في 30 شتنبر أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط أحكامها القاسية في ملف هاجر الريسوني، بالحكم عليها (بتهمة قبول الإجهاض والفساد)، وعلى خطيبها رفعت الأمين بسنة حبسا نافذا، بتهمة المشاركة في الإجهاض والفساد وإدانة الطبيب جمال بلقزيز (68 عاما)، بسنتين حبسا نافذا، بتهمة الإجهاض، فيما تمت إدانة تقني تخدير بسنة موقوفة التنفيذ، وكاتبة الطبيب ب8 أشهر موقوفة التنفيذ بتهمة المشاركة في الإجهاض. القضية أثارت جدلا واسعا بعدما تفجرت في 31 غشت 2019، حين أوقفت فرقة أمنية الصحافية هاجر الريسوني، وخطيبها أمام باب عمارة في حي أكدال بالرباط، بعدما غادرت الطابق الثاني حيث زارت طبيبها المختص في التوليد. وبمجرد توقيفها، اتهمتها الشرطة بالتعرض للإجهاض، وقامت بإعادتها للعيادة، حيث كان طبيبها قد غادر، فتم الاتصال به من طرف كاتبته، ليحضر ويتم اعتقال الجميع، وتقديمهم لأول مرة أمام المحكمة الابتدائية بالرباط، في 2 شتنبر، ثم تلا ذلك ثلاث جلسات أخرى قبل النطق بالحكم في 30 شتنبر. الجلسات المتتالية عقدت في 9 و16 و23 شتنبر، وخلال مختلف أطوار المحاكمة، غصت جلسة المحاكمة بالمراقبين والحقوقيين والصحافيين، وبحضور ممثلي سفارات أجنبية، وممثلي منظمات حقوقية دولية وحضور بارز للجالية السودانية. وطالب دفاع هاجر بشكل متكرر في مرافعات مطولة، ببطلان محاضر الانتقال والتفتيش والحجز والمعاينة والإيقاف، المنجز من طرف الشرطة في 31 غشت 2019 بسبب مخالفته للفقرة 3 من المادة 59 من قانون المسطرة الجنائية، لأن كلا من هاجر الريسوني ورفعت الأمين، “لم يضبطا في حالة تلبس”، لأنهما اعتقلا في الشارع كما أن القانون لا يسمح للشرطة بتفتيش المحلات المهنية سواء بإذن النيابة العامة أو بغير إذنها لأنه لا توجد حالة تلبس. وحتى مع افتراض وجود حالة التلبس المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة 59، فإنه “إذا تعين إجراء التفتيش في أماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني، فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يشعر النيابة العامة، وأن يتخذ جميع تدابير حفظ السر المهني”. وفي هذا السياق، طالب النقيب، عبدالرحمان بنعمرو، بإبطال جميع المحاضر الناتجة عن التفتيش، وببطلان الشهادة الطبية المنجزة من طرف الطبيب بركاش بمستشفى ابن سينا والمتعلقة بهاجر الريسوني، واعتبر أنها باطلة، لأنها صادرة باللغة الفرنسية غير المرسمة دستوريا، ولأنها محررة من طرف طبيب غير مسجل في جدول الخبراء القضائيين المحلفين، سواء كخبير في أمراض النساء والولادة، أو كخبير في الطب العام. كما أن الطبيب الذي يقول إنه أدى اليمين، “لم يذكر متى وأين وأمام من أدى اليمين، ولم يشر لمراجع المحضر القضائي المتعلق بأداء اليمين”. كما تمت المطالبة ببطلان تقرير الخبرة الطبية المنجز من طرف الطبيبة فايزة شبل، في مختبر الشرطة العلمية، لأنها محررة بلغة أجنبية غير مرسمة، ولأنها غير مسجلة بجدول الخبراء القضائيين المحلفين بالدائرة الاستئنافية