منعطف جديد دخله ملف المتهمين ال17 في قضية تبديد واختلاس أموال عاصمة الجهة الشرقية، حيث أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية بقسم الجرائم المالية بفاس، بعد عصر أول أمس الأربعاء، أحكاما مفاجئة وغير متوقعة، قضت بإلغاء قرارات البراءة التي صدرت في حق جميع المتهمين ابتدائيا، وأدانت 13 متهما بالسجن النافذ تراوح ما بين سنة وسنتين، على رأسهم عمدة مدينة وجدة البرلماني والقيادي الاستقلالي عمر حجيرة، ورئيس جهتها القيادي والبرلماني من “البام” عبد النبي بعيوي، فيما برأت 4 متهمين من بينهم مقاول عراقي وثلاثة مهندسين يمثلون شركات ومكاتب دراسات. واستقبل المتهمون المدانون أحكام إدانتهم بالسجن النافذ، بعدما حصلوا نهاية شهر نونبر2017 على براءتهم ابتدائيا، بحسب ما تابعته “أخبار اليوم” بقاعة المحاكمة، بصدمة كبيرة وهم يستمعون لهيئة الحكم برئاسة القاضي محمد بنمعاشو، وهي تنطق بقراراتها، قبل أن يعم صمت رهيب القاعة، مما يؤشر على أن المتهمين ودفاعهم كانوا ينتظرون قرار تأييد أحكام البراءة التي صدرت في الجولة الأولى من محاكمتهم، غير أن محكمة الدرجة الثانية بقسم الجرائم المالية كان لها رأي مخالف وتقديرات جديدة، بعدما جرى نشر وقائع الملف من جديد أمامها لأزيد من ست جلسات، يقول مصدر قضائي، وانتهت بإدانة عمر حجيرة، البرلماني ورئيس الجماعة الحضرية لوجدة، وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ومنسقه بجهة الشرق، المتابع في حالة سراح بكفالة 10 ملايين سنتيم، بسنتين سجنا نافذا، وبنفس العقوبة على عمدة وجدة السابق لخضر حدوش المتابع هو الآخر في حالة سراح بكفالة 80 مليون سنتيم، والذي دبر شؤون المدينة حتى انتخابات 2009 باسم “البام” قبل أن ينتقل لحزب الاتحاد الاشتراكي، فيما أدين القيادي والبرلماني سابقا بحزب الأصالة والمعاصرة ورئيس الجهة الشرقية، عبد النبي بعيوي، والذي حضر الجلسة حرا بسنة سجنا نافذا، بعدما سبق له أن أدى كفالة 30 مليون سنتيم، لاتهامه بتبديد واختلاس أموال عمومية، على خلفية مشاركة مقاولته المشهورة وطنيا، في أشغال تهيئة مدينة وجدة، وهي نفس العقوبة التي حكمت بها المحكمة على بقية المتهمين ال10المدانين استئنافيا، منهم مقاولون وأصحاب مكاتب للدراسة ومهندسون وتقنيون يعملون بقسم التعمير بالجماعة الحضرية لوجدة. وسارع محامو المتهمين المدانين إلى التصريح بالطعن في هذه الأحكام بالنقض، خصوصا دفاع الاستقلالي عمر حجيرة ، عمدة وجدة، وعبد النبي بعيوي رئيس جهتها المنتمي “للبام”، وذلك بعدما نجيا من الاعتقال من داخل جلسة يوم أول أمس الأربعاء، عقب نطق المحكمة بإدانتهم بالسجن النافذ، حيث علق المحامي والأستاذ الجامعي بفاس، علي حدروني، في تعليق خص به “أخبار اليوم”، أن المحكمة وبحكم سلطتها التقديرية التي يمنحها إياها القانون، تجنبت عدم لجوئها لاعتقال المتهمين المدانين وإيداعهم السجن، وفضلت تركهم في حالة سراح، وانتظار اكتساب أحكامها الاستئنافية لحجية الأمر المقضي به بعدما تصير أحكاما نهائية بعد قرار محكمة النقض، حيث أوضح المحامي حدروني المختص في المادة الجنائية، أن المحكمة كان بإمكانها إصدار الأمر بالاعتقال ضد عمر حجيرة وعبد النبي بعيوي ومن معهما، من داخل قاعة الجلسة التي استمعوا فيها حضوريا للأحكام الصادرة في حقهم، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 431 من قانون المسطرة الجنائية، والتي جاء في نصها “يمكن لغرفة الجنايات في حالة الحكم بعقوبة