ابتداء من هذه السنة، سوف يصبح اقتراب ذكرى المسيرة الخضراء، الموعد السنوي للمواجهة السياسية والدبلوماسية بين المغرب وخصومه في كواليس الأممالمتحدة، حيث أعاد القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، عقارب الملف إلى إيقاع التجديد لولاية بعثة الأممالمتحدة في الصحراء، مينورسو، إلى سابق عهده، أي التمديد لسنة كاملة عوض “بدعة” الستة أشهر التي تسبّب فيها جون بولتون في السنتين الماضيتين، قبل أن يستقيل مستهل شتنبر الماضي. وبدلا من شهر أبريل، الذي كان يعرف هذه المعركة السنوية طيلة أكبر من عشر سنوات، ستصبح هذه المعركة تحل في أكتوبر من كل سنة، أي أياما قليلة قبل حلول ذكرى المسيرة الخضراء… تمرّ اليوم 44 سنة على تلك اللحظة التي قام فيها آلاف المغاربة باختراق الحدود التي كان الاستعمار الإسباني يقيمها بين المغرب وأراضيه الجنوبية. قرابة أربعة عقود ونصف، خاض فيها المغاربة حربا ساخنة أحيانا، وباردة في أخرى. وبين مدّ وزجر في الجبهة الدبلوماسية منذ وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه سنة 1991، كانت السنة الماضية حافلة بالتطورات، والتي جاء أغلبها في صالح الموقف المغربي، حيث تمكنت المملكة من إعادة الدور الأمريكي إلى وضعيته السابقة، بعدما كاد مجيء الرئيس الحالي دونالد ترامب، ثم مستشاره السابق في شؤون الأمن القومي، جون بولتون، يخرجان التأثير الأمريكي الكبير في هذا الملف، عن خطّه التاريخي القائم على عدم المساس بالمصالح المغربية الحيوية. ابتداء من هذه السنة، سوف يصبح اقتراب ذكرى المسيرة الخضراء، الموعد السنوي للمواجهة السياسية والدبلوماسية بين المغرب وخصومه في كواليس الأممالمتحدة، حيث أعاد القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، عقارب الملف إلى إيقاع التجديد لولاية بعثة الأممالمتحدة في الصحراء، مينورسو، إلى سابق عهده، أي التمديد لسنة كاملة عوض “بدعة” الستة أشهر التي تسبّب فيها جون بولتون في السنتين الماضيتين، قبل أن يستقيل مستهل شتنبر الماضي. وبدلا من شهر أبريل، الذي كان يعرف هذه المعركة السنوية طيلة أكبر من عشر سنوات، ستصبح هذه المعركة تحل في أكتوبر من كل سنة، أي أياما قليلة قبل حلول ذكرى المسيرة الخضراء. عام على خطاب اليد الممدودة انقلاب شامل في مسار تدبير الملف دوليا في السنة الماضية، أعقب ذلك النداء الملكي الذي صدر في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء للعام الماضي، والذي دعا فيه الجارة الشرقية للمملكة، الجزائر، إلى فتح صفحة جديدة وتشكيل لجنة ثنائية تتولى حل الخلافات القائمة. الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء، أعطى أهمية للعلاقات مع الجزائر، وحمل عبارات الود تجاهها ووصف الجزائريين بالأشقاء والجيران، قائلا أنه لن يدخر جهدا “من أجل إرساء علاقاتنا الثنائية على أسس متينة، من الثقة والتضامن وحسن الجوار”، عملا بقول جدنا صلى الله عليه وسلم: “مازال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه”. مهمة الآلية التي اقترحها الملك على الجارة الشرقية، هي الانكباب على دراسة “جميع القضايا المطروحة”، بكل “صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات”. كما يمكنها أن تشكل إطارا عمليا “للتعاون”، بخصوص مختلف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق “باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية”، كما تساهم في “تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لاسيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة”.. وأكد الملك في خطاب السنة الماضية نيته الصادقة في الحوار مع الجزائر “بدون وساطة”، قائلا: “يشهد لله أنني طالبت، منذ توليت العرش، بصدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية وبكل