بالرباط، كما أنها لم تدل بمحضر أدائها اليمين القضائية. وانتقد النقيب عبدالرحيم الجامعي لجوء الشرطة إلى المس بحميمية هاجر الريسوني، من خلال طرح أسئلة عليها عن عذريتها، وقال إن “مثل هذه الأسئلة لا علاقة لها بالجريمة، بل هي مس بالحياة الخاصة”. واعتبر الجامعي أن ملف المتابعة ليس فيه تلبس، وتحدث عن وجود أخطاء طبية قاتلة، من قبيل إجراء تحليل الحمض النووي، ADN، وأخذ عينات من لعاب المتهمين. من جهة أخرى، اعتبر المحامي عبدالعزيز النويضي، أن هاجر لم تعترف في أي محضر بأنها تعرضت للإجهاض، باستثناء محضر واحد رفضت توقيعه. ومع ذلك، فإن مذكرة التقديم التي أعدتها الشرطة تتحدث عن اعترافها بالإجهاض، واعتبر النويضي ذلك بمثابة “خداع وتعسف”. وانتقد لجوء الشرطة لوصف حالة هاجر بأنها تبدو عليها حالة “عياء وشحوب”، حتى تضفي عليها حالة التلبس. وأثار النويضي ما تعرضت له هاجر من معاملة حاطة بالكرامة، وأن حالتها كانت تقتضي نقلها إلى المستشفى، وليس “إخضاعها لخبرة بدون رضاها، وإدخال أجهزة في جسمها، بحثا عن أدلة”. كما أثار إخضاع هاجر لإجراء الحراسة النظرية بشكل “غير ضروري”، وإيداعها مع متهمين بالجرائم، في مكان “رائحته كريهة” ومليء “بالميكروبات والفيروسات دون مراعاة لصحتها”، معتبرا ذلك سلوكا “غير مسؤول”، ويخرق الدستور، والتزامات المغرب الدولية، التي تمنع المعاملة القاسية الحاطة بالكرامة. وتابع أن مثل هذه المعاملة تستدعي إبطال المسطرة، لأنها تستهدف المس بالسلامة النفسية والجسدية. وبخصوص الخبرة الطبية، اعتبرها النويضي، أيضا، أنها اتسمت ب”الخداع”، لأن شهادة الطبيب تتضمن “اعترافا” من هاجر بأنها خضعت للإجهاض، وهو ما تنفيه. وتساءل “كيف تنفي هاجر أمام الشرطة خضوعها للإجهاض، في حين تعترف بذلك أمام طبيب لا يمثل سلطة قضائية”. وأوضح النويضي أن “الشرطة تعسفت، والنيابة العامة زكت الخداع”. وانتقدت المحامية خديجة الروكاني، إخضاع هاجر لخبرة قسرية، “مهينة حاطة بالكرامة”، وتساءلت “ما ضرورة هذا الفحص؟” موضحة أن الشرطة والطبيب انتهكوا حميمية هاجر بالتفتيش في رحمها، معتبرة ذلك بمثابة تعذيب. وكيل الملك يرافع ضد هاجر في المقابل، دافع وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط، عن صلاحية الشرطة القضائية في إحالة هاجر الريسوني لخبرة طبية على الرحم، ولو بدون موافقتها، معتبرا أن سند الخبرة قانوني، يتمثل في مادتين في قانون المسطرة الجنائية، الأولى: هي المادة 57 في فقرتها الأخيرة، التي تنص على أن “يقوم ضابط الشرطة القضائية عند الاقتضاء بأخذ البصمات من مكان ارتكاب الجريمة، وله أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك. كما يمكنه أن يطلب إجراء خبرات عليها وعلى بقية أدوات الجريمة والأشياء التي تم العثور عليها وحجزها بمكان ارتكاب الجريمة أو لدى المشتبه فيهم”. والمادة 64 التي تنص على أنه “إذا تعين القيام بمعاينات لا تقبل التأخير، فلضابط الشرطة القضائية أن يستعين بأي شخص مؤهل لذلك، على أن يعطي رأيه بما يمليه عليه