فعلها نبيل بعبد الله، بإعلانه مغادرة سفينة حكومة العثماني. القرار لم يكن سهلا، فبعد حوالي 20 سنة من مشاركة التقدم والاشتراكية في الحكومات المتعاقبة بدأ بحكومة التناوب التي قادها عبدالرحمان اليوسفي سنة 1998 إلى حكومة العثماني، سيقرر المكتب السياسي للحزب بالإجماع الخروج من الحكومة ودعوة اللجنة المركزية إلى الاجتماع عاجلا الجمعة المقبل للمصادقة عليه. خروجه لا يعني فقط، الحكومة، بل أيضا وضع حد للتحالف مع البيجيدي. فكيف جاء هذا القرار؟ وما هي خلفياته وأبعاده السياسية؟ وما هي أثاره على التعديل الحكومي؟ معظم أعضاء المكتب السياسي حضروا مساء يوم الثلاثاء فاتح أكتوبر لاجتماع في مقر الحزب بحي الرياض بالرباط، باستثناء وزير الصحة أنس الدكالي. لماذا غاب؟ هل لديه موقف معارض للخروج من الحكومة؟ قبل الجواب، لا بد من الإشارة إلى أن نبيل بعبد الله عقد آخر لقاء له مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني يوم الاثنين 30 شتنبر، في سياق مشاورات تشكيل الحكومة، وجاء ليطلع قيادة الحزب على نتائج ذلك اللقاء. أبلغهم أن العثماني طرح “مقاربة تقنية” في التعديل الحكومي تعتمد اقتراح توزيع المناصب وتقديم الأسماء. بعبد الله رفض التجاوب مع هذه المقاربة وسأل عن التصور السياسي لعمل الحكومة المقبلة قبل الحديث عن المناصب. هذا السؤال كان موضوع بلاغ سابق للمكتب السياسي صدر في 3 شتنبر بعد أولى لقاءات العثماني بشأن التعديل”، ويمكن القول إنه مهّد لقرار الخروج من الحكومة، وقد جاء فيه أن المكتب السياسي يشدد على “ضرورة توفير الشروط التي تجعل من التعديل الحكومي المرتقب أحد المداخل الأساس لإحداث الطفرة التنموية والديمقراطية”، داعيا إلى أن تشكل المرحلة المقبلة “انطلاقة جديدة لوطننا وشعبنا نحو آفاق أرحب من أجل المزيد من الدمقرطة والحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية”، بل إن قيادة الحزب شددت على أنها ستحتكم “لكل هذه المحددات، في ما هو مقبل من مراحل المفاوضات مع السيد رئيس الحكومة بخصوص التعديل الحكومي”. وبعد مرور ما يقارب الشهر على هذا البلاغ، يقول مصدر من الحزب، إن العثماني “لم يقدم جوابا مقنعا”، حول تصوره السياسي للمرحلة المقبلة، فكان رد بنعبد لله هو إبلاغ العثماني بأن “هناك احتمالا كبيرا كي نغادر الحكومة”. قال له ذلك يوم الاثنين الماضي. لكن ماذا اقترح العثماني على بعبد الله؟ أكثر من مصدر قيادي في الحزب رفض الكشف عن عرض العثماني، بدعوى أنهم غير معنيين بهذه المقاربة. يقول كريم التاج، عضو المكتب السياسي ل”أخبار اليوم”، إن الحزب “يمكن أن يقبل بنصف منصب، لكن على أساس توضيح الرؤية السياسية”، لكن مصادر كشفت أن العثماني عرض حقيبة واحدة على الحزب يقال إنها إما حقيبة الثقافة أو الشبيبة والرياضة، لكن بعبد الله رفض مناقشة الأمر، وانتهى الاجتماع. الموقف فاجأ العثماني، الذي سارع لإبلاغ أعضاء الأمانة العامة لحزبه، فبدأت مساعي من قيادات من البيجيدي الذين اتصلوا لإقناع بعبد الله بعدم التوجه إلى المعارضة، لكن قيادة الحزب حسمت الأمر. دام اجتماع المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية، أول أمس الثلاثاء، من الساعة الرابعة إلى حوالي التاسعة مساء، وانتهى بإصدار بلاغ مطول يعلن بالإجماع قرار الخروج للمعارضة. وقال بعبد الله ل”أخبار اليوم”، مباشرة بعد إصدار البلاغ: “سياسيا، لم يقدم لنا العثماني الأجوبة الكفيلة بإقناعنا بأن هناك تجاوبا مع تطلعات الشعب المغربي في التقدم والعدالة الاجتماعية”. أما عن غياب أنس الدكالي، وزير الصحة، عن الاجتماع فتفيد مصادر أنه رفض مسبقا الخروج من الحكومة، بل إنه “منذ استوزاره، ازدادت طموحاته وبدأ يفكر في خلافة بعبد الله”، وما زاد الطينة بِلة هو تحركاته في كواليس المؤتمر الوطني الأخير لشبيبة الحزب لدعم شباب موالين له ليصعدوا لقيادة الشبيبة. وخلف هذا السلوك توجيه انتقادات حادة له في أحد اجتماعات المكتب السياسي. وربما يفكر أنس الدكالي في البقاء في الحكومة رغم خروج حزبه، مكررا تجربة محمد الوفا، الذي تمرد على قرار حزب الاستقلال في عهد حميد شباط بالخروج من حكومة بنكيران في 2013. وفي “بلاغ الخروج” قدم الحزب عدة مبررات أبرزها: أولا، وجود أزمة داخل الأغلبية الحكومية “عمقت من حالة الحيرة والقلق والانتظارية التي انتشرت وتنتشر في أوساط مختلفة من المجتمع”. ثانيا، فشل الحكومة في “تعبئة الرأي العام حول المشروع الإصلاحي الذي التزمت به”. ثالثا، أن المشاورات المتصلة بالتعديل الحكومي بقيت “حبيسة منطق المناصب الوزارية، وعددها، والمحاصصة في توزيعها، دون النفاذ إلى جوهر الموضوع، حيث لا إصلاح دون المدخل السياسي”.