بإعلان اللجنة التحضيرية لحزب الأصالة والمعاصرة، يوم السبت 4 يناير الجاري، موعد المؤتمر الوطني الرابع في 7 فبراير، يكون البام قد دخل منعطفا سياسيا جديدا، سمته الأساسية إنهاء ولاية حكيم بنشماش، الذي لم يبق أمامه سوى شهر على رأس الحزب، والاستعداد لتغيير التوجه السياسي للحزب. أصبح بنشماش عبئا ثقيلا بسبب الصراعات الداخلية التي ورّط فيها الحزب، وأيضا بسبب متابعته للصحافيين. فهل يمكن أن يتحول البام إلى حزب عادي كسائر الأحزاب بطيه صفحة بنشماش؟ يمكن تلخيص مسار هذا الحزب المثير للجدل في ثلاثة منعطفات؛ الأول هو منعطف التأسيس في 2008، في سياق اتسم بصعود البيجيدي، وتراجع أحزاب الحركة الوطنية التي خرجت منهكة من تجربة التناوب. كان التمهيد لتأسيسه بخروج «حركة لكل الديمقراطيين»، في 2007، والتي ترأسها أحمد اخشيشن، وضمت نخبا من اليسار والحداثيين، تجمعت حول الوزير المنتدب في الداخلية المستقيل، فؤاد عالي الهمة، وبشرت بطرح أفكار جديدة تتبنى تقرير الخمسينية وإنجازات هيئة الإنصاف والمصالحة، وتنادي بإعادة هيكلة الحقل السياسي، وخلق أقطاب سياسية، وتعلن صراحة التصدي للإسلاميين. في 2009، سيتحول البام بسرعة إلى القوة السياسية الأولى في الانتخابات الجماعية، بحصوله على رئاسة معظم الجماعات، خاصة في العالم القروي، بأزيد من 6000 مقعد، وقد تبنى خطابا معاديا للبيجيدي، لكنه دخل أيضا في صراع مع حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، خاصة بعدما أبدى الحزبان توجسهما من تقدمه انتخابيا على حسابهما، مدعوما بالأعيان والسلطة. لكن، في الوقت الذي كان يستعد فيه البام لاكتساح الانتخابات التشريعية، التي كانت مقررة في 2012، جاء الربيع العربي، ورفعت حركة 20 فبراير شعارات ضده، وجرى تعديل الدستور، وإعلان إجراء انتخابات سابقة لأوانها في أواخر 2011، وتوارى البام إلى الوراء، واستقال منه الهمة، أحد أهم مؤسسيه، مفسحا المجال لتحالف الأحزاب الثمانية G8، بقيادة صلاح الدين مزوار، لمواجهة البيجيدي، لكن هذا الأخير اكتسح تلك الانتخابات ب105 مقاعد، وأصبح عبد الإله بنكيران أول رئيس حكومة من البيجيدي في ظل الدستور الجديد. وبذلك فشل البام في ما خطط له، وأصبح مفروضا عليه البقاء في المعارضة، وهو الذي خُلق ليكون في السلطة. المنعطف الثاني، الذي عاشه الحزب، يتعلق بالفترة التي تولى فيها إلياس العمري قيادة الحزب، سواء أمينا عاما أو من وراء الستار. كان إلياس هو الرجل القوي في الحزب، والآمر الناهي الذي يدبر التنظيم والمال والانتخابات، بل وصل تأثيره إلى أحزاب أخرى من المعارضة، وحتى إلى وزراء في الحكومة. كان الهدف الأساسي لإلياس هو الفوز في الانتخابات التشريعية في 2016، وإبعاد البيجيدي، لكن، رغم الدعم الذي حظي به، وتمكنه من مضاعفة عدد مقاعد حزبه في البرلمان ليصل إلى 102 مقعد، فإن البيجيدي تجاوزه ليصل إلى 125 مقعدا. ولم يفشل إلياس فقط في منع تصدر البيجيدي الانتخابات، بل فشل أيضا في منعه من تشكيل الحكومة، حيث جمع، بعد ظهور النتائج، قيادات الاتحاد والاستقلال والأحرار والحركة لإصدار بيان رفض تشكيل الحكومة مع بنكيران، لكن حميد شباط، الأمين العام السابق للاستقلال، أفسد هذه الخطط بكشفها، وإعلانه رفضه الانخراط فيها. وجاءت أحداث الحسيمة، التي كان من تداعياتها استقالة إلياس من قيادة الحزب في غشت 2017، وتولى حكيم بنشماش منصب الأمين العام في ماي 2018، ليدخل الحزب منعطفا ثالثا، سمته الأساسية الصراع الداخلي الحاد بين توجهين؛ الأول يمثله الأمين العام حكيم بنشماش، والثاني تمثله فاطمة الزهراء المنصوري، رئيسة المجلس الوطني، والبرلماني عبد اللطيف وهبي، واتخذت المواجهة عدة أشكال تارة بسبب المال، بعد تبادل الاتهامات بشأن أموال الانتخابات أو أموال الفريق البرلماني في الغرفة الثانية، والتي لم يسلمها رئيس الفريق السابق، محمد بنعزوز، وتارة أخرى بسبب حسابات شخصية واتهامات بالإقصاء. وتطور الأمر إلى حد طرد بنشماش قيادات من الحزب، وقيام تحركات مضادة لإسقاطه، وتشكيل لجنتين تحضيريتين للمؤتمر، وحسم القضاء هذا الصراع لصالح تيار المنصوري ووهبي، قبل أن يخضع الأمين العام للأمر الواقع. لكن هناك بعدا سياسيا في خلافات البام يتعلق بتوجهات الحزب، فبنشماش مازال يعتقد، مدفوعا بنزعات إيديولوجية، أن البام يمكنه التصدي للبيجيدي، لكن تيار وهبي يرى العكس، ويدفع حزبه إلى القطع مع «التحكم»، وفتح باب التحالف مع الإسلاميين، مثلما حدث في طنجة. يسعى بنشماش إلى دعم أخنوش انتخابيا بالأعيان لإسقاط البيجيدي، فيما يرفض وهبي أن يكون البام ملحقا بحزب الأحرار، ويهاجم أخنوش، ويدفع الحزب إلى تطبيع علاقاته مع الإسلاميين، في أفق التحالف سياسيا معهم في 2021. فهل ينجح تيار وهبي في محطة المؤتمر المقبل، ويعلن القطيعة مع توجهات الحزب السابقة؟ وهل يمكن خلق حزب سياسي بمناضلين حقيقيين وليس بنخب مصلحية وأعيان الانتخابات؟ هذا ما سنتابعه بعد محطة المؤتمر المقبل..