الخلاف حول الصياغة النهائية لمشاريع القوانين المرتبطة بإصلاح منظومة العدالة بدأ يخرج إلى العلن، إذ كشفت ندوة «الجمعية المغربية للقضاة» عن توجسهم حول إعداد مشروع قانون النظام الأساسي للقضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية وقالت القاضية رشيدة أحفوظ، رئيسة الجمعية المغربية للقضاة، خلال ندوة حول «إصلاح منظومة العدالة، أي دور للقضاة والمحامين وأي تواصل؟»: «كل هذا يدفعنا إلى أن نطالب بخصوص إعداد مشاريع القوانين المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وكذا النظام الأساسي لرجال القضاء أن يتم على يد المعنيين به، وهم القضاة وليس وزارة العدل». وكشفت القاضية رشيدة أحفوظ، رئيسة الغرفة الاجتماعية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء وأستاذة بالمعهد العالي للقضاء، أن الجمعية وجهت كتابا إلى وزير العدل، من أجل إشراك جميع المهنيين في صياغة مشاريع القوانين التنظيمية للمؤسسات القضائية الدستورية. وأشارت القاضية أحفوظ، خلال الندوة، التي افتتحها القاضي عبد الله زاعم، رئيس غرفةٍ بمحكمة الاستئناف الاجتماعية بالبيضاء، إلى أن مجموعة من الإشكالات المطروحة تحتاج إلى أجوبة من قبل المهنيين، من بينها الإشكال المرتبط بالفعاليات غير القضائية، العضو في تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية. واعتبرت أن إشراك هذه الفعاليات الحقوقية والمدنية المشهود لها بالكفاءة، له دوره وأهميته في حالة ملفات مدرجة أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول منظومة العدالة، لكن عندما يتعلق الأمر بشأنٍ قضائي مهني صِرف، فهو من اختصاص القضاة الأعضاء بالمجلس وحدهم. «حشومة هادي 33 سنة ونفس المسؤول لا زال في نفس المسؤولية»، الكلام هنا للقاضية أحفوظ، عند حديثها عن الترقيات، مشيرة إلى أن على القضاة انتظار 10 سنوات للحصول على ترقية، كما اعتبرت أن التنصيص على 5 سنوات من الخدمة داخل نفس المحكمة للقبول بالمشاركة في انتخابات أعضاء المجلس، هو شرط تعجيزي ويضع عراقيل أمام فئة من القضاة. بالنسبة للقاضية أحفوظ، فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يجب أن يكون مستقلا عن وزارة العدل والحريات من حيث بنياته وإدارته والإمكانيات اللازمة لتدبير المسار المهني للقضاة، مع ضمان تمثيلية للنساء القاضيات والتأكيد على الاستقلال الذاتي من الناحية المالية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وخاصة فيما يتعلق بالميزانية، ومنحه صلاحيات واسعة في مجال وضع المعايير الأخلاقية لعمل القضاة عبر اعتماد مدونة أخلاقيات السلوك القضائي. لكل هذا، تؤكد المتحدثة، «يجب أن يتم استبعاد أي تقارير سرية ضد القاضي من أي جهة كانت، وفي المقابل، يجب إطلاعه على نشرات تنقيطية، والعمل على ترقيته في آجال معينة ومعقولة، والعمل على تحسين وضعيته المادية، إضافة إلى ضرورة تعويضه عن العمل في الساعات الإضافية وأيام العطل والديمومة. كما يجب أن يضمن النظام الأساسي للقضاة كذلك، تعيين القضاة وترقيتهم بما يكفل حماية استقلالهم، بإبعاد السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة العدل والحريات من أي صلاحية تؤثر على القضاة من حيث مشوارهم واستقلالهم.