وضوح ومسؤولية، أؤكد اليوم أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات”. بطء الجزائر وسرعة العالم لم تردّ الجزائر على التحية الملكية بشكل رسمي وصريح، سواء بمثلها أو بأحسن منها، إلا أن تحولات إقليمية وداخلية كثيرة وقعت منذ ذلك الحين. فالجزائر تعيش منذ شهر فبراير الماضي، على إيقاع الحراك الشعبي المطالب برحيل جميع المسؤولين السياسيين. سقط الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، واقتيد عدد من مقربيه، يتقدمهم شقيقه سعيد بوتفليقة، إلى السجن، وبقي الموقف الرسمي الجزائري على حاله، لكن مياها كثيرة جرت تحت الجسور. فإلى جانب التصريحات القوية التي صدرت عن أحد رموز النظام الجزائري، وهو الرئيس السابق للبرلمان عمار سعداني، الذي أقر بمغربية الصحراء وبخطأ الموقف الجزائري، تفيد الكثير من المعطيات المتسربة عبر بعض القنوات الدبلوماسية، إلى أن جارتنا الشرقية باتت أكثر استعدادا للتعاون مع حلّ توافقي ينهي هذا النزاع، ويخلّصها من عبء ثقيل لاحتضان ودعم جبهة انفصالية بات العالم يستعجل زوالها. فوزارة الخارجية الجزائرية، صمتت لأكثر من 24 ساعة بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، يوم الأربعاء الماضي، لتصدر بيانا خاليا من أية إشارة إلى فكرة تنظيم استفتاء في الصحراء، تماما مثلما خلا قرار مجلس الأمن الدولي من هذه الفكرة المستحيلة. تطوّرات تفسّر سبب خروج جبهة البوليساريو في بيانات متفرقة للتلويح بالخروج من مسار التسوية السلمي، ومهاجمة فرنسا باعتبارها مسؤولة عن حذف فكرة الاستفتاء من قرار مجلس الأمن الدولي… في مقابل بطء تطوّر الموقف الجزائري، فإن الدينامية الدولية كانت تتطوّر بسرعة خلال العام الماضي. فبعد أقل من شهر من خطاب المسيرة الخضراء الأخير، كان كل من المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو يجلسون إلى طاولة واحدة في لقاء جنيف الأول الذي نظّمه المبعوث الأممي السابق هورست كوهلر. اللقاء كسر نحو ست سنوات من الجمود في المسار الأممي وغياب أي لقاء مباشر بين أطراف نزاع الصحراء. وفي الوقت الذي اقتصرت جبهة البوليساريو على أعضائها المقيمين بمخيمات تندوف الجزائرية في تشكيل وفدها المشارك في لقاء جنيف؛ تكوّن الوفد الممثل للمغرب من غالبية تنتمي إلى أبناء الأقاليم الصحراوية للمملكة، ينتمون إلى فئة المنتخبين والفاعلين في المجتمع المدني، ما شكّل تطوّرا جديدا في الموقف المغربي على حساب خصومه، وهو الاختراق الذي تكرر في لقاء جنيف الثاني الذي انعقد في فبراير الماضي. موقف أمريكي جديد التحوّل الأكبر والأهم، الذي صبّ في مصلحة المغرب خلال هذا العام الفاصل بين ذكرى المسيرة الخضراء السابقة، وتلك التي تحل اليوم، هو الذي شهده الموقف الأمريكي. فقبل عام واحد من الآن، وفي أواخر شهر أكتوبر 2018 تحديدا، كانت إدارة ترامب تنجح في استعادة المبادرة وفرض أجندتها على كل من الأطراف ومنظمة الأممالمتحدة. واشنطن التي أخرجها صعود البرتغالي أنطونيو غوتريس إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، واختيار هذا الأخير لممثل شخصي أوروبي من وزن ثقيل هو الرئيس الألماني السابق، هورست كوهلر، عادت في 2018 للإمساك المباشر بخيوط الملف، ونجحت في إرجاع عقارب القضية إلى عاصمتها واشنطن، وذلك عاما واحدا بعد إعفاء الموظف في الخارجية الأمريكية، كريستوفر روس، من مهمة الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة. فقرار مجلس الأمن الدولي في نهاية أكتوبر 2018، سبقه مخاض عسير تطلب تأجيل انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي إلى الساعات الأخيرة من عمر الولاية القانونية لبعثة المينورسو، ودخول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتريس، شخصيا على الخط عبر لقائه وزير الخارجية الأمريكي