يعيش الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أياما صعبة، بعد قرار الكونغرس أخيرا فتح تحقيق لعزله، وهي سابقة في التاريخ الأمريكي. وكان مخبر مجهول قد سرب مكالمة للرئيس ترامب مع نظيره الأوكراني في يوليوز الماضي، تظهر أن ترامب يريد تشويه سمعة منافسه المحتمل، جون بايدن، من الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية 2020. وحسب ما تسرب من المكالمة، فإن ترامب قايض تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، بفتحها تحقيقا مع هانتر، نجل بايدن الذي يشتغل في شركة للتنقيب عن الغاز في أوكرانيا، وتحوم حوله شبهات فساد. بل إنه ناقش الرئيس الأوكراني بشأن تدخل بايدن في 2016، عندما كان نائبا للرئيس السابق أوباما، لوقف متابعة ابنه، وعلاقة ذلك بتنحية مدعٍّ عام أوكراني عام 2016. كما طلب ترامب أن تتعاون كييف مع المدعي العام الأمريكي ومحامي ترامب جولياني في هذه القضية. من الناحية القانونية، اعتبر الكونغرس أن هذه المكالمة تنطوي على «مخالفة جرمية» نص عليها الدستور باعتبارها أحد أسباب العزل، لأن ترامب سعى إلى دفع دولة أجنبية إلى التأثير في الانتخابات الرئاسية. وسيكون على الكونغرس، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، التحقق من أن ترامب أساء استخدام سلطاته بهدف إعادة انتخابه، عن طريق طلب مساعدة دولة أجنبية. ترامب، من جهته، اعترف بالمكالمة، وبررها البيت الأبيض بأنها جاءت في سياق لفت نظر القيادة الأوكرانية إلى ضرورة محاربة الفساد، بل إن ترامب أبدى غضبه من التجسس عليه، قائلا، في تدوينة على تويتر: «هل كان هذا الشخص (المجهول) يتجسس على رئيس الولاياتالمتحدة»؟ محذرا من أن العواقب ستكون «وخيمة». تؤشر هذه المعركة على فصل جديد من الصراع السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولاياتالمتحدة، وتظهر بوضوح مدى قوة الدستور، وفصل السلط، ومراقبة بعضها البعض. لكن معركة العزل ستكون طويلة، ساحتها الأولى هي الكونغرس الذي شكل لجنة خاصة للتحقيق في الاتهامات الموجهة إلى الرئيس، حيث سينظم ما يشبه محاكمة لترامب بالاطلاع على الأدلة والوثائق والتسجيلات، والاستماع إلى مسؤولي الاستخبارات وكل المسؤولين المعنيين، وحتى إلى مسرب المكالمة المجهول، الذي يقال إنه أبدى استعداده للمثول أمام لجنة التحقيق المعنية. وبعد ذلك، سيقع اللجوء إلى التصويت، ولن يحتاج الديمقراطيون إلا إلى أغلبية بسيطة للتصويت لصالح عزل الرئيس، وهذا أمر متاح لهم. لكن ذلك لن يكون كافيا لعزل الرئيس، فهذه فقط المرحلة الأولى من مسطرة العزل، لأن القرار النهائي سيكون لمجلس الشيوخ، الذي سيتلقى الملف وينعقد برئاسة رئيس القضاة. وبعد الاطلاع والمناقشة، سيكون على أعضاء المجلس، الذين سيؤدون القسم، التصويت بالثلثين لعزل الرئيس، وهي مهمة لن تكون سهلة، لأن المجلس يسيطر عليه الجمهوريون. تذكر هذه الواقعة، التي أطلق عليها البعض اسم «أوكرانيا كيت»، بفضيحة «ووتر كيت» التي أطاحت بالرئيس نيكسون في السبعينات، بسبب لجوئه إلى التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى «ووتر كيت»، للفوز بولاية ثانية في بداية السبعينات. وهي الفضيحة التي كشفتها صحيفة الواشنطن بوست، وأدت التحقيقات بشأنها إلى اعتقالات، وإلى استقالة نيكسون من منصبه ومحاكمته وإدانته في 1978. فهل يكرر التاريخ نفسه مع ترامب؟.