على أجندة الدخول السياسي الجديد في المغرب عناوين بارزة، تتعلق بتحولات جارية منذ فترة، تزاحمت فيها ديناميات مختلفة، صعد بعضها وتراجعت أخرى، وتقدم فاعلون ومؤثرون، وتوارى إلى الخلف آخرون، والجميع في سباق لتهيئة الأرضية التي ستجري عليها “معركة” الانتخابات المقبلة سنة 2021. غير أن التحديات والانشغالات، ما تزال هي نفسها، وفي عمقها الحفاظ على مستوى مقدر من مقومات الاستقرار السياسي والمؤسساتي في محيط عاصف، بالتوازي مع توفير الحد الأدنى من ظروف وشروط الانخراط الجماعي للمواطنين في هذا المسار، عبر معالجة الإشكالات الاجتماعية التي تمس الطبقة المتوسطة، وتمكين فئة الشباب من فرص التكوين المهني للتغطية على العجز المسجل على مستوى فرص الشغل سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص. كل هذا يجري تحت يافطة الإعداد للنموذج التنموي الجديد، وللفاعلين في الحياة السياسية الوطنية، أهداف وغايات مختلفة، تحددها طبيعة التحالفات القائمة أو التي يتم الإعداد لها، ومن تجلياتها محاولات “بعث” حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في أفق إعادة اليسار إلى الواجهة من جديد، والضربات السياسية التي يتلقاها رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ثم إعلان حزب التقدم والاشتراكية مغادرته للحكومة، مع استمرار ارتباك حزب العدالة والتنمية واشتغاله على ترتيب بيته الداخلي، واستمرار تفكيك حزب الأصالة والمعاصرة لغايات لم تتضح بعد، وانتظارية حزب الاستقلال الذي لم يستفق من الضربة المزدوجة التي تلقاها في مؤتمره الأخير. في مختلف الدول، عندما يكون الانشغال بإحداث القطائع التي يتطلبها تغيير أسلوب الحكم والتدبير إلى أسلوب آخر، تنتعش حسابات أخرى، تجري على الهامش، أو تجري بالموازاة مع العملية الرئيسة، وتتعلق هذه الحسابات، بالخيارات الكبرى للدولة وللمجتمع، فيبرز الضغط على المؤسسات السيادية، وابتزازها، أو إضعاف موقعها التفاوضي، كآلية في الصراع، فيتم ضخ النقاش حول الثوابت الهوياتية بخلفية التشكيك أو التمويه والإلهاء والإنهاك. والمغرب يعيش مثل هذه الوضعية، وعاشها في فترات مختلفة، وما إن تكون البلاد مقبلة على تحول جوهري، حتى تبرز أصوات من الداخل، وربما، تشكل صدى لأصوات من الخارج، لتعرقل التحول أو تغير مجراه، أو لتبقي الوضع على ما هو عليه. لذلك، وجب الانتباه والتركيز على العملية الرئيسة، التي تقول المؤشرات المذكورة، إن انتخابات 2021، ستكون حاسمة في جدولتها، ويريدها البعض نقطة نهاية فترة، ونقطة بداية فترة جديدة بأحزاب ونخب جديدة، وسياسات واختيارات جديدة. طبعا، في العروض المقدمة، ليس هناك جدة ولا جدية، فمثلا في عرض حزب التجمع، لا يوجد إلا الوهم والسراب المؤثث بتقنيات التواصل السياسي، وبخطاب قديم مجرب لا طائل من ورائه، وفي العرض الآخر الذي يقترح أصحابه تعديل الفصل 47 من الدستور، رجعية سياسية مفضوحة مغطاة بخطاب تضليلي حول مدة تشكيل الحكومات. وثمة عروض أخرى لا يتم التعبير عنها بصراحة، يكتفي أصحابها بمقالات افتتاحية في عدد من الجرائد المعروف ولاؤها، يُفهم منها الاستنجاد بصيغ عتيقة مجربة في دول أخرى لم تجني منها إلا الفوضى، تقوم على الضبط والتحكم والتخويف. وهذه كلها عروض متهافتة ولا تملك شيئا من مقومات التنزيل والصمود، أمام الحاجيات المتزايدة للمواطنين، سواء على مستوى الحريات أو على مستوى التنمية، وأمام التحولات التي يعرفها العالم، وأمام التحديات المطروحة على المغرب، وبالتالي، فإن في محاولات تثبيتها إهدار للزمن السياسي والتنموي للبلاد، في وقت هي في حاجة ماسة فيه إلى كل لحظة لاستعادة التوازن والثقة. إذن، هناك حاجة إلى مزيد من التركيز على الاستحقاقات الحقيقية، لفرز المشهد بناء على مقارنة التحديات المطروحة، مع الأهداف غير المعلنة للفاعلين والمؤثرين، التي يمكن استنتاجها من تاريخهم ومصداقية خطابهم وطبيعة تحالفاتهم، وبالطبع لا يمكن انتظار حل أو وصفة ناجعة، تخدم الدولة والشعب، من الذين شاركوا في تدبير “البلوكاج” الشهير غير القابل للنسيان، ونحن على مشارف الانتخابات.