في الوقت الذي أوصت مذكرة للمجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان، بتعديل عدد من الفصول في القانون الجنائي، منها قضية الإجهاض وذلك بالسماح للمرأة الحامل بوضع حدّ لحملها في حالة ما إذا كان فيه تهديد لصحتها الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية، كما أوصت بإلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين وتجريم الاغتصاب الزوجي واحترام حرية المعتقد، أثارت هذه توصيات جدلا بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه، تزامنا مع استمرار النقاش الواسع حول “الحريات الفردية” الذي يشهده المغرب، منذ اعتقال الصحافية هاجر الريسوني، قبل ان تستفيد من عفو ملكي استثنائي. “تدليس وخفة” ترى النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، مريمة بوجمعة، أن” مذكرة المجلس الوطني لحقوق الانسان من حيث الشكل ليست مذكرة حول مشروع القانون الجنائي المعروض بين يدي لجنة العدل و التشريع و الذي وصل إلى مرحلة وضع التعديلات، لذلك فعنوان المذكرة فيه تدليس ،لأن المذكرة تهم مواد غير مضمنة في المشروع لا تغييرا و لا تتميما ولا حذفا و إنما تهم القانون الجنائي ،فالتعديلات في مشروع القانون الجنائي رقم 16/10 هي تعديلات جزئية و بالتالي لا يمكن إدخال تعديلات جديدة.” وأوضحت بوجمعة، في حديثها لموقع”لكم”، أن”المذكرة و أن تطرقت للمواد المتعلقة بالعقوبة و العقوبات البديلة، ولجريمة التعذيب والإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب و الاختفاء القسري وتهريب المهاجرين فإنها لم تأتي بجديد ملفت مقارنة مع مذكرة المجلس لسنة 2016 استجابة لطلب رأي من طرف البرلمان حول المشروع، مضيفة”بل يبدو واضحا بأن الهدف الأساس من المذكرة هو التوصيات التي تهم موضوع إلغاء الاعدام، و الإجهاض و مواضيع أخرى غير مضمنة في المشروع الموضوع بين يدي لجنة العدل والتشريع، و تخص حذف الباب المتعلق بانتهاك الآداب و استبداله بحماية الحريات الخاصة، و منه توصية إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين الرشداء وتجريم الاغتصاب الزوجي، و التوصيات المتعلقة بالجرائم المتعلقة بالعبادات و ذلك بحذف الفصل 222 المتعلق بالإفطار العلني في رمضان” . وتابعت البرلمان عن حزب “المصباح” الذي يقود الحكومة، أن إخراج المذكرة ينم عن خفة رئاسة المجلس في مباشرة مجموعة من الملفات، خاصة ملفات و قضايا تحتاج إلى نقاش مجتمعي هادئ ،متدرج، منتج، و غير مستفز بعيدا عن ضغوطات القضايا الظرفية و استغلالها”، قبل تتابع توضيحها قائلة” وهي الخفة التي طبعت تصريحات سابقة في ملفات حظيت بمتابعة الرأي العام الوطني، و التطرق لقضايا لم يتم انضاج موقف جامع منها ، و تستوجب مواصلة النقاش العمومي بشأنها من قبل كل الاطراف كما ذهبت إلى ذلك خطة العمل الوطنية للديمقراطية و حقوق الانسان ومنها عقوبة الاعدام، و مدونة الاسرة، وقضايا تم التوافق و فتح التشاور حولها واسفرت عن مخرجات و كان المجلس شريكا فيها وهي قضية الإجهاض”، حسب تعبيرها. وفي رد لها حول ضرورة تفاعل المجلس مع القضايا الظرفية والتحول الذي يشهده المجتمع المغربي، قالت بوجمعة عن حزب “البيجيدي”، “إن القضايا الظرفية أو بالأحرى القضية التي كانت وراء الاسراع بإخراج المذكرة ، تستوجب من المجلس السعي و استفراغ الوسع في حماية حقوق الأفراد وعدم استغلالها في توجيه التهم و تكييفها ، و عدم تهديد أمنهم القضائي ، وجعل حياتهم الخاصة عرضة للتشهير”. توصيات محفزة للبرلمانيين في توجه مخالف لما قالته برلمانية حزب العدالة والتنمية، اعتبرت ارئيسة الشرفية للرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، فوزية العسولي، أن توصيات مذكرة