مرّة أخرى يثير تفويت عقار جماعي جدلا سياسيا وحقوقيا حادا بمراكش، فما إن أعلن المجلس الجماعي، الجمعة الماضي، عن تفويت سوق الجملة السابق للخضر والفواكه بباب دكالة، حتى تفجر خلاف داخل الأغلبية المسيرة للمجلس، فقد وجّه عبد الواحد الشفاقي، عضو المجلس ونائب رئيس مقاطعة “المنارة”، من حزب التجمع الوطني للأحرار المشارك في التحالف المشكل للأغلبية، ثلاثة أيام بعد ذلك، رسالة يطالب فيها عمدة المدينة، محمد العربي بلقايد، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بتوضيحات بخصوص صفقة التفويت التي كان مقرّرا إبرامها، بتاريخ 18 يونيو المقبل، بناءً على دفتر تحملات يعود إلى سنة 2006، وبثمن افتتاحي لا يتجاوز 5000 درهم للمتر المربع. الشفاقي أكد بأن الرسالة وقّعها إلى جانبه مستشار جماعي آخر من الحزب نفسه، موضحا بأن المجلس الذي كان يترأسه عمر الجزولي، القيادي السابق في حزب الاتحاد الدستوري، سبق له أن فوّت، في سنة 2006، المرفق المذكور، البالغ مساحته حوالي 8 هكتارات، لشركة “فاديسا” الإسبانية ب 5000 درهم للمتر المربع، أي بثمن إجمالي تجاوز 40 مليار سنتيم، وضعت 6 مليارات منها كدفعة أولية لدى الجماعة، قبل أن تتراجع الشركة عن إتمام الصفقة، ويقرّر المجلس الذي ترأسته فاطمة الزهراء المنصوري، رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، إلغاء الصفقة، في سنة 2010، ويعلن، لاحقا، عن طلب عروض مفتوح لإنجاز تصاميم لإحداث فضاء أخضر على أنقاض العقار نفسه، وهي الصفقة التي قال إن إحدى الشركات فازت بها، مرجعا عدم تفعليها إلى أسباب متعلقة بتولي مجلس جديد تدبير الشأن المحلي بالمدينة. وخلص القيادي التجمعي، في اتصال أجرته معه “أخبار اليوم”، إلى أنه كان حريّا بالعمدة، قبل إطلاق صفقة جديدة لتفويت العقار، أن يعرض الأمر، مجددا، على أنظار المجلس، لإحداث لجنة تتولى تقويم جديد لسعر العقار، مطالبا بتفعيل صلاحيات المجلس الجماعي، الواردة في المادة 92 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، خاصة المتعلقة منها بتدبير أملاك الجماعة والمحافظة عليها، أو تغيير تخصيصها طبقا للقوانين الجاري بها العمل. كما دخل على الخط حزب الاستقلال، الذي يشارك بعض أعضائه في الأغلبية، إذ أصدرت كتابته الإقليمية بيانا شجب فيه ما اعتبره “قرارا انفراديا للعمدة، وخارج المساطر القانونية المعمول بها، ودون التداول في شأنه من طرف أعضاء المجلس الجماعي”، لافتا إلى أنه يتابع بقلق كبير الإعلان عن طلب عروض في شأن بيع عقار سوق الجملة بثمن بخس مستغلا قرارا سابق اتُّخذ قبل أكثر من 12 سنة، داعيا المكتب المسير إلى التراجع عن القرار وإحالة الملف على أنظار المجلس للتداول واتخاذ القرار المناسب، بما يخدم المصلحة العامة لسكان المدينة. في المقابل، أكد عبد السلام سيكوري، النائب الثاني للعمدة ورئيس مقاطعة “كليز”، بأن المجلس قرّر إلغاء صفقة التفويت، بعد أن شكّل لجنة، برئاسة مدير المصالح الجماعية، وقفت على وقوع خطأ إداري، موضحا بأنه لم يتم الانتباه إلى أن المقرّر الذي صوّت عليه المجلس السابق، في دورة يوليوز من 2010، القاضي بفسخ العقدة المبرمة مع “فاديسا”، كان ينص في إحدى فقراته على إلغاء كناش التحملات برمّته، الذي كان صادق عليه مجلس الجزولي، فيما أكدت فقرة أخرى منه على خصم مليار سنتيم لفائدة الجماعة، وإرجاع ال 5 مليارات الأخرى للشركة، مع إلغاء الصفقة معها. سيكوري أشار إلى أن دفتر التحملات الخاص بتفويت العقار كان ينص على أن يتم تشييد مركب تجاري وسكني وسياحي على ثلث مساحته، فيما تُخصص المساحة المتبقية لفضاءات خضراء ومواقف للسيارات ومرافق ترفيهية للأطفال. وأضاف بأن المجلس سبق له أن صادق على التركيبة المالية لبرنامج العمل الجماعي، الممتد على ست سنوات، وهي التكلفة التي تصل إلى 12 مليار درهم (1200 مليار سنتيم)، تصل مساهمة الجماعة فيها إلى 120 مليار سنتيم، وهي المساهمة التي صادق المجلس على أن يتم تمويلها من تفويت العقار المذكور، ومن الفوائض المحققة، فضلا عن عائدات إحداث سوق مركزي بالوسط التجاري “كَليز”، وتفويت بعض العقارات التي تكريها الجماعة بسومة منخفضة. الجدل الحقوقي لم يكن أقل حدة، فقد أصدر فرع المنارة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بيانا، استنكر فيه ما اعتبره “قرارا انفراديا للعمدة” و”تهميشا للمجلس الجماعي”، مستغربا تحديد السعر الافتتاحي في 5000 درهم للمتر المربع، وهو ما اعتبره “يفوّت على الجماعة مداخيل هامة”، ومتخوفا من “أن تكون الطريقة التي تم بها الإعلان عن بيع العقار مقدمة لتمرير الصفقة لجهة غير معلنة، خاصة وأن الثمن الافتتاحي لا يرقى إلى السعر الحقيقي للعقار”. 6