بعد الخرجة الإعلامية الأخيرة لأبي بكر البغدادي، زعيم التنظيم الإرهابي داعش، ودعوته أنصاره لتنفيذ اعتداءات إرهابية حيثما يتواجدون؛ حذرت الاستخبارات الأوروبية والإسبانية وخبراء في قضايا الأمن والإرهاب، من خطر فئة من الجهاديين الإسبان والمغاربة “الأموات الأحياء”، وهم مجموعة من الجهاديين الذين تم نعيهم من قبل الجماعات الإرهابية أو ظهروا قتلى في صور، إلا أنهم في الواقع أحياء، إذ استخدموا هذه الحيلة لمراوغة الأجهزة الأمنية والاستخبارتية للتوقف عن تعقب أثرهم ومراقبة المقربين منهم. هذا ما كشفه تحقيق استثنائي لصحيفة “إلموندو” الإسبانية. علما أن التحقيق أشار فقط إلى المغاربة والإسبان الذين سافروا إلى سوريا والعراق ممن كانوا يقيمون بالجارة الشمالية. وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة حول 900 جهادي مغربي وزوجاتهم وأبنائهم من أصل 1664 التحقوا بصفوف الجماعات الجهادية في بؤر التوتر منذ سنة 2011. التحقيق قدم لأول مرة معطيات جديدة عن جهادييْن شقيقين مغربيين، ولدا بمدينة تطوان ويحملان الجنسية الإسبانية، ينتميان إلى المجموعة الخطيرة المسماة الجهاديين “الأموات الأحياء”، وهما محمد ومروان غوريط. وتابع التحقيق أنه في شتنبر 2018 حصلت الأجهزة الأمنية على معلومات تفيد أن محمد ومروان قتلا في إحدى معارك إدلب. كما أن الشقيق الأصغر، عصام، أكد قبل أسبوع من تطوان ل”إلموندو” أن شقيقيْه قتلا فعلا، دون أن يقدم تفاصيل إضافية. رغم ذلك، فإن المحققين الإسبان لا يشكون فقط في مقتلهما، بل لا يصدقون ادعاء مقتلهما. “نحن متيقنون أنهما على قيد الحياة”، توضح مصادر أمنية، مضيفة: “على الأقل محمد هو واحد من الجهاديين الذين ادعوا مقتلهم ربما لإيقاف البحث واستعدادا للعودة إلى أوروبا لتنفيذ اعتداءات”. وأبرزت المصادر ذاتها أن محمد غورِّيط وصل إلى إسبانيا في سن المراهقة وكان يعمل كصباغ في مدينة مورسيا، قبل أن يقرر شد الرحال إلى سوريا سنة 2015. وأردفت أنه قبل السفر إلى سوريا، زار والدته بتطوان، حيث أسر لها بأنه مسافر للقتال في صفوف التنظيم الإرهابي داعش. هناك التقى بشقيقه مروان الذي سبقه بشهور إلى سوريا. شيما جيل غاري، المحلل والمدير المشترك لمرصد الأمن الدولي (International Security Observatory)، الذي سبق أن تحاور مع الشقيقين محمد ومروان و مع العديد من الجهاديين الأجانب والمغاربة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي بهوية مزيفة لسبر أغوارهم، حذر قائلا: “إذا ظهرا غدا وهما يطلقان الرصاص فلا يجب أن نستغرب ذلك. إذا قصا لحاهما وعادا، سيمران دون أن يثيرا الانتباه. كان يقول لي محمد إنه يريد استرجاع الأندلس، وإنه في سوريا يعيش كملك”. وعلى غرار الشقيقين محمد ومروان، تمكن الباحث شيما جيل غاري من التواصل مع الجهادي المغربي السبتاوي الحامل للجنسية الإسبانية، الملقب ب”أبو ضياء”، والذي كان يعيش حينها في سوريا ولا يعرف مصيره اليوم. ووفق المصادر الأمنية، تم إعلان مقتل “أبو ضياء” في أواخر 2017 في انفجار بمدينة