محمد الشرقاوي لم يكن “لورنس العرب”، توماس إدوارد لورنس، وهو المهندس الميداني للاستراتيجية البريطانية في المنطقة العربية أوائل القرن العشرين، يترقّب أن يظهر زعيم فرنسي نهاية القرن ذاته يتمسّك باستراتيجية أوروبية منفصلة، ويغرّد خارج سرب التّحالف الأطلسي بين بريطانياوالولاياتالمتحدة، سواء بشأن سلسلة الأزمات والحروب المتواترة في المنطقة، أو وحدة أوروبا خارج دائرة التأثير الأميركي. وعشية الإعداد لغزو العراق عام 2003، لم تنتبه حكومة المحافظين الجدد في حقبة الرئيس جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني إلى احتمال تصدّع المنظومة الغربية بين أوروبا وأميركا، وكيف يتماسك موقفا فرنسا “الشيراكية” وألمانيا “الشرويدرية”، (نسبة إلى مستشار ألمانيا آنذاك جيرهارد شرويدر)، في معارضة المجازفة الأميركية في العراق، وتباينها أيضاً إزاء القضية الفلسطينية، ومعضلات أخرى لا تزال تزعزع ميزان القوى الإقليمي الهش. خلال استكمال التّرتيبات العسكرية في واشنطن لخطّة الغزو، جاهر الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، من داخل قصر الإليزيه، قائلاً عقب التنسيق مع المستشار شرويدر: “بالنسبة إلينا، الحربُ هي دائماً دليلٌ على الفشل وأسوأ الحلول. لذلك، يجب القيام بكل شيء لتجنّبها”، فجاء الإعلان مخيّباً لآمال الجمهوريين خلف بوش في واشنطن، والمحافظين وبعض العمّال خلف رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، في لندن. فقرّر وزير الدفاع الأميركي، دونالد رامسفيلد، القيام بجولة في أوروبا لاستنهاض “همّة” الفرنسيين والألمان ضد العراق، لكنّه وجد نفسه في “خانة اليك” بسبب مقولته المثيرة عن التمييز بين “أوروبا القديمة” و”أوروبا الجديدة”، فحاول استغلال أسئلة الصحافي الهولندي شارل غرونهويسن، لافتعال بعض الاختلاف، أو استغلال “نرجسية الفوارق الضئيلة” ضمن علم النفس الفرويدي، قائلاً: “أنت تفكّر في أوروبا كألمانياوفرنسا. وأنا لا أفكّر على هذا النحو. أعتقد أنّهما من أوروبا القديمة. إذا نظرتَ إلى أوروبا ضمن حلف شماليّ الأطلسي برمّته اليوم، فإن مركز الثقل ينتقل نحو الشرق. وهناك أعضاء جدد كثيرون. وإذا ألقيتَ نظرة سريعة على قائمة جميع أعضاء الحلف وكل الدول التي دُعيت (إلى التّحالف ضد العراق)، كم عددها؟ ستّ وعشرون أو شيء من هذا القبيل؟ أنت على حقّ. تمثّل ألمانيا مشكلة، وفرنسا أيضاً تمثّل مشكلة”. رحل شيراك، وتبقى تركة شيراك “أبي الرئاسات”: رئيس الإليزيه مرّتين (2007-1995)، ورئيس الوزراء مرّتين (1976-1974) و(1988-1986)، ورئيس بلدية باريس ثمانية عشر عاماً (1995-1977)، فضلاً عن تولّيه وزارة العلاقات مع البرلمان (1972-1971) ومناصب متعددة، أحدثها عضوية المجلس الدستوري الفرنسي بعد خروجه من الإليزيه عام 2007. والمثير في مكانة شيراك في التاريخ الآن، أنه لم يكن لفرنسا أن تحدّد خياراتها الاستراتيجية نحو جنوب المتوسط وإزاء دول المشرق والخليج، خارج عباءة النفوذ الأميركي في حقبة ما بعد انهيار جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة، لولا