صدام درويش – صاحب سلسلة ترويض الرأي العام لمن لا يعرف صدام درويش من قراء «أخبار اليوم»، كيف تعرف نفسك لهم؟ شاب كأي شاب، اختار أن ينشر جنونه على مواقع التواصل الاجتماعي، هناك من يسميني إعلاميا، وهناك من يراني شاعرا، وهناك من يراني مناضلا، وأنا لا أعتبر نفسي واحدا من هؤلاء، بل أنا شخص يتقن أشياء محددة، أو يمارس هوايات، إن شئنا القول، واختار أن يشاركها، فقط لا غير. حدثنا عن فكرة سلسلة ترويض الرأي العام التي أثارت ضجة هنا في المغرب؟ الفكرة جاءت بشكل تلقائي جدا قبل مهرجان موازين بمدة طويلة. لم تكن الفكرة مرتبطة حصرا بالمهرجان، بقدر ما كانت مستقلة في حد ذاتها. كنت، منذ فترة طويلة، أريد التحدث عن موضوع العلاقات العامة والرأي العام والبروبغندا، وإثارة هذا الموضوع في الإعلام. كنت أعلم أنني إن تحدثت عن الموضوع بطريقة كلاسيكية نظرية، سيبقى الموضوع غامضا نوعا ما ونظريا فحسب. فلو جرى الحديث عن البروبغندا عبر التاريخ بمفهومها الثقيل، ستبقى الفكرة مجرد كلام.. لكن حينما تترجم هذه الفكرة على أرض الواقع، وبطريقة لا تترك مجالا للشك، تصبح أكثر وضوحا. ما قمت به هو أنني في السلسلة قدمت الفكرة بشكل نظري في البداية، ومررت إلى الجانب التطبيقي. الغرض هو أن أعالج الموضوع بطريقة مختلفة، وأقدمه بطريقة ممتعة ومشوقة، لا أعتقد أنه بعد هذه السلسلة، سينسى من تابعوها موضوعا اسمه ترويض الرأي العام. اتخذت مجموعة من الفنانين عينة لأجراء التجربة. ما هي الخلاصة التي خرجت بها؟ الخلاصة التي كنت أريد الخروج بها كانت في ذهني، لكني كنت أريد أن أثبتها للشخص غير المتخصص في المجال، والشخص العادي الذي لا يفقه شيئا في الإعلام، لأن هناك العديد ممن يعتقدون أن الإعلام هو التلفاز والإشهار وبعض القنوات وغيرها. وبالتالي، كان الغرض إعطاء نبذة بسيطة عن الوجه الآخر غير المعروف للإعلام لدى الكثيرين، كما كان الغرض أيضا إظهار أن أي فنان أو أي شخص معروف يستطيع أن يتاجر بمتابعيه وبجمهوره. وبقدر ما يفتقر هذا أسلوب إلى الأخلاقيات، فإنه يبقى احترافيا أيضا. هل كان هناك فنانون آخرون ممن سقطوا في فخ السلسلة ولم تنشر شرائطهم؟ نعم، هناك العديد من الأسماء التي لم أنشر فيديوهاتها لأن الفكرة وصلت، وغرضي في نهاية المطاف ليس هو «البهرجة»، بل توصيل الفكرة نظريا وتطبيقيا، وحينما أدركت أنها وصلت توقفت عن النشر. اتهمت من لدن بعض الفنانين الذين وقعوا في فخ السلسلة بممارسة الاستفزاز والابتزاز. ما ردك؟ بخصوص الاستفزاز، صحيح أنا شخص مستفز بطبعي لأنني ساخر، وأي شخص ساخر فهو مستفز، أما بخصوص الابتزاز، فهذا مبرر غير منطقي لكوني مجهول الهوية، ولن أربح شيئا من ذلك، وحتى إن فعلت ذلك، فكيف سيدفعون لي مثلا وأنا مجهول؟ لو استشارني بعضهم، لنصحتهم بأن ينكروا بالأساس أنني اتصلت بهم، وأن ينفوا معرفتهم بي، ويغلقوا الملف. كيف تنظر إلى ردود فعل عدد من الفنانين الذين سقطوا في فخك، والتي كانت، حسب وصف العديد ممن تابعوا السلسلة، غير مهنية وغير مدروسة؟ في الدول الغربية، الفنانون لهم مستشارون إعلاميون، ويملكون شركة تضم موظفين يشتغلون في هذا السياق، عكس ما يحدث معنا نحن في بلداننا، ولو أن بعض الفنانين لديهم مستشار إعلامي واحد، كان سيفيدهم في الكثير من الأمور، لأنه سيكون في هذه الحالة أكثر دراية بالشأن الإعلامي، وقد كان سيفيدهم ويجنبهم السقوط في المقلب. لماذا المجال الفني بالضبط؟ هل لأنه يعد قوة ناعمة أكثر نفاذا إلى مشاعر الناس؟ تماما، هذه هي الفكرة بالضبط، هو قوة ناعمة وأسهلها على الإطلاق، أما لماذا الفنانون؟ فلأنهم أسهل صنف من هذه القوى الناعمة، وأكثر انتشارا في شرايين الشعوب. وأحيانا العديد من الفنانين يدلون بدلوهم حول بعض القضايا لأنهم يملكون سلطة الشهرة للتأثير على الرأي العام، وأحيانا يلعبون دور المثقفين حتى وإن كانوا ليسوا كذلك، لهذا، كان لا بد من وضع الجمهور في السياق. قد تمارس البروبغندا من لدن الفنانين أيضا في الدول المتقدمة، فهل هناك فرق أو اختلاف بين الدعاية في الدول المتقدمة وتلك التي تمارس في الدول المتخلفة؟ طبعا هنالك فرق، وهذا طبيعي جدا، وسأتحدث هنا عن البلد الذي أعرفه وأعيش فيه، الولاياتالمتحدةالأمريكية، فالبروبغندا مجال يدرس هنا في القطاع الإعلامي تحت مسمى العلاقات العامة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا المفهوم هو الوجه «المُزين» لمفهوم البروبغندا الذي ارتبط، على مدار التاريخ، بالنازية، مثلا، وبمفاهيم سلبية. وعلى سبيل المثال، أذكر نموذجا للدعاية هنا في أمريكا خلال الأشهر الماضية، إذ عمدت إحدى أكبر شركات الملابس والأحذية الرياضية في العالم إلى توظيف أحد لاعبي كرة القدم الأمريكية، والذي كان يعارض في وقت ما سياسة معينة، حتى إنه وفي إحدى المباريات، وغداة عزف النشيد الوطني، لم يقف احتراما للعلم، بل ظل جالسا على غير العادة. استغلت الشركة هذا الموقف، واستقطبت اللاعب للقيام بدعاية على شكل صورة مكتوب عليها: «آمن بشيء حتى ولو كان ذلك يعني التضحية بكل شيء». ما وقع هو أن الكثيرين استفزتهم الدعاية، وطالبوا بمقاطعة منتجات الشركة، واعتقدوا أنها ستخسر الملايين، لكن ما حصل هو أنها ربحت الملايير، وزادت أرباحها بين 30 و40 في المائة. ما رأيك في استقطاب فنانين عالميين مقابل أموال طائلة من أجل القيام بدعاية معينة أو ترويج قضية ما؟ هل يدخل ذلك في نطاق ترويض الرأي العام؟ ما يحصل في هذه النقطة هو أنه يجري إيلاء أهمية كبيرة للأشخاص أكثر من الأفكار، ففي العديد من الدول، يجري اعتماد قصص قصيرة من أجل ترويج فكرة معينة بطريقة ذكية وعميقة، وتلقى إقبالا واسعا أكثر مما تلقاه الدعايات التي تعتمد على المشاهير في بعض الأحيان، وتقوم الشركة التي روجت الفكرة بوضع توقيعها على الفيديو في النهاية، لكن، ولأن الفكرة قُدمت بطريقة ذكية، فالمشاهد ينسى هذه المسألة، ويستمتع بالقصة فقط. فمثل هذه الشركات هي التي تدرك جيدا طريقة الاستثمار في هذا المجال. هل هناك بروبغندا إيجابية؟ طبعا، وأتذكر هنا أنني في طفولتي كانت كلمة البروبغندا تعني لي شيئا سلبيا، وكنت دوما أسمعها في سياق مذموم، إلى أن درستها واكتشفت أنها آلية للدعاية ببساطة، وتستخدم في ذلك تقنيات كثيرة. وفي المغرب، الدعاية المعروفة التي توظف تتجلى في استقطاب فنان معين يؤدي أغنية معينة حول منتَج معين، وهذه أسهل طريقة وأكثرها تداولا في المغرب، والعديد من الشركات تنحو هذا المنحى، عوض ابتكار طرق أخرى أكثر تعقيدا وأهمية، وأنا أفسر ذلك باحتقار ذكاء الجمهور. تتسم العديد من الفيديوهات التي تنشرها بلغة نقدية توصف بالشرسة، لماذا هذه اللهجة التي يرى البعض أنها تعبر عن حقد تكنه لبلدك؟ لا أحب أن أضع نفسي في خانة الدفاع، ومن أراد وصف ذلك بالحقد فله ذلك، والفيديوهات التي أشاركها هي نوع من التعبير عن فكرة معينة للمتلقي، وهناك العديد من الشعراء ممن يكتبون قصائدهم بلهجة ثقيلة نوعا ما لا يفهمها سوى النخبة، في حين أنه حينما يجري تبسيط المقاطع الشعرية وإرفاقها بالموسيقى لتصبح شبيهة بأغنية، فإن المتلقي يستمع إليها مرات ومرات. ذكرت مسألة الشعر الذي تعتمده كثيرا في فيديوهاتك لمعالجة قضايا اجتماعية وسياسية، إلى أي حد يمكن أن يسهم هذا الأمر في تنوير الرأي العام في نظرك؟ أطن أنها من ركائز تنوير الرأي العام، وأي فن، كيفما كان نوعه، سواء كان موسيقى أم شعرا أم فنا تشكيليا… فهو رسالة في حد ذاته، وأي شخص، كيفما كان، إذا قدمت له كلمة موزونة تلامس قضاياه اليومية، فهي تصل إلى قلبه مباشرة. أنا لا أكتب شعرا بقواعد البحور وببعد أدبي، بل هدفي هو توصيل رسالة، وهذا هو الأهم. من أبرز الشعراء الذين يلهمونك في هذا الجانب؟ أحمد مطر، أبرز الشعراء الذين تأثرت بشعرهم وحتى بطريقة كتابتهم، بالإضافة إلى نزار قباني، ومحمود درويش، ومحمد الماغوط، وأحمد بخيت، وأمل دنقل، وغيرهم من الشعراء القدامى، كالمتنبي. كيف تتابع، من خارج المغرب، التغيرات التي تشهدها الساحة الإعلامية على الخصوص؟ مع الأسف، الإعلام المغربي يقتات على العديد من المشاكل التي تعصف بالمجتمع، بل ويتاجر بالعديد منها، بطريقة تستحيل معها بعض القضايا إلى مواضيع مبتذلة، وعوض مناقشتها بشكل عقلاني وعميق، يجري التركيز على «البوز» فقط وبهدف ربحي لا أكثر. هل من المنتظر أن تكشف هويتك في الأيام المقبلة لمتابعيك؟ لا أعتقد ذلك. لماذا؟ أنا لست مخفي الهوية بقدر ما اخترت ألا أظهرها، أنا لا أحب الشهرة بكل بساطة، وما يهمني هو الأفكار، وهذا ما أشتغل عليه..