شخصيتي لتحولوا إلى شخصيات باهتة. أنا لدي ست بنات وأربعة بنين، وكل واحد فيهم لديه شخصيتهالمستقلة، لأن التربية في الشرق تقوم على العنف ضد الأطفال والتمييز.. للأسف، هذا موجود في تراثنا العربي، وهوموروث خاطئ، يحاول البعض ربطه بالشرع الإسلامي استناداً إلى أحاديث حققت فيها ووجدت أنها ليست صحيحة. إنربط الذكورية بالفقه الإسلامي من شأنه أن ينفر النساء من الدين.
قلت إنك ربيت أبناءك وبناتك على المساواة، هل أنت مع المساواة بين الرجل والمرأة؟
لدي دراسة في هذا الشأن، في مساواة وفي تميز تكاملي وليس تفاضلي، هناك اختلاف بين الذكر والأنثى.
(مقاطعة) أقصد المساواة بين الرجل والمرأة وفق المفهوم الكوني لحقوق الإنسان؟
في المواطنة والإيمان والعمل، بالتأكيد أنا مع المساواة.
في الإرث مثلا؟
في الإرث لدي دراسة في الموضوع تقول إن الإرث في الإسلام غير مرتبط بالنوع بل بالوظيفة الاجتماعية. مثلا، للذكر مثلحظ الأنثيين في حال كانت لدى الذكر مهام في الأسرة ينبغي أن يلتزم بها، لكن يطرح سؤال: ماذا لو اتحدت الوظائفالاجتماعية مثل ما هو موجود الآن؟ في رأيي، هذه النصوص تحتاج إلى مراجعة، حيث إن ابن القيم يقول الآتي: «واجبالفقيه أن يدرك الواجب اجتهاداَ والواقع إحاطة ويزاوج بينهما». الواقع تغير، وهذا يمنح المجال لإحداث اجتهاد جديد،ولدي كتاب في هذا الشأن اسمه «جدلية الأصل والعصر»، وفيه اجتهاد حول هذه القضية من واقع الوظيفة الاجتماعية لامن واقع النوع.
وما رأيك في إمامة المرأة للصلاة، كما شاهدنا امرأة في إحدى الدول الأوروبية تؤم الناس؟
كل هذه المسائل صالحة للاجتهاد، وأنا اجتهدت، وحتى لا يكون الكلام دون أساس، اطلعي على كتابي «عقوباتالشريعة وموقعها في النظام الاجتماعي الإسلامي».
(مقاطعة) نريد خلاصة كتبت للقراء؟
عودي إلى الكتب لأن هناك الحجة، لأنه حين تتحدث دون حجة تعطي فرصة للمنكفئين للهجوم علي وعليك… المنكفئونيرون كل شيء جديدا بدعة.
هل سنرى الصادق المهدي مرشحا للرئاسة في السودان؟
لا، لن أترشح.
وبالنسبة إلى رئاسة الحزب، لأنني سمعت أنك ستركز على مهام أخرى؟
لدي مهام كثيرة أريد التفرغ لها، لذلك، لن تكون لدي مهام حزبية أو تنفيذية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.