بعد نظره السياسي واستقلاليته الفكرية. منذ الخمسينيات، تشبّع بمدرستين مؤثّرتين في السياسة الدولية: مدرسة الرئيس ديغول (1969-1959) التي قامت على استعادة الإيمان بالعظمة الوطنية والاستثناء الفرنسي، ومدرسة الرئيس جورج بومبيدو (1974-1969) في تجديد النَّفَس الحضاري الشامل، وهو القائل: “فرنسا أكثر من مجرّد قوّة، هي حضارةٌ وفنُّ الحياة وأخلاقيات العلاقات الإنسانية”. وعبر هذا التفاعل مع فكر ديغول وبومبيدو، والمساهمة في تنفيذ خططهما السياسية عقدين، جاء دور شيراك في الإليزيه لقيادة جيليْن من الفرنسيين، بين نهاية قرن وبداية آخر، ضمن نظام رئاسي قائم بذاته، وهي قيادة تستدعي التعامل معها الآن بمنطق ما لها وما عليها، وعلى محكّ المقارنة بين خدمة القومية الفرنسية والحفاظ على روح الإنسانية العالمية ضمن مسارات أسلافه وخلفائه أيضاً. يستحضر تقييم تركة شيراك، خصوصاً سياسته الخارجية إزاء العالم العربي، بعض التعمّق في الفلسفة السياسية التي صهرت وعْيَه وطموحاته منذ الخمسينيات، وكيف ساهم في تكريس أهداف “الجمهورية الخامسة” منذ 1958، في ضوء ما قام به الجيش الفرنسي في الجزائر المستعمرة وقتها، وقرار الجنرال ديغول حلّ البرلمان وصياغة دستور جديد. لكن الأهمّ أن يتأمل المرء بروّية، وهدوء غير عاطفي، السؤال الاستراتيجي المهم: مَن أصدقاء العرب، ومَن خصومهم في دهاليز السياسة الدولية وعند المنعرجات الحاسمة في التاريخ السياسي المعاصر؟ كتب المعلّق في صحيفة “وول ستريت جورنال”، جون فينوكور، أنّ “شيراك العرب يمكن أن يكون لعبة فيديو. من سماتها إتقانُ الحنكة في التعامل مع مغالطات الشرق الأوسط، وإيقافُ الصدام المستمر للحضارات، وتنتهي بامتنان العالم بأسره بقدر وافر من المديح، ومنحه مكانة في سجلات العظمة في التاريخ”. التّوفيق بين الدّيغُولية والبُومْبِيدُية؟ بدأ الشابّ شيراك يبلور طموحه السياسي أواخر الأربعينيات، عندما كان يبيع نسخ صحيفة “ليمانتي”، وانضمّ وقتها إلى الحزب الشيوعي الفرنسي. كان أحد الأعضاء الجدد الذين وقّعوا عريضة دعا إليها بعض الاشتراكيين السوفييت عام 1950 عُرفت باسم “نداء استوكهولم لحظر الأسلحة النووية”. وتحوّل إمضاؤه على هذه العريضة لاحقاً إلى سؤال طرحته عليه موظفة السّفارة الأميركية عندما قدّم طلب الحصول على تأشيرة دخول إلى الولاياتالمتحدة للالتحاق بدورة صيفية في جامعة هارفارد، عقب تخرّجه من كلية العلوم السياسية في باريس عام 1953. عاد شيراك إلى باريس للالتحاق بالكلية الوطنية للإدارة التي تخرّج منها عدد من ألمع رجال الدولة في فرنسا، ووجد ضالّته السياسية في العمل ضمن فريق ديغول، وبعده بومبيدو، بين الستينيات والسبعينيات. ويثير تحليل العقل السياسي لشيراك النقاش بين ثلاث رؤى متباينة: أوّلاً، يعتدّ بعضهم بأنّ الرّجل ظلّ مخلصاً للفكر الديغولي حتى النخاع، في ضوء استمراره في ما بدأه ديغول من أجل تقوية فرنسا بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية. عند إعلان نبأ وفاته للفرنسيين أواخر