شهدت تونس لثلاثة أيام على التوالي مناظرات غير مسبوقة في العالم العربي، بين المرشحين 26 لانتخابات الرئاسة المقررة منتصف الشهر الجاري، إذ يرى مراقبون بأنها “اختبار” جديد للديمقراطية الناشئة في هذا البلد المغاربي. ونقلت 9 قنوات عمومية وأخرى خاصة و21 محطة إذاعية، في وقت واحد، المناظرات الثلاث لمختلف المرشحين، حيث جرت المناظرة الأولى السبت، والثانية الأحد، والثالثة أمس الاثنين، وذلك قبل 8 أيام من موعد الانتخابات. وتفاوتت ردود الفعل وسط التونسيين إزاء أداء المرشحين في المناظرات الثلاث، إذ اعتبر البعض ما جرى هو “فخر لتونس” وسط محيط عربي مضطرب، وفي هذا الصدد كتب الصحافي التونسي، سمير جراي، أن المناظرات “انتصار لنضالات الصحافيين التونسيين من أجل إعلام حر وديمقراطي”. في حين كتب الصحافي الطيب الغلوفي، على حسابه فايسبوك، قائلا: “أولا المناظرة الرئاسية كانت فخرا لتونس وللعرب”، لكنه أردف “لا تكتمل الديمقراطية التونسية وتتحصن، وتبلغ مداها، إلا إذا رحلت الأنظمة العسكرية والطائفية والقبلية في المنطقة العربية، ونجحت شعوبها في بناء أنظمة ديمقراطية مستقرة”. وخصص مقعد فارغ في المناظرات للمرشح نبيل القروي، الملقب ب”برلسكوني تونس”، ويقبع في السجن منذ أسبوعين، بتهم التهرب الضريبي وغسيل الأموال. وخلّف قرار اعتقال القروي ردود فعل متباينة وسط السياسيين، الذين انتقدوا توقيت اعتقاله، معبرين عن تخوفاتهم من أن يؤثر ذلك على الانتخابات الرئاسية. من جهتها، اعتبرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، في مقال نشرته في عدد، أمس، أن الانتخابات الرئاسية في تونس “اختبار للديمقراطية الناشئة في تونس”. وأشارت الصحيفة أن وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي أدت إلى تبعثر القوة العلمانية على نطاق واسع في البلد، وأن ما يبقيها متماسكة إلى حد ما، هو معارضة حزب النهضة، الذي خلق منافسة غير متوقعة يمكن أن تعيد تشكيل المشهد السياسي للديمقراطية الناشئة في تونس. وتجري منافسة بين 26 مرشحا من مرجعيات مختلفة، أبرزهم الرئيس السابق المنصف المرزوقي، والقيادي في حركة النهضة عبدالفتاح مورو، ورئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، ورؤساء حكومات سابقة هم المهدي جمعة، وحمادي الجبالي، علاوة على وزير الدفاع الحالي عبدالكريم الزبيدي. وتتجه الأنظار إلى نائب رئيس حركة النهضة، عبدالفتاح مورو، كمرشح بارز، بالنظر إلى ثقل حزبه في المشهد الحزبي، حيث تتصدر حركة النهضة البرلمان التونسي 69 نائبا، كما أنها فازت العام الماضي بالانتخابات البلدية، بنسبة 28 في المائة من الأصوات، وتدير بلديات كبرى بما فيها العاصمة تونس، ويعتبر مورو شخصية لها صيت واسع في تونس، ويشغل حاليا رئيس مجلس النواب بالنيابة، وهو قاض سابق ثم محام، ومعتقل سياسي سابق في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بنعلي. كما تتجه الأنظار إلى منافس آخر هو يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالي، الذي فوّض صلاحياته إلى وزير الوظيفة العمومية، كمال مرجان، إلى غاية انتهاء الحملة الانتخابية. وبرز اسم الشاهد بشكل عابر في 2012، كأحد مؤسسي الحزب الجمهوري، الذي كان ممثلا في المجلس التأسيسي، لكنه سرعان ما انضم إلى حزب “نداء تونس”، الذي أسّسه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي لمواجهة حركة النهضة. وبعد انتخابات 2014، عين في منصب وزير دولة للفلاحة، قبل أن يصبح وزيرا للشؤون المحلية بداية 2016. ومع سحب مجلس النواب الثقة من حكومة الحبيب الصيد، فاجأ قايد السبسي الرأي العام التونسي بتكليفه السياسي الشاب، يوسف الشاهد، بتشكيل حكومة في صيف 2017. لكن سرعان ما اصطدم الرئيس المخضرم السبسي حينها بالوزير الشاب يوسف الشاهد، على خلفية صراع حول إدارة حزب “نداء تونس”. واتهم الشاهد نجل الرئيس الراحل، حافظ قايد السبسي، ب”تدمير الحزب من الداخل”. وبعيد وفاة السبسي، أعلن الشاهد ترشحه لانتخابات الرئاسة المبكرة عن حزب “تحيا تونس” الذي أسسه رفقة قادة سابقين بنداء تونس. وترجح التوقعات فوز الاثنين، مورو والشاهد في الجولة الأولى من الانتخابات، وهو سيناريو إن حدث قد يدفع القوى العلمانية واليسارية إلى الاصطفاف وراء الشاهد، وفي الحالتين، فإن الطرفين سيكونان طرفين أساسيين في اللعبة السياسية بتونس في المرحلة المقبلة، أحدهما من موقع رئيس الجمهورية، والآخر من موقع رئيس البرلمان