الجامعي: تخليق مهن القضاء كان من أولويات الهيئة العليا طمأن النقيب عبد الرحيم الجامعي (رئيس سابق لجمعيات هيآت المحامين بالمغرب)، المشاركين في أعمال الندوة، إلى أن هناك لجنة منبثقة عن الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة، اشتغلت على كل الجوانب المرتبطة بتخليق المهن القضائية والقانونية، كما التمس من الحاضرين عدم استباق نتائج الحوار، الذي تطرّق إلى كل الجوانب المرتبطة بإصلاح العدالة، خصوصا الجوانب المرتبطة بالاستراتيجيات الكبرى المرتبطة بالتنزيل السليم للدستور فيما يخص جعل القضاء سلطة مستقلة. الحقوقي عبد الرحيم الجامعي، بسط أثناء مداخلته تحت عنوان «دور التقاليد والأعراف المهنية في إصلاح منظومة العدالة»، مجموعة من المعطيات والأرقام للتدليل على أن الأعراف والتقاليد ليست صنعا محليا، بل هي تقاليد كونية تعود إلى قرون عدة، مشيرا إلى أن مجموعة من الدول قطعت أشواطا كبيرة من أجل توحيد المفاهيم ووضع مدونات موحدة لأخلاقيات المهنة. وقال النقيب الجامعي، إنه منذ الاستقلال إلى 2008، فإن عدد القوانين التي صدرت لتنظيم مهنة المحاماة، هو خمسة، الثابت فيها هو الديباجة، وفي المقابل، نجد أن 37 دولة أوربية بها مليون محام، لديهم مدونة واحدة، وفي فرنسا هناك 50 ألف محام لديهم نظام داخلي واحد. وقال الجامعي في بداية مداخلته، «داخل أوساط العدالة، هناك للأسف من يسيء إلينا جميعا بتصرفاته بنمط عمله، وبالشبهات التي يحملها، وبسلوكاته، وما لذلك من تداعيات على مصير أمة وعلى مصير قضائها».
المانوزي:لا معنى لاكتساب القضاء سلطة دون إبراز مؤشرات «الاستقلالية» قال مصطفى المانوزي، محام بهيئة البيضاء ورئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، «لا أحد ينكر بأن المجهود الدستوري أقام أعمدة صلبة للسلطة القضائية...لكن ما جدوى هذه الأعمدة إذا لم يتم إشراك المعنيين بالإصلاح كفاعلين من داخل المنظومة وكموضوع له». وتساءل المانوزي في بداية مداخلته تحت عنوان «التواصل المعرفي دعامة لإصلاح منظومة العدالة»: «كيف يمكن تأهيل مكونات منظومة العدالة لكي تلعب دورها بنجاعة وتفان، والحال أنه لا معنى لاكتساب القضاء لصفة السلطة دون إبراز مؤشرات وأسس «الاستقلالية»؟. وأكد المانوزي أن الدساتير السابقة قد نصت على استقلال القضاء، لكن صفة «السلطة» التي جاء بها دستور 2011 قد حسمت الموقف والتأويلات، وباعتبار المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الممثل المعنوي والقانوني للعدالة، فإن الهندسة الدستورية التي حذفت عضوية وزير العدل من تشكيلته، كانت حاسمة في كون القضاء صار متحررا من أي هيمنة للسلطة التنفيذية.
عادل فتحي: جرأة القاضي اليوم هي نتاج خطوات جريئة قامت بها الدولة قال القاضي عادل فتحي، نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتازة، إلى أن التواصل ما بين القاضي والمحامي تحكمه عدة إجراءات، مسطرية منها ونفسية، تتعلق بسرية الأبحاث وبالمسطرة المتبعة في بعض القضايا وما يطغى على ذهن المحامي، كما أن الإعلام يلعب دورا مهما في تحديد طبيعة العلاقة ما بين القاضي والمحامي. وأشار القاضي عادل فتحي، إلى أن جرأة القاضي، التي بدأت تظهر بعد دستور 2011 الذي أرّخ لميلاد القضاء وعودة القاضي من جديد إلى صلب النقاش، هي نتاج خطوات جريئة قامت بها الدولة، وأن هذا الميلاد سبقته إجراءات أخرى أكثر جرأة أقدمت عليها الدولة، منها تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة وإلغاء محكمة العدل الخاصة ومنح عناصر مراقبة التراب الوطني الصفة الضبطة، وانتماء القضاة إلى جمعيات مهنية.
آيت بوجبير: المحامي مساهم في تكوين العدالة وليس مساعدا فقط طالب عبد اللطيف آيت بوجبير، محام بهيئة البيضاء والكاتب العام لنادي المحامين بالمغرب، بضرورة دمقرطة قانون مهنة المحاماة مع العمل على إلغاء مجموعة من المقتضيات المجحفة في حق المحامين الشباب، فضلا عن ضرورة تفعيل المقتضيات المرتبطة باحتكار المهنة. وسرد آيت بوجبير، خلال مداخلته مجموعة من الأحكام التي تحاول أن تحصر مهمة الدفاع في مجرد مساعدٍ للقضاء، والحال أن ظهير 2008 لمهنة المحاماة، ارتقى بدور المحامي من كونه مساعدا للقضاء، إلى مساهم في تكوين العدالة، لتضيف كلمة «مساهم»، الكثيرَ من الأمور إلى اختصاصات المحامي ومجال تحركه، من أجل تسريع وثيرة البحث في الملفات، لأن العدالة البطيئة ،في نظره «ظلم».