شرفه وضميره”. لكن المحامين ردوا أن هذا السند لا يسمح بإجراء خبرة مثل تلك التي أجريت على هاجر، لأن المادة 57، تتحدث عن إجراء خبرات على “البصمات وأدوات الجريمة وما تم العثور عليه وحجزه بمكان الجريمة أو لدى المشتبه فيهم”، وليس خبرة على جسد شخص معتقل، أما المادة 64 فتتحدث عن المعاينة وليس الخبرة الطبية، وهناك فرق بينهما. وبخصوص الدفع المتعلق بإبطال المحاضر، رد بأن ملف القضية يتعلق ب”تلبس”، وأن هذه الحالة تعبر عن “وصف للجريمة وليس للفاعل”، ولهذا، فإن البحث الذي أجرته الشرطة “تم في إطار التلبس وليس في إطار البحث التمهيدي”، موضحا أن ضابط الشرطة “احترم الإجراءات”. وبخصوص المس بالسر المهني للطبيب أشار ممثل النيابة العامة إلى أن تفتيش العيادة تم بحضور الطبيب، وأنه لم يثبت استعمال أي وثيقة للعلاج خارج ملف القضية. أما بخصوص إشعار النيابة العامة بالتفتيش، فأكد أنه تم احترام هذا الإجراء بإشعار النيابة العامة شفويا. هاجر تروي قصة اعتقالها أمام القاضي تحدثت هاجر عن ظروف اعتقالها قائلة، إن 12 رجل أمن أوقفوها، أربعة منهم قاموا بتصويرها، مبلغين إياها فور توقيفها بأنها مارست الإجهاض، كما عملوا على إعادتها إلى عيادة الطبيب في الطابق الثاني من العمارة، مستدعين الطبيب الذي كان غادر مكان عمله، حيث أخضعوا العيادة لإجراء تفتيشي. وكان مثيرا أن الشرطة قامت بنقل هاجر ساعات بعد اعتقالها إلى مستشفى ابن سينا بالرباط لإجراء خبرة طبية عليها، وهي خبرة طعن فيها الدفاع لأن القضاء لم يأمر بها، وإنما قامت بها الشرطة “بدون سند قانوني”. لكن قاضي الجلسة اعتبر في سياق رفضه للدفوع الشكلية أن من حق الشرطة القضائية إحالة هاجر للخبرة، في سياق إجراءات البحث. تبريرات الحكم اتضح من الحكم الذي صدر في 30 شتنبر أن المحكمة رفضت جميع طلبات الدفاع، معتمدة، أساسا، في حكمها على “اعتراف هاجر” بالإجهاض، رغم أنها نفت ذلك أمام القاضي، كما نفت ذلك في محاضر الشرطة التي وقعتها. كما اعتمدت المحكمة على الخبرة الطبية التي أنجزها الطبيب سمير بركاش، بمستشفى ابن سينا بطلب من الشرطة القضائية، رغم أن الدفاع أتبث أنه لا سند قانوني لها. أكثر من هذا، فإن القاضي اعتبر أن هاجر كانت راضية بالخبرة، رغم أنها أبلغته في جلسة عمومية أنها رفضت الخضوع لهذه الخبرة. كما لم تأخذ المحكمة بتأكيد هاجر وخطيبها أنهما مخطوبان ومقبلان على الزواج، واعتبرت ذلك مجرد “تمويه وتضليل”. ومن أبرز حجج المحكمة بخصوص رفضها اعتماد “الخبرة الطبية القسرية”، المنجزة من طرف الطبيب سمير بركاش، اعتبارها أن هذه الخبرة لم تتم بأمر من النيابة العامة، وإنما بأمر من الشرطة القضائية، موضحة أن ما قامت به الشرطة من عرض هاجر على الخبرة “يدخل ضمن اختصاصاتها ويستمد مشروعيته من مقتضى المادة 64 من قانون المسطرة الجنائية التي تبيح لضابط الشرطة أن يستعين بأي شخص مؤهل لإجراء المعاينات التي لا تقبل التأخير”. وأن الأمر يتعلق بخبرة تمت في فترة البحث التمهيدي. ورغم أن دفاع هاجر أظهر خلال المرافعات، بأن