بعد أن طلبت الحكومة الإسبانية، يوم 19 فبراير الماضي، من الاتحاد الأوروبي التدخل لحماية المحطات الحرارية الإسبانية المولدة للطاقة الكهربائية عبر الفحم الحجري (الكاربون) من المنافسة غير المتوازنة لنظيراتها المغربية، بعد أن تحول المغرب في شهر دجنبر الماضي من مستورد منذ عقود للطاقة الكهربائية من إسبانيا إلى مصدرها لها وبشكل غير مسبوق، بعد افتتاح المحطة الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية بأسفي؛ جاء رد بروكسيل مخيبا لآمال لوبيات الطاقة الأحفورية الإسبانية، بالتأكيد على أن القوانين الأوروبية لا تنطبق على المغرب، لأنه ليس عضوا في الاتحاد الأوروبي، ولا تربطهما أي اتفاقية ثنائية بهذا الخصوص، كما رفضت بروكسيل أي إجراء أحادي إسباني بهذا الخصوص، مشيرة إلى أن كل الخطوات المقبلة يجب أن تتم من داخل المفوضية والبرلمان الأوروبيين لمواجهة هذه القضية “الحساسة والمهمة”. ويوضح رد بروكسيل، يوم الاثنين الماضي، على مدريد، والذي تتوفر “أخبار اليوم” على نسخة منه، أنه في دجنبر الماضي، تكسرت القاعدة المعمول بها بين الرباطومدريد منذ زمن في مجال الطاقة الكهربائية ، إذ أنه بعدما كانت إسبانيا تصدر إلى المغرب جزءا كبيرا من حاجياته من الطاقة الكهربائية الأحفورية عبر خطين للربط الكهربائي يشقان مضيق جبل طارق، أصبح المغرب هو الذي يزود إسبانيا بكل حاجياتها من هذا النوع من الطاقة الكهربائية بعد بدء عمل محطة كبيرة للوقود الأحفوري من الجيل الأخير بأسفي. علما أن إسبانيا لجأت إلى استيراد كل حاجياتها من هذا النوع من الطاقة من المغرب بعد إغلاق كل محطاتها الحرارية، بسبب عدم قدرتها على منافسة نظيراتها المغربية “الرخيصة والمتلوثة”، والتي لا تخضع لأي ضريبة على انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون. “شكرا على رسالتك المؤرخة ب19 فبراير 2019. المفوضية الأوروبية على علم بأن إسبانيا بدأت مؤخرا في استيراد الكهرباء من المغرب، ما يُفترض أنه تغيُر في التوجه السائد من قبل، عندما كانت إسبانيا هي المصدر الوحيد للطاقة الكهربائية للمغرب. الاتحاد الأوروبي ملتزم باتفاق باريس وبمحاربة التغيرات المناخية، وملتزم كذلك بالانتقال إلى الطاقة النظيفة. لهذا فرسالتكم تطرح قضية حساسة ومهمة: حماية التنافسية والبيئة في السوق الدولية للكهرباء”، يوضح المفوض الأوربي لشؤون الطاقة والبيئة، ميغيل آرياس كانييتي، في رده على الحكومة الإسبانية. لكن “نظام تجارة حقوق الانبعاث للاتحاد الأوروبي لا يمكن تطبيقه على دول ليست عضوا في الاتحاد الأوربي إلا في حالة وجود اتفاق معها بهذا الخصوص”، تشرح رسالة المفوض الأوروبي. وذهب الاتحاد أبعد من ذلك بالتأكيد على أن “تطبيق الضرائب على الكربون في الحدود يتطلب قرارا يحظى بإجماع كل أعضاء الاتحاد الأوروبي. والإجراء نفسه ينطبق كذلك على أي مراجعة محتملة للنظام الضريبي للطاقة”، هكذا لا يمكن للحكومة الإسبانية المضغوط عليها من قبل لوبيات الطاقة الإسبانية، فرض ضرائب على الطاقة الكهربائية الأحفورية المستوردة من المغرب. وخلصت الرسالة إلى أن الاتحاد الأوروبي “يتقاسم مع المغرب هدفا مشتركا من أجل انتقال طاقي نظيف وعادل، وأن تطوير الطاقات المتجددة يحتل مكانة مهمة في الشراكة المغربية الأوروبية”، وتابع أنه “بفضل التمويل المادي الأوروبي يستثمر المغرب في الطاقة الشمسية والريحية”، مبرزا أن “المغرب يتوقع تخفيضًا كبيرًا في انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2030 وحصة من الطاقة المولدة لتوليد الكهرباء من مصادر متجددة لا تقل عن 52٪”، يقول المفوض الأوروبي في رسالته. في المقابل، اكتفت الحكومة الإسبانية في ردها على المفوض الأوروبي بالإشارة إلى أنها ستدرس محتوى الدراسة الأوروبية بخصوص الطاقة الكهربائية المستوردة من المغرب، من أجل معرفة هامش المناورة لاتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة هذه القضية، لكن من المرجح أن تستمر الأمور على ما هي عليه الآن حتى تتضح النتائج النهائية للانتخابات الأوروبية المنظمة يوم 26 ماي الجاري. من جهته، أوضح قطاع الطاقة الإسباني أن تأثير واردات الكهرباء من المغرب على أرض الواقع تبقى محدودة، لأن حجم الكهرباء منخفض، لكن الشركات الإسبانية تسعى في الوقت الراهن إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل إيجاد صيغة لجعل المغرب يساهم أيضا في نظام حقوق انبعاثات أكسيد الكربون، أو على الأقل فرض ضرائب خاصة على الكهرباء المستورد من المغرب لتخفيف البون الشاسع في تكلفته في المغرب وإسبانيا. إذ يرى ميغيل ديبيوس، مدير عملية الشبكة الكهربائية بإسبانيا، أن “الظروف ليست متساوية بين محطات توليد الطاقة الأحفورية الإسبانية والمغربية”، مضيفا: “لا يمكن أن تستمر وضعية التنافسية غير المتوازنة هذه. يجب اتخاذ إجراءات لتصحيح عدم التوازن بين من يدفعون الضرائب على انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون ومن لا يدفعونها”. ووفقا لتحقيق سبق أن نشرته “أخبار اليوم”، كلفت المحطة الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية، الموجودة بمدينة آسفي، استثمارا ناهز 2.6 مليار دولار، وتم الانطلاق في إنشائها سنة 2014، بعد توقيع عقود الاستثمار مشتركة ضمت تكتل شركات متعددة الجنسيات وهي: شركة "أنترناشيونال باور" من بريطانيا، وشركة "ناريفا هولدينغ" التابعة للهولدينغ الملكي المغربي، و"أو دي إف أنترناشيونال" من فرنسا، ثم "تشاينا دتانغ كوربورايشن" الصينية، وضمِن تسيير المشروع للمجموعات المذكورة تحت غطاء ما يُسمى "سافييك". ويتخوف خبراء ومهندسون سبق وأسروا ل"أخبار اليوم" في تحقيق أعدته الجريدة من كارثة بيئية محدقة بفعل العمل بالفحم الحجري، وعدم الالتزام بمعايير "إكولوجيك توكسي"، فيما يتعلق بمادة "الأمونياك" وشروط نقل الفحم الحجري. وبات سكان مدينة آسفي يُعانون من تطاير غبار مادة الفحم الحجري، وانقلاب الشاحنات والتسبب في حوادث سير، جراء عدم الالتزام بدفاتر التحملات والقيود الدولية المتعلقة بالسلامة البيئية في نقل الفحم الحجري…