الرقة، قبل أن “يبعث” سنة 2018. وعنه تقول مصادر استخبارتية: “هذا ما تمت محاولة الترويج له في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان يُقَدَمُ كشهيد. لكن من بعد خرج في فيديو يوثق لإعدامات في مراكز التدريب”. التحق أبو ضياء بصفوف داعش بسوريا سنة 2017، واشتهر في مواقع التواصل الاجتماعي بتهديده شخصيات بعينها في إسبانيا بالقتل، كما كان ينتشي بنشر فيديوهات ضحاياه. ويعتبر لدى المحللون والمراقبون واحدا من أبرز “المجنِدين، علاوة على أنه خاض معارك كثيرة”. وتبين المصادر ذاتها أن “أبو ضياء” التقى في الرقة بجهادي يسمى محمد طارق تقيم أسرته في أندلسيا (الجنوب الإسباني). إذ وصلت من سوريا أخبار تفيد أن محمد طارق قتل، لكن الأمن الإسباني لديه رأي آخر: “لا يوجد معطى يؤكد أنه قتل، بل على العكس”، يعتقد الأمن. بالإضافة إلى جهادي آخر يلقب ب”جهاد الأندلسي” كان قد نعي سنة 2017 قبل أن يظهر بعد شهور. ومن بين الجهاديين مجهولي المصير، هناك أبناء الأب المغربي عبد الله أحرام، المعتقل في سجن طنجة، والأم الإسبانية توماسا بريز، التي انتقلت في أواخر سنة 2014 إلى الدارالبيضاء رفقة أبنائها الستة قبل أن تسافر إلى سوريا. وعنه تقول مصادر أمنية: “كانت الأم دوما الأكثر تطرفا في الأسرة. لا نعرف أين يتواجدون الآن، لكن نعتقد أن الابنين البكرين، ياسين وموسى، يعيشان منفصلين عن باقي أفراد الأسرة”. واحد من أبناء الجهاديين المعروفين الذين عادوا إلى الحياة بعد نعيهم هو ياسين أحرام بيريز، الملقب بالقرطبي، حيث خرج عقب الاعتداء الإرهابي الذي نفذه جهاديون مغاربة ببرشلونة في غشت 2017، مهددا إسبانيا، علما أن الجميع كان يعتقد أنه قتل. عنصر استخباراتي في بؤر التوتر لمراقبة هؤلاء الجهاديين، أشار قائلا: “يستخدمون تقنية التخفي؛ إنهم إرهابيون يدعون الموت، وفيما بعد ينبعثون. البعض يسعون إلى دفعنا للاعتقاد أنهم قتلوا في جبهات القتال من أجل العودة بكل سهولة إلى أوروبا بوثائق أخرى والتمكن من تنفيذ اعتداءات. البعض الآخر، من النادمين، يقومون، بذلك، للهروب من الجهاد وبدء حياة جديدة”. وعن الخرجة الأخيرة للبغدادي والتي جاءت بعد اعتداء داعش الإرهابي في سيرلانكا، يشرح شيما جيل غاري قائلا: “يظهر في اللحظة المناسبة ليقول: نحن هنا وسنستمر في الضرب عبر اعتداءات متعددة ومتزامنة بحثا عن الفوضى”، مضيفا أن ”الإرهاب لديه آلية الخاصة، وأن التهديد قائم ودائم وبأنهم سيستمرون في الاعتداءات. إذ لديهم جماعات داعشية في مالي ونجيريا والصحراء والصومال والفلبين، بما في ذلك أوروبا. أصبحنا نتحدث عن إرهاب تم تدويله. إرهاب يستعمل مواقع التواصل الاجتماعي للدعاية، لأن هدف داعش هو العالم برمته”. يشار إلى أن حوالي 234 جهاديا خرجوا من إسبانيا إلى مناطق النزاع، 80 في المائة منهم مغاربيون، وأغلب هؤلاء المغاربيين من أصول مغربية، وفق تقارير إعلامية إسبانيا. وترجح الاستخبارات الإسبانية أن 57 منهم فقط قتلوا، و44 عادوا إلى إسبانيا، والبعض إلى المغرب، فيما يجهل مصير أكثر من 100 جهادي.