شهر سبتمبر الماضي، قال الرئيس إيمانويل ماكرون إنّ شيراك “جسّد فكرة معينة عمّا هي فرنسا”، وإنه “كان يُشبهنا وجمعنا معاً متوحّدين”. وهذه عبارات تذكّر الفرنسيين بما جاء في خطب الجنرال ديغول قبل ستين عاماً. وتتقاطع رؤية ديغول مع رؤية شيراك بشأن عظمة فرنسا، وإنْ كانت الديغولية ليست “مذهباً أو أيديولوجيا سياسية، ولا يمكن اعتبارها يساراً أو يمينا”، كما يعتقد المؤرخ الفرنسي سيرج برستين، ويمكن اعتبارها من أشكال الاعتداد بالقومية، وفق رؤية المؤرخ الفرنسي جيل ميشيلي (1874-1798) المتشبع بروح الثورة الفرنسية. هي ديغولية تلتزم “القيم الجمهورية للثورة، وتنأى بنفسها عن الطموحات الخاصة لليمين التقليدي وأسباب كراهية الأجانب، السيادة والوحدة الوطنية، التي كانت متناقضة تماماً مع الانقسام الناشئ عن الالتزام اليساري بالكفاح الطبقي”، كما يلاحظ المؤرخ الأميركي لورنس كريتزمان. وجد شيراك نفسه منسجماً مع فلسفة ديغول التي مثلت، من خلال تطوّرها التاريخي، “ممارسة براغماتية للسلطة لا تخلو من بعض التناقضات والتنازلات لدواعي الضرورة المؤقتة ، ولو أن اللفظ القاسي “الجنرال” يمنح ممارسة الديغولية جاذبية برنامج يبدو عميقاً وقابلاً للإنجاز بالكامل”، كما يخلص برستين. كتب ديغول، قبل وفاته، يصف الخصائص التي يتوخّاها لدى من سيخلفه في رئاسة الإليزيه، “عندما أرحل، ستحتاج فرنسا شخصاً معروفاً في جميع أنحاء العالم، يحظى بالاحترام لالتزامه الأخلاقي، رجل يتمتع بمكانة فكرية رفيعة. وقبل أيّ اعتبار آخر، ألّا يكون عبداً تابعاً لأي حزب معين أو أيديولوجية سياسية”. ثانياً، يعتدّ آخرون بتأثّر شيراك بفكر بومبيدو الذي كان محافظاً معتدلاً خلال تولّيه رئاسة الوزراء مع الرئيس ديغول قبل أن يصبح رئيس فرنسا بين 1969 و1974. ويمكن اختزال إعجاب شيراك بشخصية بومبيدو في المرونة والبراغماتية السياسية من أجل تحقيق النتائج، وعدم التنازل عن حدّ معين من سياسة القِيَم وعدم إفراغ تدبير الشأن العام من أخلاقيات المسؤولية، والجمع بين الرونق الفكري والأدبي والأداء السياسي كنسق متكامل في توجيه الحياة العامة. يقول شيراك عن بومبيدو إن “الرجل يعطي الانطباع بأنه سرّي كتوم ومراوغ وماكر بعض الشيء. بيد أن ذكاءه وثقافته وكفاءته في المقام الأول هي الخصال التي منحته سلطةً غير متنازع عليها واحتراماً واجباً”. قد يحار المرء في محاولة تحديد الفرق بين الديغولية والبومبيدوية، وبينهما نقاط التقاء أكثر من انحرافات الاختلاف. ويبدو أن فلسفتَي الحكم لدى ديغول وبومبيدو تتداخلان في مواقف شيراك في أكثر من قضية. يقول المؤرخ العسكري وليام نيستر مؤلف كتاب “تركة ديغول: فن القوة في الجمهورية الخامسة في فرنسا”، المنشور عام 2014: “كان بومبيدو بالنسبة إلى ديغول الصّديق الملائم لترميم الأنا، وآمِنِ السرّ، ومُصلِح الأخطاء. وكان ديغول رجلَ الرؤية الكبرى الذي كان بومبيدو ينجزها من خلال صفقات سياسية معقدة، واهتمام دقيق بالتفاصيل، وولاء وكتمان تامّين. كان ديغول يقدّر، إلى حدّ كبير، مواهب بومبيدو الذي قال عنه إن “ثقافته وذكاءه يضمنان أن ليس هناك غايات يستعصي عليه فهمُها، ويساعده مزاجه في التركيز بشكل طبيعي على الجانب العملي في إنجاز الأمور”. وفوق هذه المقارنة، ثمة ثلاثة قواسم مشتركة ضمنية بين ديغول وبومبيدو وشيراك: أوّلاً، كان بومبيدو يصف شيراك بأنّه “البلدوزر” ضمن فريقيْه الانتخابي والحكومي لقدرته على تجاوز التحدّيات وإنجاز المهام بشكل فعال. وفي عام 1967، اقترح عليه ترشيح نفسه في انتخابات الجمعية الوطنية (البرلمان) ضمن معسكر الديغوليين في بلدته الأصلية كوريز التي كانت تعدّ أحد معاقل اليسار في الجنوب الغربي من فرنسا. وهذه لحظة مهمّة في فهم التكامل بين تنظير ديغول وبراغماتية بومبيدو وانصهارهما لدى شيراك. وثانياً، ألمعية شيراك في استخدام هذه التركيبة الديغولية/ البومبيدوية في إحراز أكبر نصر سياسي له في السبعينيات، عندما تغلّب على منافسيه في انتخابات عام 1974، عقب وفاة الرئيس بومبيدو، في إقناع الرئيس الجديد آنذاك فاليري جسكار ديستان بإيلائه منصب رئيس الوزراء. ثالثاً، البعد الاجتماعي المشترك بين مزاجيْ بومبيدو وشيراك، وميولهما نحو البساطة والتفاعل الإيجابي بشكل طبيعي بين المواطنين. كان ديغول يقول إنّ بومبيدو “دائماً يفكّر في أنه ينبغي دوماً دعوة الأفراد إلى تناول وجبة الغداء معاً”. من هذا المنطلق، قدّم شيراك نفسه دوماً على أنّه تجسيد ل”الفرنسي العادي”. وكان يتصرّف كمواطن بسيط أسوة بأجداده الذين كانوا فلاحين في منطقة كوريز الريفية. وقد كرّمت صحيفة لوباريسيان الرّاحل شيراك بنشر صورة على صفحتها الأولى، عليها عبارة “فرنسيٌّ قلباً وقالباً”. رقيب على الاستراتيجية الأميركية إزاء العرب يستحضر رحيل شيراك الحاجة لمقارنة متأنية بين مصلحة العرب مع فرنسا، سواء خلال رئاسة سابقيه، مثل فاليري جسكار ديستان (1981-1974)، وفرانسو ميتران (1995-1981)، أو لاحقيه نيكولا ساركوزي (2012-2007)، وفرنسوا هولاند (2017-2012)، وإيمانويل ماكرون (2017-….). وليس من الغريب أن يكون شيراك الزعيم الفرنسي الوحيد الذي خصص الباحثون، الموالون أو المنتقدون، عدة كتب تركّز على سياسته إزاء الدول العربية تحديداً. وقف أمام طلاب جامعة القاهرة في 8 أبريل/ نيسان 1996 يتحدث عن “سياسته العربية”، قائلاً إنّ “سياسة فرنسا إزاء العرب ستكون عنصراً أساسياً في سياستها الخارجية”، للتشديد على عزمه على إنهاء تهميش دور فرنسا في المنطقة العربية، خصوصاً في ضوء مضاعفات حرب الخليج الأولى عام 1991. وكان بذلك يستحضر المقولة الشهيرة “السياسة العربية” التي بلورها الرئيس ديغول في ضوء تجاربه مع تعقيدات المنطقة، سواء خلال رئاسته أو قبلها خلال عمله في أرض الشام بين عامي 1929 و1931 عندما تشكّلت صورة المشرق في تفكير الرجل. كتب ديغول عام 1930 يقول إنّ “المشرق مفترق طرق يمرّ فيه كل شيء: الأديان والجيوش والإمبراطوريات والسلع، دون أن يتحرك أي شيء.” كان شيراك يهندس هذه السياسة العربية مزيجاً بين اعتبارات استراتيجية وعلاقات شخصية قوية مع أغلب القادة العرب، ومنهم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. وكان