مراد زروق باحث متخصص في العلاقات اللاتينو-مغربية هل يمكن أن تقدم لنا خلاصة عن تاريخ العلاقات بين المغرب وأمريكا اللاتينية منذ الاستقلال سنة 1956، إلى وفاة الملك الراحل الحسن الثاني؟ إذا دققنا النظر في العلاقات بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية في المرحلة التي سبقت وصول الملك محمد السادس إلى السلطة سنة 1999، سنجد بأن وتيرة هذه العلاقات كانت ضعيفة. بطبيعة الحال لا يمكننا الحديث عن الإرهاصات الأولى لهذه العلاقة دون أن نذكر الزيارة التاريخية التي قام بها تشي غيفارا إلى المغرب، على رأس وفد كوبي مهم سنة 1959، وهي الزيارة التي سبقها لقاء في سفارة المغرب في القاهرة جمع الثائر الكوبي بمحمد عبدالكريم الخطابي وعبدالخالق الطريس وعبدالله إبراهيم، الذي اغتنم فرصة هذا اللقاء لتوجيه الدعوة إلى تشي غيفارا لزيارة المغرب. رغم أن الوفد الكوبي مكث عدة أيام في المغرب، إلا أن الزيارة لم تحظ بدعم كل الفاعلين السياسيين، إذ تحفظ عليها حزب الاستقلال والأمير مولاي الحسن. لم يول المغرب أهمية قصوى في سياسته الخارجية لأمريكا اللاتينية في السنوات الموالية، إذ كانت الدولة الفتية منهمكة في صياغة علاقات جديدة مع القوى السياسية العالمية، وأيضا كانت تحاول أن تلعب دورا حيويا في بعض المنظمات الإقليمية، ولاسيما منظمة الوحدة الإفريقية وجامعة الدول العربية. هذا الركود دام عمليا حتى الثمانينيات من القرن الماضي، عندما أفضت تحركات انفصاليي البوليساريو إلى فتح سفارات في الدول التي تعترف بكيانهم المعلن من طرف واحد. هكذا إذن، افتتحت أول سفارة لهذا الكيان في بنما سنة 1980، ثم فنزويلا وكوبا سنة 1982، والمكسيك في منتصف الثمانينيات. وهنا يجب أن نذكر أن الحملة الدبلوماسية التي أدت إلى هذه الموجة من الاعترافات كان وراءها رئيس الحكومة الإسباني السابق فليبي غونزاليس. لم تكن الزيارة التي قام بها الشاذلي بنجديد لكوبا وفنزويلا والمكسيك في ماي من سنة 1985 من باب الصدفة، إذ كانت الأجندة الجزائرية تولي أهمية كبيرة للتناغم الإيديولوجي مع النظام الكوبي، إضافة إلى التنسيق مع فنزويلا والمكسيك بخصوص تحديد أسعار النفط والتنسيق بخصوص المحاور الأساسية لُما كان يُعرف بالنظام الاقتصادي الدولي الجديد. لم يفوت بنجديد فرصة دعم مجموعة كونتادورا، وهي آلية متعددة الأطراف لدعم السلم في أمريكا الوسطى. نجم عن هذا الهجوم الدبلوماسي الذي بدأه غونزاليس وأنهاه بنجديد، دون أن نغفل اعتراف 16 دولة في المنطقة، بما يُعرف بالجمهورية الصحراوية، ولم تبق إلا البرازيل والأرجنتين والشيلي والأوروغواي وغواتيمالا. كان السياق هو سياق الحرب الباردة، وكان المغرب يعرف حربه الباردة المستعرة بين المغرب والجزائر التي تزامنت مع الحرب الفعلية في الصحراء المغربية ضد مليشيات البوليساريو المدعومة من الجزائر، ومن جهات أخرى. ورغم نجاح الحملة الدبلوماسية الجزائرية، أعلن بنجديد عن نيته لزيارة كولومبيا والأرجنتين والبرازيل. رد فعل المغرب تجلى في تحرك وزير الخارجية عبداللطيف الفيلالي، الذي أوفد مجموعة من الوزراء الناطقين بالإسبانية لدول أمريكا اللاتينية للتعريف بالموقف المغربي، كما أعلن المغرب عن نيته لفتح عشر سفارات في تلك الدول. رغم كل الجهود المبذولة لم يتغير الوضع بشكل ملموس قبل هذه الألفية. كيف تمكن المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش من تحقيق اختراقات دبلوماسية كبيرة في هذه القارة؟ مما لا شك فيه أن اعتلاء الملك محمد السادس للعرش عرف اختراقا دبلوماسيا واسع النطاق لأمريكا اللاتينية. هذا الاختراق لا يجب أن نفصله عن التوجه الجديد الذي يقضي بعدم ترك الكرسي الشاغر من جهة، وبتنويع العلاقات الدبلوماسية والبحث عن التوازن، إضافة إلى نضج بعض تجارب التعاون جنوب – جنوب التي جعلت المغرب يراهن على شركاء آخرين يعيشون الظروف السياسية والاقتصادية نفسها. هكذا نجد أن الزيارة الملكية للبرازيل والبيرو والشيلي والأرجنتين في دجنبر سنة 2004، جاءت لتؤكد هذا التوجه الجديد. كما كانت هناك، أيضا، زيارات مهمة قام بها مجموعة من المسؤولين المغاربة. في مارس 2005 احتضنت مراكش الاجتماع الوزاري التحضيري لقمة أمريكاالجنوبية والدول العربية، المعروفة اختصارا «بأسبا» التي انعقدت في برازيليا. لم تكن هذه الخطوات إلا بداية للنجاح الدبلوماسي الذي نشهده اليوم. ما دلالة سحب بلد صغير مثل السلفادور اعترافها بالبوليساريو، وكذا حضور رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، حفل تنصيب الرئيس البنمي الجديد، رغم أن هذا البلد لازال يعترف بالكيان الوهمي؟ أكيد أن سحب السلفادور لاعترافها بما يُعرف بالجمهورية الصحراوية يعد انتصارا دبلوماسيا، لكنه لا يعني أن القائمين على الشأن الدبلوماسي يجب أن يوجهوا أنظارهم إلى جهة أخرى. الوقت مناسب لشرح الموقف المغربي للأطراف والأحزاب المناوئة للمغرب، حتى وإن كانت في المعارضة. إذا كانت القنوات مفتوحة مع هذه الأحزاب، وهي في المعارضة، فالتواصل معها يكون سلسا إذا وصلت إلى السلطة. لم تعد معادلة الثنائيات قائمة في أمريكا اللاتينية، أي إن التعامل يكون إما مع نظام ثوري يساري أو نظام يميني متطرف يقوده العسكر. لقد تراجعت الإيديولوجية والشعبوية أمام البرغماتية، لذلك لا يجب أن تكون المراهنة على لون سياسي معين. ومن المهم جدا أن يشارك المغرب في حفل تنصيب الرئيس البنمي بغض النظر عن مواقف بنما تجاه قضية الصحراء المغربية. من جهة أخرى، وفي هذه المرحلة بالذات يجب المراهنة، أيضا، على أبعاد أخرى في العلاقات، فإضافة إلى البعد السياسي، لا بد من الاعتماد على التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي لأن المغرب هو بوابة دول أمريكا اللاتينية للعالم العربي وللقارة الإفريقية بعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي. أيضا الدبلوماسية الثقافية مهمة جدا، ويجب وضع آليات للتعاون بين المؤسسات الجامعية والثقافية المغربية مع نظيراتها في أمريكا اللاتينية. الدراسات الإسبانية والإيبيروأمريكية، هي الأكثر تطورا في المغرب مقارنة بباقي الدول العربية، وهذا المعطى يجب توظيفه كذلك.