المجلس الوطني الانسان، جاءت بنفس إيجابي تقتضيه الظرفية الحالية وهي توصيات معبرة عن مطالب الحركات النسائية . وكشفت الناشطة النسائية، أن توصيات المجلس، نداء وتحفيز لممثلي الأمة من البرلمانيين وللحكومة أيضا ليقوم بدورهم في مسألة التشريع وتتبع تطلعات المجتمع وتحولاته، مؤكدة على أنه” لا يعقل أن دستور 2011 كان واضحا في تبنيه لحقوق الانسان في شموليتها ومع ذلك لازلنا نجتر بنود لمجتمعات القرون الوسطى”، حسب تعبيرها. وقالت العسولي، في تصريح ل”لكم”إن دور القانون الجنائي هو ردع كل الأفعال التي تضر بالأفراد او بالأمن العام ودور المشرع هو احترام حقوق الأشخاص ما دمت تلك الحقوق تدخل في صلب الحقوق الكونية للإنسان ولا تضر بالمجتمع”، قبل تستدك كلامها قائلة” لكن للأسف البعض مازال لم يستوعب أو يتغافلون عن تغيرات المجتمع المغربي خصوصا في صفوف الشباب، علينا الاعتراف أن غالبية هؤلاء من الراشيدين يمارسون علاقات جنسية خارج إطار الزواج فلنجد حلولا عوض الاكتفاء ب”الفتاوي الجاهزة”، قبل أن تضيف وهنا أعني “التصريح الأخير لوزير الدولة المكلف بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد. وتسائلت الناشطة الحقوقية نفسها، ” هل يتغافل الوزير الرميد لأن عدم التجريم ليس هو حث ولا هو تشجيع بل هو ممارسة حق، فمن تريد تحتفظ بالحمل فهذا حقها ولكن هناك فئة من نساء تدفعها عدة عوامل الى الاجهاض”، مشددة على أنهم كجمعيات حقوقية ، يطالبن ب”بحرية الاختيار، فالشخص هو المعني الأول بهذا الفعل مادام هذا الأخير لا يضر بالمجتمع” من جانب آخر، أكدت العسولي أن قضية الحريات الفردية مسألة لا تعلق بالأقلية أو الأغلبية لأن الحريات الفردية هي ضد هذا منطق، فالأقلية كذلك من واجب الدولة أن تحمي حقوق هذه الفئة مادامت هذه الأخيرة لا تضر بحقوق الأخرين. وأشارت المتحدث نفسها، أن عدد من الدراسات الحالية تؤكد أن سن الزواج هوما بين 29و30 سنة، والغالبية من الشباب صرحوا بأنهم يمارسون علاقات جنسية خارج إطار الزواج فماذا يقترح المعارضون لا التوجه لهؤلاء الشباب، هل ندخلهم جمعيا إلى السجن، ولهذا كفى من خطابات الاديوليوجية العقيمة، ولنفتح النقاش حول واقع مجتمعي عرف تحولا لا يمكن إنكاره. توصيات مع وقف التنفيذ من جانبه، اعتبر عزيز الغالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان،” خطوة مهمة وإيجابية بعد النقاش الواسع الذي عاشه المجتمع المغربي خلال الأسابيع الماضية حول الحريات الفردية وموضوع الإجهاض، قبل يستدرك كلامه قائلا” رغم أننا كنا ننتظر أكثر مما جاء في مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الإجهاض”. وتساءل الغالي، في حديث ل”لكم”، عن مدى سلطة المجلس المذكور في الأخذ برأيه وتوصياته، وهل ستتفاعل الحكومة مع مذكرته، خصوصا مع ظهور ردود فعل لبعض من يسمونه أنفسهم ب”القوى المحافظة” والوزراء مما سيتسبب في”بلوكاج” توصيات المذكرة، مستدلا برأي الوزير الرميد الذي قال هل تريدون أن يبيح المغرب العلاقات الرضائية والشذوذ والإجهاض وعلى رأسه أمير المؤمنين، وبالتالي هل يستطيع المجلس الوطني لحقوق الإنسان فرض سلطته. وفيما يخص معارضة بعض البرلمانيين لمذكرة المجلس من الناحية الشكلية بمبرر أن الغرفة الأولى لم تقدم أي طلب للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لاستشارته، شدد الغالي على أن هذا الأخير غير معني بطلب الرأي بحيث أن الوضعية القانونية المنظمة له تسمح صلاحيته بأن يعطي رأيه في أي موضوع تقدمه الحكومة، موضحا “إذا ارتأى المجلس أن يقدم بعض التغيرات بخصوص مشاريع قوانين لتجويدها فله سلطة الاقتراح، مؤكدا أن أي تغيرات أو تحولات في المجتمع تفرض تدخل مجلس الوطني لحقوق الإنسان”.