مرعب شريط الفيديو الذي وثق حادث إقدام مفتش شرطة على قتل رجل وامرأة في أحد أهم شوارع الدارالبيضاء. لقد فند الرواية التي جرى ترويجها، عقب الحادث، عن أن الشرطي كان في وضعية دفاع عن النفس في مواجهة عصابة سعت إلى انتزاع سلاحه الوظيفي منه. ما يظهره الشريط هو تجمهر مجموعة من الناس حول شخص ساقط أرضا، وامرأة، كانت ترافقه، تسائل الشرطي عن سبب رميه بالرصاص: «شنو دار.. شنو دار حتى تقتلو؟»، قبل أن يخرج من بين الجموع شخص ثالث ببنية جسمانية ضخمة، قيل إنه حارس ملهى ليلي (فيدور)، مرددا: «نتي ريحي.. رَاه بوليسي هذا»، دفعها بقوة، مرة أولى ثم ثانية، حتى تمكن من طرحها أرضا، ليتقدم حامل السلاح نحوها، وهي ملقاة على وجهها، ويسدد مسدسه إليها ويرديها قتيلة. دعنا نذهب مع الرواية التي قالت إن الرجل الذي ظهر في بداية الشريط مضرجا في دمائه هو الذي اعتدى على الشرطي، وحاول سلبه سلاحه الوظيفي، فلم يجد الشرطي بدا من إطلاق النار عليه. لكن، لماذا أقدم الشرطي على إعدام المرأة وهي ساقطة أرضا؟ لماذا انحنى عليها وأفرغ فيها مسدسه، مع أن كل ما قامت به هو أنها ساءلته، وهي وسط جمهور من الناس، ومجردة من أي سلاح، عن السبب الذي دفعه إلى قتل مرافقها؟ الوقائع المرعبة التي نقلها شريط الفيديو لا تسائل رجل أمن مارس الإعدام خارج القانون، فحسب، بل كذلك حراس الملاهي الليلية ومهامهم وطريقة اختيارهم وتأهيلهم، خصوصا أن هذا الحادث وقع بعد أشهر من تصوير كاميرات أحد المحلات التجارية حراس أحد الملاهي، غير البعيدة عن مكان وقوع الحادث الأخير، تسببوا في موت مهندس شاب بعد تعنيفه، ثم جرجروه بعيدا عن الملهى الذي خرج منه، وتركوه ينزف ويموت. الحادث الجديد سيسائل مجتمعا بكامله، أصبح يعيش أزمة قيم واضحة؛ فلا هو حافظ على أخلاقه وأعرافه التقليدية، ولا هو تحلى بقيم الحداثة؛ مجتمع ينصب محاكم الشارع لمن يخالفونه الرأي والذوق، لكنه لا يقدم المساعدة لشخص في حالة خطر، ويتواطأ بالصمت أو بشهادة الزور على جريمة بشعة، لمجرد أن مرتكبها المفترض رجل أمن. وقبل هؤلاء جميعا، سيُسائل هذا الحادث منظومتنا الأمنية، والمؤسسات الوصية عليها، حول قدسية الحق في الحياة، وضوابط استعمال السلاح الوظيفي من لدن عناصر الشرطة، خصوصا أن حادث الإعدام خارج القانون هذا يزامن عمليات القتل الرمزي التي تمارسها جرائد ومواقع تحسب نفسها على جهات في الأمن، يوميا، وبكامل الحرية، في حق من لا يروقها، ليس من المعارضة فحسب، بل حتى لو كان الأمر يتعلق بوزير دولة والرجل الثاني في الحكومة، ما يكرس الانطباع بأننا في دولة بوليسية، وأن الحكومة لا تحكم أي شيء أمام هذه الجهة التي سبق لعبد الإله بنكيران أن قال عنها، وهو رئيس حكومة: «هناك حكومتان في المغرب». كما سبق للملك، شخصيا، أن تساءل- استنكاريا- في خطاب العرش لسنة 2017، قائلا: «كأن الأمن هو المسؤول عن تسيير البلاد، ويتحكم في الوزراء والمسؤولين». لا يمكن أن ننكر مجهودات الإدارة العامة للأمن الوطني في تكوين رجال الأمن في مجال حقوق الإنسان واحترام القانون، لكن هذا لا يمنعنا من أن نهمس في أذن عبد اللطيف الحموشي: ليس لمديريتك الحق في أن تصدر بلاغا تقول فيه إن بحثا قضائيا فتح بشأن هذه الجريمة، فالتحقيق فيها إلزامي، وليس البوليس من عليه أن يقوم به، بل قاضي التحقيق، لأن الفصل 128 من الدستور جعل عمل الشرطة القضائية تحت إمرة النيابة العامة وقضاة التحقيق، وبالتالي، لا يمكن جهازا إداريا يعمل تحت سلطة الحكومة، أن يتدخل في عمل الشرطة القضائية، ويأخذ مبادرات مباشرة أبحاث قضائية ويصدر بشأنها بلاغات للرأي العام. هذا من اختصاص السلطة القضائية، التي هي سلطة مستقلة بمقتضى الدستور. ثم، لماذا لا تصدر النيابة العامة، في هذه الحالات، بيانات كالتي أصدرتها، مثلا، في حالات المهدوي والزفزافي وبوعشرين، ما يعطي انطباعا، أيضا، وكأن الأمن هو الذي يرأس النيابة العامة وليس العكس؟