منذ دجنبر 2009، حيث أصدر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حاليا)، تقريره الرسمي حول «متابعة تفعيل توصيات هيئة الانصاف والمصالحة» بملاحقه الأربعة (لم ينشر إلى الان الملحق الثالث)، لم تعد أمام المهتمين أي وثيقة رسمية تقدم جردا عاما لتنفيذ هذه التوصيات، باستثناء تصريحات صحافية للمسؤولين الرسميين من وزراء أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بقرب إصدار تقريرا شاملا، إذ تم الإعلان عن ذلك منذ سنوات، أو بلاغات صحافية عن تنفيذ بعض إجراءات جبر الضرر الفردي، كان آخرها البلاغ الصادر عن المجلس الوطني في الأسبوع الأول من الشهر الماضي. في مقابل هذا القصور من قبل الجهات الرسمية، نجد المجتمع الحقوقي واصل حث الحكومة على الالتزام بتعهداتها وتنفيذ كل ما تبقى من هذه التوصيات. فبعد تقرير جمعية الوسيط من أجل الديمقراطية المعنون: ب»تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، من أجل التعاقد حول منجز هيئة الانصاف والمصالحة»، نجد مئات البيانات والبلاغات الصادرة عن الجمعيات الحقوقية، التي مافتئت تطالب بتحويل التعاقد الحقوقي بين الدولة والمجتمع إلى تشريعات وسياسات عمومية وإجراءات وتدابير حكومية… كان آخرها الندوة الوطنية التي نظمتها هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، المكونة من عدة جمعيات حقوقية وازنة في البلاد، أيام 20،21، 22 أبريل 2018 بمراكش. نعود إلى التذكير بمسار تجربة «العدالة الانتقالية» بالمغرب، والتي تأسست، أساسا، على وضع ضمانات عدم تكرار ما جرى من الانتهاكات، حيث حلت النقاشات العمومية محل النقاش داخل ردهات المحاكم، والعدالة التصالحية بدل العدالة الانتقامية، إلا أن حاضر حقوق الإنسان، يعرف ردة حقوقية وارتفع منسوب الانتهاكات الحقوقية في السنوات الأخيرة، بل إن منظمات حقوقية تتحدث عن إعادة تكرار ما جرى. إن تحصين مكتسبات توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المنجزة، والدفاع على تنفيذ غير المنجز منها، يدفع إلى تقديم أربع ملاحظات: أولا: إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان استنفذ كل إمكاناته القانونية والسياسية من أجل الاستمرار في تحمل مآل هذه التوصيات، خاصة بعد التصريحات التي سبق وأن عبر عنها، والمتعلقة بطي هذه الصفحة. ثانيا: أضحت الحاجة إلى عقد مناظرة ثانية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي تقيم تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، وفتح آفاق الملفات العالقة والإشكاليات الجديدة التي حالت دون تنفيذ التوصيات. ثالثا: التفكير الجماعي في إحداث آلية وطنية من أجل استكمال ملفات الاختفاء القسري، والحفاظ على الذاكرة الجماعية، وتعزيز التاريخ المعاصر، وتعميم ونشر أرشيف الهيئة وجعله جزءا من التاريخ المغربي وملكٍ للمغاربة جميعا. رابعا: ضرورة القطع مع المقاربة المالية والتقنية في معالجة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وإعادة الروح السياسية والحقوقية والتعاقدية إلى هذا الرصيد الوطني. إن روح التعاقد السياسي في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، هو ما يجعلها مشتركا جمعيّا، وليس ملفا محصورا فقط، في صفوف ضحايا الانتهاكات الجسيمة وذويهم، هذه الروح التي تتجاوز مسألة التعويض الفردي المشروع إلى رهاناتنا نحن المغاربة، الذين لم نعش تلك الانتهاكات، ولكننا نخشى على مستقبلنا ونسعى إلى أن تعيش الأجيال اللاحقة في أمن وأمان، حتى لا تتكرر تجربة عيش معاناة الأجيال السابقة والجيل الحالي.