تلقى رؤساء المقاطعات الأربع في طنجة، ضربة “موجعة” من وزارة الداخلية التي تولت إعداد ميزانية جماعة طنجة وملحقاتها الترابية، على مقاس المذكرة التوجيهية المتعلقة بتأطير إعداد المجالس المنتخبة لميزانيتها العامة برسم سنة 2019، والتي كان أصدرها وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، شهر شتنبر الماضي، وهمت بالأساس اعتماد تبويب جديد عموده الفقري هو تحويل الاعتمادات المالية المخصصة للمقاطعات واعتبارها انتقالية، حتى لا يتسنى لها حق التصرف فيها. وتوصل عمدة مدينة طنجة البشير العبدلاوي، من والي جهة طنجةتطوانالحسيمة، محمد امهيدية، يوم الاثنين الماضي، بالصيغة الأخيرة لميزانية جماعة طنجة برسم السنة الحالية، والتي ظلت “معتقلة” لدى مصالح المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، طيلة خمسة أشهر الماضية، منذ أن أخفق مجلس جماعة طنجة شهر دجنبر الماضي، في تمرير مشروع الميزانية خلال دورة استثنائية، كانت توقفت بسبب أعمال شغب وفوضى غير مسبوقة، قادها مستشاران من المعارضة بمعية أشخاص مأجورين، اندسوا وسط المحتجين المقصيين من أسواق القرب. وقبل ذلك، كان الوالي السابق محمد اليعقوبي، رفض التأشير على الميزانية العامة كما صادق عليها أعضاء الجماعة بالأغلبية العددية، خلال دورة أكتوبر، وطالب المجلس الجماعي بإعادة برمجة جديدة تنسجم مع ملاحظات السلطة الوصية، لكن فريق العدالة والتنمية تمسك ب “استقلالية” رأيه في التدبير المالي للمؤسسة المنتخبة، وهو ما أدى في الأخير لسحب صلاحياته في إعداد الميزانية، ونقلها للمصالح المركزية لوزارة الداخلية. وتضمن التبويب الجديد للميزانية العام لطنجة، حسب تعديلات وزارة الداخلية، “مفاجآت” من العيار الثقيل، تمثلت في إلزام مجالس المقاطعات الأربع وهي بني مكادة، السواني، طنجةالمدينة، الشرف امغوغة، صرف 54 في المائة من المخصص الإجمالي لحصصها من المنحة المالية السنوية التي تحولها الجماعة إليها، في اتجاه تحمل أداء مستحقات شركة «أمانديس» للتدبير المفوض، عن نفقات استهلاك الكهرباء والماء والإنارة العمومية، وأيضا نفقات سقي وصيانة المناطق الخضراء الممتدة على مساحات شاسعة بمدن الشمال. كما تم حذف جميع فصول التجهيز التي يتطلب صرفها إبرام صفقات عمومية، وسندات الطلب، والتي كانت المقاطعات تلبي من خلالها مشاريع القرب لفائدة الساكنة، من قبيل إصلاح الأحياء، تبليط الأزقة، صيانة الطرق، تهيئة الأرصفة والحدائق العمومية، والتي كانت تخصص لها المجالس المنتخبة المشار إليها، أكثر من 40 في المائة من ميزانيتها الإجمالية، حيث تم تحويل تلك الاعتمادات إلى مجلس المدينة بدعوى التضامن مع الجماعة في ضائقتها المالية، والتي نتجت عن حجوزات مالية متكررة، تجاوزت في ظرف ثلاث سنوات 52 مليون سنتيم. وتفاجأ رؤساء مقاطعات السواني، المدينة، بني مكادة، امغوغة، ببرمجة لمصالح المركزية لوزارة الداخلية من خلال التبويب الجديد المعدل للميزانية العامة لطنجة، صفر درهم في فصل التجهيز والبرامج الملحقة به، والفصل المتعلق بالخدمات الاجتماعية ودعم الجمعيات، وهو ما سيحرم المقاطعات الترابية من حق تفعيل أحد اختصاصاتها وصلاحياتها المحددة في المراسيم التطبيقية الصادرة في يونيو سنة 2016، والتي حددت شروط وكيفية تحويل الاعتمادات المتعلقة بالتسيير والتجهيز. ويلاحظ أن دورية وزير الداخلية أوقفت سريان تلك المراسيم التطبيقية الصادرة في يونيو سنة 2016، كما أنها “قفزت” على منطوق القانون المنظم للجماعات الترابية، وبالضبط في المادة 195 التي تنص على أنه في حال رفض عامل الإقليم أو والي الجهة، مشروع ميزانية الجماعة الترابية، يمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، أن تضع ميزانية عامة للجماعة على أساس آخر ميزانية مؤشر عليها، وهي المتعلقة برسم السنة الماضية، حيث يتضح من خلال الوثيقة المالية المعدلة إجراء تغييرات جذرية. فعلى سبيل المثال، كانت تتوصل مقاطعة بني مكادة باعتبارها أكبر وحدة ترابية في عاصمة البوغاز، من حيث المساحة والكثافة السكانية، بمليارين ومليون سنتيم خلال السنوات الثلاث الماضية، من حصتها من تحويلات نسبة 10 في المائة من إجمالي ميزانية الجماعة، إلا أنها هذه السنة وبعد التعديلات المدرجة في فصول الميزانية التي أعدتها مصالح وزارة الداخلية، ستصبح ملزمة بإعادة مليار و200 مليون سنتيم إلى صندوق الجماعة، وستكتفي فقط بالتصرف في النفقات الإجبارية للتسيير. وبهذه التعديلات الجوهرية في فصول الميزانية، تكون وزارة الداخلية قد كتفت أيدي رؤساء مجالس المقاطعات الأربعة التي يقودها حزب العدالة والتنمية بأغلبية مريحة، وجعلت من مناصبهم مجرد “ديكور” يؤثث مكاتب المجالس المنتخبة، ويشل هذه المؤسسات عن القيام بأدوارها الإدارية، تمهيدا لرسم معالم خريطة انتخابية مفصلة على مقاس مهندسي أم الوزارات، وكل هذه التدابير تؤدي في النهاية بحسب مراقبين للشأن العام المحلي والوطني، إلى تجريد المؤسسات المنتخبة من صلاحيات التدبير الحر لمجالها الترابي، ويعزز تدخل السلطة الوصية.