كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان أول أمس الأربعاء، عن النص الكامل لمذكرته التي وجهها إلى مجلس النواب، بخصوص تعديل القانون الجنائي. المجلس عنون مذكرته بعبارة طويلة تقول: “من أجل قانون جنائي يحمي الحريات ويستوفي مبادئ الشرعية والضرورة والتناسبية”. وحملت المذكرة التي تعتبر وثيقة رسمية صادرة عن مؤسسة دستورية من حجم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مقتضيات جريئة يحتمل أن تثير نقاشات صاخبة، خاصة منها تلك المتعلقة بالحريات الفردية. وتتمثل هذه المقتضيات التي يريد المجلس الذي ترأسه أمينة بوعياش تضمينها في مشروع القانون المعروض حاليا على البرلمان لتعديل القانون الجنائي، في اعتماد مبدأ الرضائية في التعاطي مع العلاقات الجنسية بين البالغين، ما يعني حذف تجريم الفساد كما هو وارد حاليا، إضافة إلى إباحة الإجهاض في حالات كثيرة. مذكرة المجلس لم تقتصر على الحريات الفردية، بل تضمنت مقتضيات تهم التعذيب والاختفاء القسري والتخلي عن عبارة “أمن الدولة”، الواردة حاليا في عنوان الباب الأول من الكتاب الثالث المتعلق بالجرائم المختلفة وعقوباتها وإلغاء عقوبة الإعدام… وهي كلها مقترحات تثير عادة جدالات كبيرة داخل المجتمع. واحد من أولى ردود الفعل التي صدرت بعد نشر بعض من مضامين المذكرة، جاءت في تدوينة للوزير السابق عن حزب العدالة والتنمية، محمد نجيب بوليف. هذا الأخير تساءل: “هل يجوز لمؤسسة دستورية أن تقدم توصيات تخالف رأي غالبية مكونات الأمة المغربية… دون إبداء كل الآراء الممكنة في الموضوع!!!”. وبعد استغرابه من عدم تطرق المجلس الوطني لحقوق الإنسان ل”الرأي الآخر”، عاد بوليف ليقول إنه “إذا كان الموضوع سيأخذ الوقت الكافي من النقاش، بدون أدنى شك، فإننا نتساءل عن رأي العلماء والمؤسسات العلمية التي تمثله، في قضايا تهم الأمن الروحي وتدين البلد ومواطنيه، وليست حريات فردية مجردة، كما قد يوهمنا البعض بذلك”. أوصاه بإباحة الجنس الرضائي وإلغاء الإعدام وحذف فصول الإفطار العلني في رمضان و”زعزعة عقيدة مسلم” حذف “أمن الدولة” من الجنايات يقترح المجلس في مذكرته التخلي عن عبارة “أمن الدولة”، الواردة حاليا في عنوان الباب الأول من الكتاب الثالث المتعلق بالجرائم المختلفة وعقوباتها. وأوضحت الوثيقة أن مبرر هذا الاقتراح هو ضرورة التركيز على دستورية دواليب الدولة، واستبعاد المفهوم المجرد المتمثل في أمن الدولة، “الذي يوحي بأن للدولة مصالح جديرة بالحماية تختلف عن مصالح مجموع المواطنين”. واستند المجلس في توصيته هذه، إلى ضرورة انسجام صياغة القانون الجنائي شكلا ومضمونا، “مع تعميق التوجه الديمقراطي للمغرب”. وأضاف المجلس أن هذه التوصية سبق أن وردت في الدراسة التي أعدت للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بإشراف من محمد العلمي مشيشي. واقترح المجلس بناء على كل ذلك تغيير عنوان الباب الأول من الكتاب الثالث المتعلق بالجرائم المختلفة وعقوباتها ليصبح: “الجرائم التي تخل بالسير العادي (أو الصحيح) للمؤسسات الدستورية أو الجرائم التي تخل بسير المؤسسات الدستورية”. مع تغيير صياغة الفصل 206 من القانون الجنائي، بهدف تدقيق العناصر التكوينية لجريمة المس بالسلامة الداخلية للدولة وصورها. إضافة جريمة “العنف العمومي” والتحريض على العنف والكراهية اقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان إضافة فصل جديد في القانون الجنائي، ينص على تجريم العنف العمومي، وذلك بسبب “تزايد احتمالات وقوع العنف والاستفزاز في سياقها”، تقول المذكرة التي قدمها المجلس. واستندت المؤسسة في هذه التوصية إلى كل من الدستور والتزامات المغرب الدولية ومبدأ الشرعية، حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. ويتمثل المقترح في إضافة فصل خاص بالعنف العمومي والتحريض عليه، “في سياق التظاهر أو المس بالنظام العام. عندما يكون هذا العنف خطيرا وغير متناسب”. وشددت التوصية على ضرورة الحرص على أن يكون مفهوم العنف عاما من حيث آثاره، “حيث يشمل حالات المس بالسلامة البدينة أو المعنوية أو النفسية للفرد أو لملكيته وأمانه”. كما يقترح المجلس إضافة مقتضيات خاصة بالتحريض على ارتكاب جناية أو جنحة أو فعل يعاقب عليه القانون. “ولاسيما التحريض على العنف مهما كان نوعه وعلى الكراهية والتمييز”. وتشدد الوثيقة على أهمية تحديد عناصر هذا التحريض بكيفية صريحة ودقيقة، “حيث يشمل أفعال الدعاية، والتأثير والتهديد والضغط، والنص على الحالات التي يساعد فيها شخص على ارتكاب جناية أو جنحة أو يدفع إليه أو يشجع عليه”. معاقبة الرؤساء عن جريمة التعذيب اعتمد المجلس الوطني لحقوق الإنسان ضمن توصياته الموجهة إلى البرلمان، إضافة عقوبة خاصة بالرؤساء عن جريمة التعذيب التي يمارسها مرؤوسوهم. وبرّر المجلس هذا المقترح بضرورة تقوية آليات مكافحة إفلات مرتكبي جريمة التعذيب من العقاب، وبكون التعذيب “غالبا ما يرتكب من طرف مرؤوس تحت الرقابة الفعلية لرئيس أو من يقوم مقامه”. واستند المجلس في هذه التوصية إلى معاهدة نيويورك 1984 حول جريمة التعذيب، إلى جانب معاهدة حظر الاختفاء القسري، علاوة على مسؤولية الرئيس عن الجرائم الدولية، والتي تعاقب عليها أنظمة المحاكم الجنائية الدولية. ونص هذا المقترح على أنه يعاقب بنفس العقوبة المتعلقة بجريمة التعذيب، “الرئيس الذي كان على علم بأن أحد مرؤوسيه ممن يعملون تحت إمرته ورقابته الفعليتين، قد ارتكب أو كان على وشك ارتكاب التعذيب. أو تعمد إغفال معلومات كانت تدل على ذلك بوضوح”. ويضيف مقترح المجلس أن العقوبة تشمل الرئيس إذا كان يمارس مسؤوليته ورقابته الفعليتين على الأنشطة التي ترتبط بها جريمة التعذيب، “ومع ذلك لم يتخذ كافة التدابير اللازمة والمعقولة التي كان بوسعه اتخاذها للحيلولة دون ارتكاب جريمة التعذيب أو قمع ارتكابها أو عرض الأمر على السلطات المختصة لأغراض التحقيق والملاحقة”. وأوضح المجلس أنه ليس في هذه المقتضيات ما يخل بالقواعد التي تنطوي على درجة أعلى من المسؤولية الواجبة التطبيق بمقتضى القانون الدولي على قائد عسكري أو على أي شخص يقوم فعلا مقامه. وذهب المجلس إلى إضافة مقترح آخر، يعتبر أن أوامر الرئيس لا يمكن أن تشكل مبررا لجريمة التعذيب التي يمارسها المرؤوس، حيث “لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة من سلطة عامة مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة التعذيب”. ونصت توصية ثالثة بهذا الخصوص على أن جريمة التعذيب لا تتقادم. تجريم التعذيب الذي يرتكبه “الخواص” وضعت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مقترحا خاصا لمعاقبة الخواص على ارتكاب إيذاء