لمحاولة إقناعه بقبول مقترح الأمين العام للأمم المتحدة بتجديد ولاية البعثة لمدة عام كامل، لكن تلك المساعي انكسرت فوق صخرة الإصرار الأمريكي على الاكتفاء بستة أشهر. العاصمة الأمريكيةواشنطن شهدت حينها تحركات مكثفة، حيث استقبل مساعد وزير الخارجية الأمريكي، دافيد هال، كلا من السفير الجزائري لدى الولاياتالمتحدة، مجيد بوكرة، والسفيرة المغربية للاجمالة العلوي، التي حاولت إقناع الإدارة الأمريكية بتمديد ولاية البعثة الأممية في الصحراء عاما كاملا، في ظل إصرار أمريكي على الاكتفاء بستة أشهر. واشنطن نفسها ستكون شهر أكتوبر الماضي، أي بعد عام واحد، المحطة التي خرج منها وزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة، مبتهجا بلقاءات رسمية جمعته بكل من نظيره الأمريكي مايك بومبيو، وكبار موظفي البيت الأبيض. فمساء يوم 22 أكتوبر الماضي، صدر بيان مشترك مغربي أمريكي جدّد تأكيد محاور التعاون والتنسيق الأمني والعسكري والاقتصادي والسياسي بين البلدين. أستاذ العلوم السياسية محمد الزهراوي، سجّل صدور القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي في سياق “غياب أو ذهاب أبرز المنافحين والمدافعين عن أطروحة خصوم المغرب من داخل الإدارة الأمريكية، وبالتحديد، جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، الذي أقاله الرئيس الأمريكي ترامب بسبب مواقفه إزاء مجموعة من الملفات الحيوية والاستراتيجية”. وأضاف الزهراوي أن الموقف الأمريكي يشهد تحولا يتمثل في تعامل إدارة ترامب بمرونة مع الموقف المغربي مقارنة بمواقف واشنطن السابقة “التي كانت تتسم بالصرامة والصلابة والغموض، نظرا إلى مجموعة من الاعتبارات. لكن، من الواضح، أن المملكة تمكنت من تخطي الأزمة غير المعلنة أو حالة الفتور التي اعترت العلاقة بين الطرفين منذ مجيء ترامب”. نزاع إقليمي بين ذكرى المسيرة الخضراء السابقة، والتي تحلّ اليوم، كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر قرارا متم شهر أبريل الماضي، خرج منه المغرب بانتصار استراتيجي وخسائر تكتيكية، حيث شكّل القرار هزيمة قاسية لجنوب إفريقيا التي تولّت حمل الأجندة المعادية للمغرب، باعتبارها عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، وخرج ممثلها في المجلس عقب جلسة التصويت لمهاجمة القرار واعتباره غير متوازن. المكسب الاستراتيجي، الذي تحقق منتصف هذا العام، تمثل في تكريس التحول الذي بدأ في السنوات الأخيرة من جانب الأممالمتحدة، والذي ينقل النزاع من خانة “تقرير مصير شعب” إلى دائرة النزاع الإقليمي، بين المغرب والجزائر أساسا، وبالتالي، ضرورة التفاوض المباشر بينهما لإنهائه. ورغم امتثاله للضغوط الأمريكية حينها لإبقاء تجديد ولاية المينورسو محصورا في ستة أشهر، إلا أن القرار جاء حاملا لخطاب جديد يتحدّث عن أطراف النزاع، مشيرا بشكل مباشر إلى كل من المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا. وبعدما بدا الموقف الدولي بعد ذكرى المسيرة الخضراء للعام الماضي كما لو كان مقبلا على اندلاع صراع صامت بين المبعوث الأممي السابق، هورست كوهلر، والمستشار السابق للرئيس الأمريكي في شؤون الأمن القومين جون بولتون، تحلّ ذكرى هذه السنة وقد رحلا معا. فالمبعوث الأممي كوهلر استقال من منصبه مباشرة بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي متم أبريل 2018. كوهلر برّر رسميا استقالته بأسباب صحية، فيما تفيد بعض التسريبات أن الخطوة جاءت بعدما تبيّن للرئيس الألماني السابق استحالة إمساكه بجميع خيوط الملف، وإصرار واشنطن على التحكم فيها. فيما جاءت استقالة جون بولتون بداية شتنبر الماضي، لتزيح من طريق المغرب رجلا لم يكن بالضرورة مؤثرا في المسار العام للملف، بقدر ما كان يفرض إيقاعا وطريقة “خشنة” لا تحبذها الدبلوماسية المغربية.