كقراءة أولية للمشهد السياسي المغربي بعد الانتخابات الجزئية ليوم 28 فبراير 2013 التي جرت لملأ خمسة مقاعد شاغرة بمجلس النواب نستخلص خمسة دروس أساسية بغض النظر عن التفاصيل الجزئية المرتبطة بنسبة المشاركة والرهانات والتحالفات. إن إعمال تمرين ذهني لفهم الرسائل السياسية المتبادل بين مختلف المعنيين بالمسلسل الانتخابي بالمغرب مسألة أساسية، لاسيما في وضع مغربي وعربي سمته انتظار ما سيسفر علية مسلسل الربيع العربي وكذا المغربي من نتائج فيما يتعلق بالانتقال الديمقراطي. بل يطرح سؤال أكبر يتمثل في إمكانات استمرار النموذج المغربي في الإصلاح والمسمى بالطريق الثالث أو الاستثناء المغربي. نتوقف عند الدروس المستخلصة من نتائج اقتراع 28 فبراير قبل تخصيص زوايا النظر للتحديات المطروحة أمام الطبقة السياسية المغربية في المستقبل المنظور. الدرس الأول: خلاصته أن منحى الإصلاح والثقة فيه لازالت مستمرة بالرغم من كل المشوشات وعثرات الإصلاح. ذلك أن النزال الانتخابي أفرز فوز الأغلبية الحكومية بكل المقاعد المتبارى حولها، وهذا بالرغم من السياق السياسي العام الذي يشتغل في إطاره التحالف الرباعي المشكل للحكومة، وكذلك بالرغم من حجم التحديات المطروحة على الحكومة وطبيعة الاستجابة لتلك التحديات، وأيضا بالرغم من تسويق البعض لخطاب هشاشة التحالف والأزمة الاجتماعية والسياسية وقرب انفجار الأوضاع. بالرغم من كل تلك الحوادث فاز التحالف الحكومي بالمقاعد الخمس، وهذا في محصلته النهائية يؤكد أن المجتمع المغربي لازال واثقا من نهج الإصلاح وفي التشكيلة الحكومية وفي خطابات وتدبير رئيس الحكومة. هذا بشكل عام أما التفاصيل فيمكن الاختلاف حولها، ولا ضير من ذلك. الدرس الثاني: هو أن حزب العدالة والتنمية لا يزال يمتلك مقومات مبادرة قيادة مسلسل الإصلاح المغربي. حزب العدالة والتنمية تقدم بمرشحين لملأ خمسة مقاعد فيما ساند حزب التقدم والاشتراكية في ثلاث دوائر انتخابية. النتيجة أن الحزب الإسلامي، القائد لسفينة الحكومة الحالية، فاز بمقعد في دائرة مولاي يعقوب قريبا من العاصمة العلمية للمملكة وبفارق كبير من الأصوات وضاعف محصوله مقارنة مع انتخابات 25 نونبر2011 ، بل إنه فاز على تحالف الثلاثي الاستقلال والحركة الشعبية والأصالة والمعاصرة. بهذه النتيجة أكد حزب بنكيران أن خطابه وبرنامجه السياسي والانتخابي لم ينكمش مع وصوله لتدبير الشأن العام، بل إن قياداته ووزرائه وكوادره ومناضليه نزلوا للساحة لمقارعة الحجة بالحجة. وهذا يفند أطروحات ما فتأت تناصر مقولة أن السلطة والحكم والتدبير "تأكل" الشعبية والثقة وتقلص من إمكانات النجاح الانتخابي. الدرس الثالث: هو أن أحزاب المعارضة لم تستطع بناء خطاب يستقطب اهتمام الشارع المغربي المتعطش لمزيد من المكاسب السياسية والاجتماعية. إنها خلاصة بارزة مؤشراتها دالة، فمن أصل خمسة مقاعد لم تنل أحزاب المعارضة ولو مقعد واحد، بل إن الصراع الانتخابي في أغلب الدوائر كان بين أحزاب التحالف الحكومي، وهنا يطرح سؤال كبير: إذا افترضنا أن الأزمة الاجتماعية قائمة في العمق المغربي، وأن حكومة بنكيران عاجزة عن طرح بدائل لتلك الأزمات، فلماذا لم تتمكن المعارضة من استثمار ذلك لبناء خطاب قوي منسجم قادر على إحراج خطاب الحكومة في الميدان والبناء عليه لجلب زبناء افتراضيين للتأشير على رموزها الانتخابية؟ هل الأمر يتعلق بشيخوخة المعارضة وأحزابها؟ أسئلة تطرح بقوة خاصة عندما نستحضر خطاب المعارضة في البرلمان وكذا في صحافتها. الدرس الرابع: أن تحالف حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية أتى أكله من خلال مقعد اليوسفية وهو ما يزكي مقصد السياسية المتجلية في بناء تحالفات لصالح المصلحة العليا بعيدا عن التجاذبات الاديولوجية. الكثير لم يستسغ هذا التحالف بين الحزبين. وهنا يمكن القول أن في كل تجارب الانتقال الديمقراطي كان صمام أمان نجاح الانتقالات هو بناء تحالفات كبرى تتجاوز المنطق الاديولوجي. في تاريخ المغرب نجاح كثير من المبادرات السياسية كان أساسا نابعا من تحالفات قوية نتذكر الكتلة الوطنية والكتلة الديمقراطية. إن الرابح من انتخابات 28 فبراير هو انتصارا لمنطق السياسي. المغرب في حاجة إلى تغليب السياسي عن الاديولوجي لربح معركة تنزيل الشق الثاني من الدستور. وهو ما فهمه كل من حزبا العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية وأكيد أن حزب الاتحاد الاشتراكي يتذكر يوم استدعاه عبد الإله بنكيران للمشاركة في حكومة تنزيل الدستور فرفض الاتحاديون. فهل يمكن للتاريخ أن يقلب مساره وينعرج إلى الوراء ؟ الدرس الخامس: أن حزب التحكم فاقد للعمق المجتمعي. الحديث عن حزب التحكم يحيلنا مباشرة إلى تلك المنظومة التي كانت تعمل في المغرب إلى خلق وبلقنة الخرائط الانتخابية، تبدأ من صنع الأحزاب الإدارية وتنتهي مع تسخير أعوان السلطة للدعاية لهذا المرشح دون الآخر. هل قطع المغرب مع النموذج السيئ الذكر؟ أكيد أن القطيعة التامة مع هذا السلوك الانتخابي والسياسي لن ينتهي بمجرد الأماني. هناك تمنيات للعودة إلى الوراء وهناك حركية للتحكم لكن عقارب التاريخ ستنتهي إلى تأسيس نموذج مغربي يتصارع فيه الجميع وفق مشاريع انتخابية حقيقية ووفق دستور ديمقراطي يلتزم كل فاعل بحقوقه وواجباته المنصوص عليها دستوريا في احترام كامل للشرعية الدستورية والمؤسساتية. خمسة دروس تحيلنا مباشرة على خمس تحديات تنتظر الطبقة السياسية في المدى المنظور، لاسيما مع تحدي إنتاج القوانين التنظيمية المكملة لدستور الربيع المغربي: التحدي الأول: لعل أبرز تحدي يقع على عاتق الطبقة السياسية في المغرب ونخبه وفاعليه بمختلف توجهاتهم ومواقعهم هو العمل على ترسيخ منظومة الانتقال الديمقراطي في المغرب. المغرب بحاجة إلى تعميق الإصلاحات السياسية وتدبير إكراهاته الاقتصادية وتنويع الحلول لمشاكله الاجتماعية. والهدف ترسيخ ثقة المواطن في المسلسل ككل، الاختلاف حول التفاصيل مقبول والاعتراض على كذا إجراء أو طريقة تصريف الأفعال مباح، لكن الغير المقبول هو العمل على تخريب مصداقية النموذج المغرب في الإصلاح. العودة إلى الوراء غير مستساغة، وتعزيز المصداقية في التدبير مدخل أساسي لترسيخ فعل الثقة. التحدي الثاني: هو تحدي تجاوز الصورة السلبية التي تتحدث عن هشاشة التحالف الحكومي الرباعي، ذلك أن التجاذبات بين بعض مكونات التحالف تثير في بعض الأحيان غبار الشك في الاستمرار، والكل يعلم قيمة الشك سياسيا ولدى الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الوطنيين والأجانب. التحالف الحكومي مطلوب منه تعزيز فرص حل الخلافات الداخلية بمنطق الديمقراطية الداخلية ،ومن المستحسن جعل نشر الغسيل في الصحف آخر المفكر فيه. تحالف حكومي مفروض فيه الاجتهاد في التدبير الديمقراطي لمختلف وجهات النظر المختلفة التي تخترق جسم التحالف؟ التحدي الثالث، يمس أساسا أحزاب المعارضة. وهنا أتحدث أساسا عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. أكيد أن الحزب الاتحادي عرف تحولات في عمقه الاديولوجي والسياسي والمجتمعي، لكن لا نتصور معارضة حقيقية بناءة بدون أن تكون بلون اتحادي. معارضة منح لها دستور 2011 وسائل للعمل كثيرة، لكن النتيجة تظل دون المستوى المطلوب، وهو ما يطرح أمام أحزاب المعارضة تحدي إعادة هيكلة خطابها السياسي إزاء مجريات الساحة السياسية وإعادة النظر في طبيعة تموقعاتها وخطابها وطرق تصريفه سياسيا ومجتمعيا. التحدي الرابع: إن نجاح الانتقال الديمقراطي سيظل رهينا بخلق وتوسيع قاعدة المنخرطين في عملية الانتقال، لذلك فإن التمرين السياسي الذي مارسه كل من حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، على الرغم من التباعد الاديولوجي، يعطي دلائل على وجود فرص حقيقية لتشكيل تحالفات تتغيى المصلحة الكبرى لبلادنا. التحدي المطروح ونصيغه وفق السؤال التالي: كيف يمكن تحويل التحالف من مجرد الدعم الذي غايته تمكين التقدم والاشتراكية من الحفاظ على فريقه البرلماني إلى تحالف استراتيجي يشكل قاعدة لتحالف في المستقبل أكبر يكون على شاكلة الكتلة الوطنية والكتلة الديمقراطية فيما بعد وغايته تنزيل كل مقتضيات الانتقال الديمقراطي مغربيا؟ التحدي الخامس، يلامس مجمل العملية الانتخابية في المغرب وخلاصته كيف يمكن تحويل اللحظة الانتخابية في المغرب إلى لحظة عادية ليس للتنافس الشخصاني لشغل منصب انتخابي أو لحظة لاستعمال المال السياسي والمنطق القبلي لربح مقعد قد يجلب لصاحبه الجاه. بل كيف يمكن تحويل كل ذلك إلى محطة تصبح فيه الانتخابات عرسا ديمقراطيا برهانات مفتوحة غير متحكم فيها، محطة للمكاشفة ولطرح أسئلة تتصل أساسا بانتظارات المواطن من الديمقراطية التمثيلية؟