القاهرة لم يكن عدد المناصرين المغاربة، الذين قدموا إلى ملعب “السلام” في العاصمة المصرية القاهرة، كبيرا، يوم الجمعة الماضي، خلال لقاء المنتخب المغربي بمنتخب البنين، كما كان عليه الحال في المباريات السابقة، لعل الأمر له علاقة بنفاذ عروض “لارام”، أو لأن المغاربة كانوا يستعدون للمجيء في دور الربع، ما دام الخصم ليس سوى منتخب بنين “المتواضع”. حوالي 1500 مناصر مغربي كانوا في الملعب، قبل حوالي ساعتين من انطلاق المباراة، أغلبهم من المغاربة المقيمين في أرض الفراعنة، وعدد مهم من مغاربة المهجر، قدموا من مختلف البلدان الأوروبية لدعم “أسود الأطلس”، بالإضافة إلى بعض المناصرين الآتين من المغرب. الأجواء كانت حماسية، صحيح كان هناك حضور نوعي أيضا لجماهير بنين؛ حوالي 800 مناصر أو يزيد، إلا أن الحضور المغربي كان لافتا كعادته، من خلال الأهازيج والأناشيد المعروفة، فثقة المغاربة في الفوز لم يزحزحها إعلان المذيع الداخلي للملعب غياب العميد المهدي بنعطية بسبب الإصابة، والكل هنا لا يتحدث سوى عن انتصار مغربي تتراوح غلته التهديفية بين الهدفين والثلاثة أهداف، دون منح الخصم شرف التسجيل في شباكنا. الحلم يتحول إلى كاوبس تحولت الابتسامة إلى وجوم وصدمة، وصارت الأحلام كوابيس، بعد أزيد من 120 دقيقة من انطلاق المباراة، فلم يكن أشد المتشائمين المغاربة يتوقعون أن تأخذ المباراة هذا المسار، وتدون بهذا السيناريو، وأن يخرج المنتخب المغربي، الذي تصدر مجموعته بالعلامة الكاملة، وفاز على الكوت ديفوار في الدور الأول، على يد منتخب بنيني، لم يبلغ دور الثمن سوى بالتعادلات، بعد أن حل ثالثا في مجموعته. على المدرجات أعين مغربية شاخصة في لوحة الملعب الداخلية، وكأنها لم تستوعب بعد ما تم وضعه عليها، وأخرى رقرقت دمعا، أو انفجرت منهمرة، خاصة من جفون الأطفال والنساء، فالضربة موجعة والصدمة كانت قاسية للغاية. نوفل، هذا الشاب المغربي الآتي من العاصمة البلجيكية بروكسيل، لم يستطع كبح دموعه بعد ضربات الترجيح، واستسلم لحزنه، عبر لنا عن خيبة أمله الكبيرة، هو الذي كان يعقد آمالا كبيرة على “الأسود”، كما فجر غضبه على اللاعبين والمدرب، الذين “لم يكونوا على قد المسؤولية” على حد تعبيره. وفي دردشة مع “اليوم24” مباشرة بعد انتهاء ضربات الترجيح، قال نوفل بلهجة غاضبة وساخطة: “أنا جد مصدوم فعلا، ولم أستوعب بعد ما وقع، لقد خرجنا أمام منتخب جد متواضع بعد أن كانت أحلامنا كبيرة جدا، للأسف هذا هو قدرنا، الحزن ثم الحزن، كنا نحلم ب”كان” تاريخي والتتويج بمصر، خاصة بعد الأداء الذي قدمه المنتخب في الدور الأول، ولكن للأسف، اللاعبين لم يكونوا في المستوى”. سخط جماهيري عارم في حديثه دائما مع الموقع، حمل نوفل مسؤولية ما حدث في مباراة اليوم، إلى المدرب هيرفي رونار، الذي “لم يعرف كيف يتعامل مع المباراة”، حسب المتحدث نفسه. “كان متوقعا أن يواجه المنتخب المغربي صعوبات كبيرة، أمام بنين، لأنه سيتراجع للخلف، هو الأمر ذاته الذي حدث لنا مع ناميبيا من قبل، هذا عمل المدرب، وهنا تظهر حنكته وتجربته، لقد عجز تماما عن إيجاد الحلول، ثم إن اختياراته السابقة بالاعتماد على مهاجمين صريحين اثنين فقط هي التي أوقعته في ما حل بنا، مهاجم وحيد، لا يمكنه دائما أن يفي بالغرض”. طرحنا سؤالا آخر على نوفل، لكن يبدو أن أعصابه لم تكن تستحمل الاستمرار، فاعتذر لنا بأدب وغادر الملعب، رفقة رفيقته، التي يبدو من ملامحها أنها أجنبية، أما على المدرجات فقد اختلطت الدموع والذهول بصراخ سخط جماهيري عارم، منهم من يوجه اللوم لحكيم زياش، ومنهم من يسب هيرفي رونار، واللاعبين الذين وصفوهم ب”المتخاذلين”، ومنهم أيضا من جمع الكل في “سلة” واحدة، فكال لهم من الشتائم ما “نفس عن غضبه”. دموع في مستودع الملابس وضعت المباراة “أوزارها”، وغنم منتخب البنين انتصارا تاريخيا وتأهلا للربع، وحصد المغرب الخيبات، وخرج صاغرا من دور ثمن النهائي. كل اللاعبين استطاعوا الخروج من الملعب، إلا حكيم زياش، الذي خارت قواه وتحطمت معنوياته، فانهمرت عيونه دمعا، حزنا وحسرة على تضييعه تأهلا “في المتناول”. كان يعلم بأنه المسؤول الأول عما حدث على أرضية الملعب، بعد أن أضاع ضربة جزء في آخر ثانية من المباراة، كانت لتنهي الأمور بشكل تام. كان زياش آخر من غادر أرضية الملعب، واضعا يديه على وجهه، وكأنه يريد أن يعتذر للجماهير، ويقول لهم “أنا آسف، أتحمل مسؤولية ما وقع”، ظل لاعب أجاكس الهولندي مستلقيا على العشب، حتى جاء مصطفى حجي وبعض اللاعبين، بالإضافة إلى الطاقم التقني المساعد لمنتخب بنين، لإخراجه من أرضية ملعب “السلام”. ولم تكن دموع تلك المصورة الفوتوغرافية المغربية هي الصورة الوحيدة التي مست مشاعر المغاربة، بالإضافة إلى الطفل المشجع ريان، الذي انكمش في حضن والده باكيا ومتحسرا، بل إن عددا من لاعبي المنتخب الوطني استسلموا لدموعهم أيضا، على غرار العميد المهدي بنعطية، وأشرف حكيمي، وفيصل فجر. الدموع امتدت حتى لمستودع الملابس، كما أكد ذلك المدرب هيرفي رونار، في الندوة الصحفية التي تلت المباراة، والتي صرح فيها بأن جميع اللاعبين لم يقووا على الكلام، والكل عبر عن حزنه بالبكاء. أما في المنقطة المختلطة، حيث يمنح اللاعبون تصريحات للصحافيين، فقد برزت الوجوه واجمة وحزينة ومصدومة، غالبية اللاعبين اعتذروا عن الكلام والحديث، لاجئين للصمت، لعله يخفف عنهم من وطأة الصدمة، أما من تحدث منهم، على غرار فيصل فجر، فلم يقل سوى: “لا أعرف ما الذي وقع اليوم، مازال مامتيقش، غادي نمشي لوطيل، ونحاول ننعس، وغدا عاد نقدر نعرف شنو وقع لينا اليوم”.