ماذا يجب على كتاب الرواية السياسية أن يفعلوه كي يصبحوا أكثر إثارة للاهتمام؟ هذا الفن ليس سهلا، فهو يحمل رسالته في ذاته. رسالة ممتعة بقدر ما هي خطرة. في هذه السلسلة، يحاول الكاتب أن يؤسس لتصور حول مشروع للطريقة التي ينبغي أن تكون عليها الرواية السياسية. قال الكنبوري إنه تفاجأ من الخصاص الكامن في الكتابات التي تناولت المذبحة، وهاله هذا الاهتمام الكبير بتاريخ الحركة الوطنية في المدن، في مقابل إهمال كل ما يتعلق بتلك الحوادث التاريخية التي شهدتها القرى والبوادي المغربية، مما جعله يبادر لسد هذا النقص عبر التخييل الروائي. وقد اعتمد من حيث التوثيق التاريخي على مذكرات الحاج معنينو، والكتابات الصحافية لمحمد بلحسن الوزاني، ومذكرات عبد الهادي بوطالب الذي كان شوريا قبل أن يلتحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والجلسات المعقودة مع المؤرخ عبد الكريم الفيلالي. إلا أن الأساس يبقى هو تلك المعرفة المخزونة في “صدور الرجال” وذاكرتهم وهم يحكونها للأجيال الصاعدة، مما يسعى لتغييبه التاريخ الرسمي وطمسه. من جهته، قدم محمد معروف الدفالي قراءة حاولت اختبار المعطيات التاريخية التي حبلت بها الرواية، وقد أقر بأن الأدب أقدر على الاضطلاع بالحقيقة التاريخية في الوقت الذي يعجز المؤرخ عن فعل ذلك بشكل مباشر. وحاول المتدخل أن يؤطر أحداث الرواية تاريخيا من خلال سرده لمحطات أساسية في تاريخ الحركة الوطنية، مثل 1930، التي شكلت بزوغ الحركة الوطنية على خلفية الظهير البربري، ثم 1934، تاريخ تأسيس كتلة العمل الوطني، و1937، لحظة الخلاف بين زعماء الوطنية، والتي أدت إلى إنشاء الحزب الوطني بقيادة علال الفاسي، والحركة القومية بزعامة محمد بلحسن الوزاني، قبل أن يصبح كل تنظيم حزبي يحمل اسم “حزب الاستقلال” و”حزب الشورى والاستقلال”. إن الروائيين الذين يكتبون الرواية السياسية لا تعوزهم الجرأة للتعبير عن أفكارهم وتوجهاتهم السياسية دون أن ننسى قدرتهم على مواجهة السلطة، وتعرضهم للمتابعة مع وجود الكثير من الكتاب الذين تمردوا على القواعد، ولم يداخلهم الخوف للحظة واحدة إلى درجة وضعوا معها حياتهم موضع الخطر، فناضلوا من أجل إيصال أفكارهم السياسية وتمردوا على الأنظمة القاسية التي يعيشون في كنفها. وهناك من يعتبر التمرد مرادفا للعصيان والثورة، ويعد المفكر الفرنسي ألبير كامو أفضل من حلل ظاهرة التمرد في كتابه الموسوم “الإنسان المتمرد” ” l'homme rebelle “، وعمل على تتبع الأبعاد النفسية والاجتماعية والتاريخية لهذه الظاهرة. ويعتبر كامو بأن التمرد هو نوع من الرفض أو قول لا، هذا الرفض أو التمرد النابع من الإحساس بعبثية الحياة، والتمرد ليس قيمة نفسية سلبية، بل هو قيمة إيجابية تستهدف إعادة بناء قيم أساسية جديدة، فهو صراخ في وجه الظالمين يريد بالحاج أن تتوقف المهزلة، وأن يتم إرجاع الأمور إلى نصابها، وإحلال النظام محل الفوضى. ونقرأ في رواية “الأوبة” للكاتبة السعودية وردة عبد الملك على لسان البطلة سارة، بأن الوطن يغدو سجنا يقيد حريتها، لذلك تحاول أن تتسرب من بين قضبانه كي تسافر إلى “لندن” حيث تمارس حريتها عمليا، ويدور بين سارة ومشاري حوار بحديقة يستحوذ جمالها عليها فتتمنى أن تكون نبتة من نباتاتها: “ليت الله خلقني عشبة أو ورقة خضراء في هذه الحديقة”. قال مشاري وأصابعه تقرص خاصرتي: ا ا اه تفضلين أن تكوني نبتة إنجليزية على أن تكوني امرأة سعودية؟ بل أفضل الجمادات على أن أكون مطوّعة تمددنا تحت ظلال الزيزفون…. خذني في أعطافك وخبئني من ربهم وجنتهم، ومن رجالهم ونسائهم، ومن جحيمهم وهلاوسهم” فالكاتبة السعودية تريد أن تتمرد على وطنها في ظل الإحساس بالاضطهاد ودونية المرأة، وتفكر في الهجرة بعيدا عنه إلى وطن أمن يحترم المرأة ويعترف بمكانتها. فكاتبات من هذا النوع حطموا قيد الخوف، وجعلوه دافعا للكتابة والتمرد والنضال من أجل فضح السياسات المريضة والهمجية.