الأشخاص بطريقة وحشية تضاهي التعذيب. وبرر المجلس توصيته هذه بكون تعريف جريمة التعذيب يتطلب وجود علاقة بين مرتكبه وبين السلطات العمومية. “والحال أن الأفعال المادية التي تشكل تعذيبا ينتج عنها بالنسبة للضحية نفس الألم ونفس الأضرار الجسدية والنفسية، سواء ارتكبها موظف عمومي أو شخص لا علاقة له بالأجهزة العمومية. لذا وجب تجريم تلك الأفعال التي تتسم بصبغة وحشية عند ارتكابها من طرف الخواص. إباحة واسعة للإجهاض نصت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على تعديل الفصول من 449 إلى 452 من القانون الجنائي والمتعلقة بالإجهاض. وتنص التوصية على “السماح للسيدة الحامل بوضع حد لحملها في الحالة التي يكون فيه تهديد لصحتها الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية”. وبرر المجلس توصيته هذه بضرورة مواكبة التشريعات الحمائية لواقع الإجهاض السري بالمغرب والتصدي للظاهرة “بطريقة عقلانية”. كما أضاف المجلس مبرر العمل على تجنيب النساء مخاطر الإجهاض السري، مع مكافحة لوبيات “المتاجرين بأجساد النساء المغربيات (وغيرهن) في الظروف القاسية والمؤلمة التي تصاحب الإجهاض السري للنساء الحوامل”. واعتبرت المذكرة أن من الضروري الاعتراف بكون مواصلة حمل غير مرغوب فيه لأسباب تتعلق بالصحة بمفهومها الشامل، أي الجسدي والنفسي والاجتماعي، فيه تعد على حرمة كيان السيدة الحامل “ومن ثم خرق لحقوق الإنسان”. وشدّدت المذكرة على أن هذه التوصية لا تعني جعل الإجهاض فعلا مبتذلا لا يستحق وقفة متأنية قبل اللجوء إليه، “نظرا لتعلقه أيضا بحياة جنين تعتبر موجودة بالقوة والفعل، وهو ما يستلزم إحاطة تحريره بضوابط تحصن اللجوء إليه من الزلل”. وتقول هذه التوصية بشكل حرفي: “يجوز للحامل أن تقرر وضع حد لحملها إذا كان في استمراره تهديد لصحتها النفسية والاجتماعية، شرط ألا تتعدى مدة الحمل ثلاثة أشهر، ما عدا في الأحوال الاستثنائية التي يحددها الطبيب”. ونصت المذكرة على ضرورة مراعاة ضوابط معينة قبل اللجوء إلى الإجهاض، وهي ألا تتعدى مدة الحمل ثلاثة أشهر، وألا يتم وضع حد للحمل إلا بعد استقبال الحامل التي ترغب في ذلك من طرف طبيب مختص، كما يتعين على الطبيب خلال مقابلته مع الحامل التي ترغب في الإجهاض أن يبين لها المخاطر المحتملة لهذه العملية. كما نصت المذكرة على ضرورة منح الحامل التي ترغب في وضع حد لحملها مهلة أسبوع “لكي تفكر بتأن قبل أن تتخذ بصفة نهائية قرار وضع حد لحملها”. كما أكدت الوثيقة أن القانون يجب أن يسمح للطبيب الذي لا يرغب في القيام بعملية الإجهاض بأن يمتنع عن ذلك إلا في حال تعرض صحة المرأة الحامل لخطر محدق. في هذه الحالة، تقول المذكرة، “يتعين توجيه الحامل لجهة طبية أخرى تقبل القيام بوضع حد للحمل”. وتشدد المذكرة على انه “لا يجوز وضع حد للحمل إلا من لدن طبيب”. وفي وضعية المرأة الحامل المصابة بمرض عقلي، يوصي المجلس بعدم السماح للطبيب بوضع حد للحمل إلا بعد أن يتأكد قاضي الأسرة بشكل مستعجل من سلامة الوضع الذي تتم فيه موافقة أو عدم موافقة الزوج على إجهاض زوجته، ويقرر ما يراه مناسبا لحمايتها. وهو ما يعني عدم ترك الكلمة الأخيرة في يد الزوج. إباحة العلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين (الرشداء)، أي حذف الفصول ما بين 489 و493 من القانون الجنائي. ويبرر المجلس