في موقف مثير، دعت ثلاثة من الأحزاب السياسية إلى ضرورة دراسة التعبيرات السياسية الجديدة للشباب المغربي والتفاعل معها، والتي بدؤوا يرددونها في ملاعب كرة القدم، أو في موجة جديدة من أغاني “الراب”، التي لقيت انتشارا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي. بعض من هذه الأحزاب المغربية، قالت إن دوافع موقفها الجديد هو “الأوضاع الوطنية العامة وما تتسم به من هشاشةٍ وانحباسٍ ديمقراطي، ومن استشراءٍ للقلق والحيرة في أوساط مجتمعية مختلفة، وما تعرفه من تَعَمُّقٍ لأزمة الثقة”. حزب التقدم والاشتراكية دعا “إلى الانتباه إلى هذه التعبيرات، والتقاط ما يقتضيه الوضعُ من إعادةِ الاعتبار للفعل السياسي الجاد وللوسائط المجتمعية والمؤسساتية، بما يضمن تملك القدرة على احتضان الحركية الطبيعية والصحية للمجتمع واستيعاب مختلف تعبيراتها المشروعة، في ظل الإطار الدستوري والقانوني والمؤسساتي، وبأفق الإصلاح في كنف الاستقرار، وما تتطلبه اللحظة الوطنية أيضا من ضرورة الارتقاء بالأوضاع الاجتماعية لمختلف الفئات المحرومة، بما يحرر على وجه الخصوص طاقات الشباب ويُطلقها في اتجاهات إيجابية وبناءة”. حزب الاستقلال هو الآخر شدد على ضرورة “القيام بقراءة عميقة وواعية لمختلف الظواهر والأشكال الجديدة في التعبير والاحتجاج والترافع التي أصبح يلجأ إليها الشباب لتوجيه رسائل عفوية أحيانا عن هشاشة الوضع الاجتماعي ببلادنا، مع التعجيل بصياغة الاختيارات التنموية الكفيلة بضمان الكرامة والأمل في نفوس الشباب”. محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، اعتبر البلاغات السياسية، الصادرة عن أحزاب البيجيدي والتقدم والاشتراكية والاستقلال، هي رد فعل طبيعي من الأحزاب بأنها أصبحت تشعر أنها متجاوزة بالنظر للردود الشعبية على ما يجري في الساحة السياسية. مؤكدا أن التعبيرات السياسية التي طفت على المشهد السياسي، سواء الموجة الجديدة للراب، أو أغاني الألترات، هي تعبيرات تسائل الأحزاب عن دورها في المشهد السياسي، فهذه الأغاني التي تحمل مجموعة من المطالب والتعبيرات السياسية والاحتجاجات مفروض على الأحزاب بمختلف تنظيماتها وخصوصا الشبيبات تجسد ليس فقط تباعدا بينها وبين الشباب، بل تثبت وجود شرخ بينها وبين مطالب الشباب تعبر عنه هذه التعبيرات الجديدة، سواء التي يرددها الشباب في أغاني “الراب” أو في الملاعب الرياضية، وهذا يجعل دور الأحزاب مقزما لأنها لم تستطع أن تحمل هذه التعبيرات وتعبر عنها من داخل أجهزتها الشبابية الموازية. دعوة ثلاثة أحزاب مجتمعة إلى الإنصات إلى هموم الشباب، دافعه الرئيسي في نظر شقير، هو شعورها وإحساسها المتأخر بأنها أصبحت خارج اللعبة السياسية، وفاشلة في استيعاب التعبيرات السياسية الشبابية، واصفا بلاغات الأحزاب السياسية بأنها “بلاغات للاستهلاك” أكثر منها رغبة منها من أجل إعادة النظر في بنيتها التأطيرية الداخلية، أو محاولة منها لاستيعاب ما يعتمل داخل صدور الشباب المغربي، ومن هواجس، فالمفروض عليها أن تعيد النظر في بنيتها التنظيمية ككل وطريقة تكوين شبيباتها الحزبية، وخطابها السياسي. حسب شقير، فالبلاغات الجديدة تعكس شرخا بين الشباب والأحزاب، بدأ يتزايد يوما عن يوم، والذي بدا واضحا منذ حراك الريف، متوقعا تزايد الاحتجاجات وتكرارها، لأن الأحزاب أصبحت غير مجدية من الناحية التأطيرية لمتابعة هموم الشباب الذين أصبحوا يبحثون عن أشكال أخرى، بعيدة عن الأحزاب التي تراجعت عن دورها التأطيري لأن بنيتها الحزبية لا تتلاءم مع الذهنية الجديدة للشباب ومع طريقة تعاملهم مع الحياة السياسية. كما جاء في بيان للجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، أن “اللحظة المجتمعية تتطلب من مختلف الفاعلين والقوى الحية تتبع هذه الظواهر الشبابية بيقظة مواطناتية وحس عال من المسؤولية، من أجل انتشالها من الانهزامية المستشرية، ومواكبتها بالاحتضان والتأطير الملائم والمسؤول”. البيجيدي دعا هو أيضا في بلاغ لأمانته العامة، إلى “دراسة بعض الأشكال التعبيرية الجديدة وتحليلها من أجل فهمها الفهم السليم والمناسب”، مشددا على وجوب “العمل لإعادة الاعتبار للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمؤسسات التمثيلية”. مشددا على أن “المسؤولية تقع أولا على عاتق هذه المؤسسات من خلال الحرص على الارتقاء بمصداقيتها ومصداقية أعضائها وقربها من المواطنين والاستماع لتطلعاتهم والاستجابة لها قدر الإمكان، ثم ثانيا، بمقاومة كل أشكال الاستهداف والتبخيس والتشكيك الممنهج في مصداقيتها، ومواصلة بناء الصرح الديمقراطي والحقوقي والمؤسساتي الذي يُشكل الاستجابة الحقيقية والموضوعية لكل التحديات السياسية والاجتماعية والثقافية”. من جهة أخرى دعت شبيبته أيضا، إلى “تهيئ الأجواء والظروف السياسية الوطنية الكفيلة بتمكين هيئات الوساطة السياسية والشبابية من استعادة أدوارها التأطيرية والتواصلية والتمثيلية”. داعية “كافة الفاعلين السياسيين لتحمل مسؤوليتهم والقيام بأدوارهم الحقيقية في تأطير المواطنين تأطيرا حقيقيا يخاطب عقولهم ويلامس قضاياهم، بعيدا عن الاستغلال الانتخابوي لمعاناة فئات عريضة من المغاربة، بكيفية أنتجت وما تزال ردود فعل سلبية مختلفة خاصة في صفوف الشباب”.