يوازن أيضاً بين مصالح الأطراف في الصراع العربي الفلسطيني. وشدّد، في خطاب القاهرة، على قضية “السلام الدائم” الذي يفترض “مراعاة حق الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة في إقامة دولة” و”أن تعيش إسرائيل بسلام”، وأن “التقدّم نحو الاعتراف بالهوية الفلسطينية هو ما سيسمح بالقضاء على التهديدات الإرهابية التي يغذّيها فرض العزلة ومشاعر الإحباط”. وهكذا اكتسب لقباً جديداً “الدكتور شيراك”، باعتباره رئيساً أوروبياً يحاول أن يعالج مرضاً مزمناً في المنطقة. وقد قال عرفات في مؤتمر صحافي مشترك معه في رام الله عام 1996: “نحن بحاجة للدكتور شيراك لإنقاذ عملية السلام”. غير أن الصحافيَّين، إريك ايشيمان وكريستوف بولتانسكي، في صحيفة ليبراسيون اليسارية، يقولان في كتابهما “شيراك العرب: سرابات سياسة فرنسية” إن فرنسا شيراك كانت تنظر إلى العالم العربي على أنه “منطقة يتعين غزوها مجدداً ضد إرادة الخصوم الأميركيين”، وإنه كان ينظر إلى القضية الفلسطينية “من أعين ياسر عرفات فقط”. ويتذكّره اللبنانيون لدوره الحاسم في وقف الغارات الإسرائيلية ضمن عملية “عناقيد الغضب” التي أودت بأرواح أكثر من مائة مدني من سكان قانا في أبريل 1996، فأوفد وزير خارجيته آنذاك، هيرف دوشاريت، الذي نجح في التوصل إلى هدنة. بيد أن أشهر تلك المواقف كان عام 2003، عندما رفض مشاركة بلاده في التحالف الدولي بقيادة واشنطن، على الرغم من انضمامه إلى التحالف الدولي لتحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1990. وصرّح وقتها في لقاء تلفزيوني بأن “الحرب ستؤدي إلى الدمار في الشرق الأوسط، وباريس ستستخدم حق النقض الفيتو ضد أي قرار بهذا الشأن.” وفعلاً، أوحى لرئيس وزرائه دومنيك دوفلبان بمهمة “خوض المعركة الدبلوماسية داخل الأممالمتحدة”. كان شيراك متمسّكاً بروحه الأوروبية وأنفته الفرنسية إزاء الأميركيين، سواء إزاء سياسة الاعتدال تجاه العرب وإسرائيل أو وتوحيد أوروبا ضمن الشراكة الفرنسية الألمانية. وكما قال رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يانكر، إن “تركة شيراك بالنسبة إلى فرنسا والاتحاد الأوروبي ستبقى إلى الأبد”. يغيب شيراك، ويبقى ظلّه السياسي والأخلاقي أطول من خلفائه ساركوزي وهولاند وماكرون. ولا يستطيع أي منهم أن يجاريه في قناعاته الراسخة، ووطنيته الفرنسية، وحسّه الاجتماعي كبقية أفراد الشعب، فضلاً عن شفافية المواقف إزاء القضايا العربية. لم يعد ديغول ولا بومبيدو يجدان صدى لما حرصا عليه في التلويح بأهمية الطريقة الفرنسية في السياسة، وفي الدبلوماسية وبقية مناحي الحياة العامة. وكما قال أحمد يوسف في كتابه “شرق جاك شيراك”، “بمجرّد أن تدهورت عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بدا شيراك، في نظر الرأي العام العربي، الزعيم الغربي الوحيد الذي يمكنه مواجهة دعم الولاياتالمتحدة غير المشروط لإسرائيل. ثم أصبح شيراك أكثر شعبية من بعض القادة أو الملوك في العواصم العربية”. عن (العربي الجديد)