توصيته هذه بضرورة عدم تدخل القانون الجنائي في العلاقات الشخصية الحميمية، “إلا بصفة استثنائية مثلا عندما يلابسها عنف غير مشروع أو ظروف تفرض حماية خاصة (كما هو الأمر في الاغتصاب أو ربط علاقة جنسية مع قاصر أو المفروضة بطريقة أو بأخرى على من لا يستطيع عمليا أن يعبر عن رضاه الصحيح بها، أو الاستغلال الجنسي للنساء وللقاصرين)”. وشدّد المجلس على اعتبار الرضا حجر الزاوية في العلاقات الجنسية بين الرشداء، وعلى ضرورة عدم تدخل القانون في حال عدم إضرار تلك العلاقات بالنظام العام ولا بالنظام الخاص ولا بالغير. تجريم الاغتصاب الزوجي نصت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان على إضافة مقتضى جديد إلى القانون الجنائي يقضي بتجريم اغتصاب زوج لزوجته. وأوضحت المذكرة أن جوهر الاغتصاب يكمن في إكراه شخص آخر على ربط علاقة جنسية، وأن توفر عقد الزواج “لا يمكن معه أن نفترض بأن بإمكان الزوج إكراه زوجته على ممارسة الجنس معه، وخاصة إذا كان ذلك باستعمال العنف”. وأسست المذكرة لهذه التوصية بالإشارة إلى توصيات لجنة حقوق الإنسان ولجنة القضاء على كل أنواع التمييز ضد المرأة، وبمطالبات المجتمع المدني بهذا التجريم. وقالت التوصية: “يعاقب على الاغتصاب كما تم تعريفه ولو اقترف من طرف الزوج على زوجته”. إلغاء تجريم الجهر بإفطار رمضان و”زعزعة عقيدة مسلم” أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بحذف الفصل 222 من القانون الجنائي، والذي ينص على معاقبة كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي ودون عذر شرعي، بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 12 إلى 120 درهما. واعتبرت مذكرة المجلس الموجهة إلى البرلمان، أن هذا المقتضى لا ينسجم مع الدستور ولا المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأنه يحمل منظورا تمييزيا “يقصر حماية القانون على ديانة واحدة فقط”. كما اقترح المجلس حذف الفقرة الثانية من الفصل 220، والتي تنص على عقوبة من “زعزع عقيدة مسلم” أو “حوله إلى ديانة أخرى”. واقترح المجلس في المقابل أن تتم معاقبة “من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على اعتناق أي دين أو مباشرة عبادة ما أو على حضورها أو لمنعهم من ذلك”. وتتمثل العقوبة المقترحة من طرف المجلس في “الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى خمس مائة درهم”. إلغاء عقوبة الإعدام اقترحت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إضافة مقتضى إلى مشروع القانون الخاص بتعديل القانون الجنائي، يتمثل في القول بإلغاء عقوبة الإعدام من التشريعات المغربية. وبرر المجلس هذه التوصية بضرورة تخليص القانون الجنائي المغربي من عقوبة “لم يعد يتقبلها التطور الحضاري للإنسانية، والاتجاه الغالب بشأنها في مجال حقوق الإنسان هو إلغاؤها”. وأضاف المجلس أن اقتراحه هذا يرمي إلى تجاوز الوضعية الحالية التي يوجد فيها المغرب، وهي الحكم بعقوبة الإعدام بشكل نادر من طرف القضاة، “وعدم تنفيذها منذ سنة 1993، وهو ما يشكل إلغاء لتلك العقوبة بالفعل de facto دون الإقدام على إلغائها قانونيا de jure”. ودعا المجلس من خلال هذا المقترح إلى تحقيق قفزة نوعية في مجال حماية الحق في الحياة، ومن الناحية الرمزية في مجال التشبث بحقوق الإنسان في أحداث معالمها.