المادة 64 من قانون المسطرة الجنائية تتحدث عن “معاينات” وليس “خبرة طبية”، إلا أن المحكمة لم تأخذ بذلك. وبخصوص إكراه هاجر على الخبرة أفادت المحكمة أنه لا يوجد في الملف ما يفيد بأنها أكرهت عليها، معتبرة أن الطبيب بركاش الذي قام بالخبرة “أدى قسم أبوقراط، وهو ملزم بتقديم الرعاية والعناية الطبية كأصل، ولا يمكن إلباسه ثوب الجلاد”، بل إن المحكمة اعتبرت أن الشهادة الطبية تفيد أنه “كان هناك تجاوب” من طرف هاجر وقت خضوعها للفحص. ما يعني أن المحكمة استندت إلى الشهادة الطبية للتأكيد على تجاوب هاجر مع الخبرة، ولم تعتمد على تصريحها أمام المحكمة الذي أعلنت فيه أنها رفضت الخبرة. وفِي مضمون الدعوى العمومية، تبين أن المحكمة تبنت محضر الشرطة بكون هاجر اعترفت بالإجهاض، رغم أن الأخيرة رفضت توقيع المحضر الوحيد الذي نسب فيه لها قولها أنها خضعت لإجهاض. كما نسبت المحكمة للطبيب قوله بأنه قام بعملية “إجهاض عن طريق الشفط”، رغم أنه نفى فعل الإجهاض سواء في المحاضر أو أمام المحكمة. كما تبنت المحكمة رواية الشرطة بشأن حالة الشحوب والعياء الشديدين على وجه هاجر، وأن هذه الأخيرة أفادت بأن “ذلك بسبب عملية الإجهاض التي أجريت لها”. إجهاض عبر الشفط ورغم نفي الطبيب جمال بلقزيز لإجرائه عملية إجهاض، شكلت المحكمة موقفا جازما بأنه قام بإجهاض حمل هاجر الريسوني “عن طريق الشفط”، وأنه “اعتاد القيام بعمليات إجهاض غير قانونية داخل عيادته الطبية”، مستندة إلى شهادة كاتبته في محضر الشرطة. ومن الأدلة التي اعتمدتها أنه اعترف أمام الشرطة بالقيام بإجهاض عبر الشفط، رغم أنه نفى الإجهاض، بل تحدث عن شفط الدم المتلبد. المحكمة رفضت، أيضا، استناد دفاع هاجر وطبيبها، إلى الخبرة الطبية التي أنجزت بمستشفى ابن سيناء، لكونها تفيد بعدم وجود إجهاض، لأنه “لا أثر للملقاط الذي يستعمل في الإجهاض في عنق الرحم”، وردت المحكمة بأن هذا دفع “غير مجد”، وجاء في نص الحكم “إن عدم وجود آثار الملقاط بعنق رحم الظنينة هاجر الريسوني يؤكد بشكل قاطع صحة ما انتهى إليه البحث، الذي أجرته الشرطة القضائية بمسرح الجريمة، بأن عملية الإجهاض تمت بواسطة جهاز الشفط الذي تم العثور عليه داخل العيادة ولَم تتم بطريقة التكريط التي يستعمل فيها الملقاط”. “تمويه وتضليل” بالخطوبة وبخصوص تهمة الفساد، فإنه رغم تأكيد كل من هاجر وخطيبها رفعت الأمين، سواء أمام الشرطة أو أمام المحكمة بأنهما مخطوبان بعلم الأسرة، وأنهما يستعدان للزواج إلا أن المحكمة اعتبرت ذلك مجرد “تمويه وتضليل”، بل اعتبرت أن تهمة الفساد “قائمة في حقهما باعترافهما القضائي أمام المحكمة”، بل إن المحكمة اعتبرت أنه “حتى لو سلمنا بصحة ادعاء الخطوبة، فإن الخطبة تبقى مجرد وعد وتواعد بالزواج وليست زواجا ولا يمكنها أن تبرر المعاشرة الزوجية التي تبقى فعلا مجرما دون وجود عقد موثق. وبصدور حكم الإدانة تم نقل هاجر لسجن”العرجات”، في انتظار استئناف الحكم، قبل أن يصدر عفو ملكي عن هاجر ومن معها يوم الأربعاء 16 أكتوبر، ليتم طي هذا الملف.”