جنائية سالبة للحرية، أن تأمر بإلقاء القبض حالا على المحكوم عليه الذي حضر حرا إلى الجلسة، وينفذ الأمر الصادر ضده رغم كل طعن”، ومع ذلك يبدو أن المحكمة فضلت إمساك العصا من الوسط وفضلت إبقاء المتهمين المدانين في حالة سراح، يورد الأستاذ الجامعي علي حدروني. هجوم على الرميد وقضاة جطو حول المتهمون ودفاعهم جلسة محاكمتهم إلى مرافعات سياسية، شهدت خروجا مثيرا للمتهمين من الاستقلال و”البام”، عمر حجيرة وعبد البني بعيوي، حيث اعتبرا إحالة ملف مدينة وجدة على القضاء في يناير 2014 من قبل مصطفى الرميد وزير العدل في حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، كانت فيها انتقائية وحسابات سياسية، حيث وصف حجيرة محاكمته بلسان محاميه الاستقلالي محمد الدشيش، “بالمحاكمة السياسية”، بعد أن تم جره إلى المتابعة بتهم جنائية أساءت إلى سمعته، كما قال، حجيرة نفسه، مشددا على أنه كان كبش فداء وضحية حسابات سياسية أعقبت بشهور قليلة قرار الأمين العام السابق حميد شباط، قضى بخروج حزب الاستقلال من حكومة عبد الإله بنكيران في يوليوز 2013، في اتهام غير مباشر “للبيجدي” بوقوفه وراء هذه المحاكمة. من جهته، وبنفس الخروج السياسي المثير، هاجم عبد اللطيف وهبي، محامي رئيس الجهة الشرقية المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد النبي بعيوي، المتابع بتهمة المشاركة في جناية تبديد واختلال أموال عمومية عن طريق شركته التي شاركت في أشغال تهيئة المجال الحضري لوجدة، (هاجم) جهات لم يسمها، واتهمها باستعمال القضاء والمجلس الأعلى للحسابات كمطية لتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين وجر أعضائهم إلى المحاكمات بتهم الفساد المالي لتبخيس أحزاب المعارضة، كما قال وهبي في مرافعته، مشددا على أن تقرير المختبر العمومي LPEE، غير قانوني، وحجته أن المختبر مكتب للدراسات ولا حق له في إنجاز الخبرة التقنية، لعدم وجود اسمه ضمن جدول الهيئة الوطنية للخبراء المعتمدين من قبل محاكم المملكة. المحكمة تعرض أدلتها ورد القاضي محمد بنمعاشو والوكيل العام للملك، على نفي المتهمين للمنسوب إليهم، خلال استنطاقهم بجلسة أول أمس الأربعاء بغرفة الجنايات الاستئنافية بقسم الجرائم المالية بفاس، (ردا) بمواجهتهم بتقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012، وكذا تقرير المختبر العمومي للتجارب والدراسات ال”LPEE”، والذي أنجز خبرة تقنية على أشغال تهيئة المدار الحضري لوجدة، أنجزت خلال الفترة الممتدة من (2006-2009)، تضمنت مجموعة من النقائص والاختلالات في إنجاز الأشغال، همت ضعف سُمك الزفت المستعمل في الطرق، والذي يقل عن خمسة سنتمترات بخلاف ما هو مثبت بدفتر التحملات، حيث أظهرت الخبرة بأن 63 في المائة من الطرق المنجزة بوجدة ضمن 78 صفقة همت أشغال تهيئة مجالها الحضري، يقل سمكها عن السنتمترات الخمسة المحددة في دفاتر التحملات، كما أن الطبقة التي توضع “لتكسية” الطرق قبل التزفيت في 77 في المائة من الطرق المنجزة، لم تستوف الشروط المحددة في الصفقات، بحسب تقرير المختبر العمومي للتجارب و الدراسات ال”LPEE”، فيما شابت عيوب تقنية بعض المعدات التي سلمها المقاول العراقي لجماعة وجدة، منها رافعة لإصلاح مصابيح أعمدة الإنارة العمومية. أجوبة المتهمين جواب عمر حجيرة عمدة وجدة عن التقرير، جاء بتأكيده بأنه تسلم مهامه على رأس الجماعة الحضرية لوجدة منتصف شهر يوليوز 2009، وأنه أبرم 4 صفقات همت تعبيد طرق بمدار كلية الطب والمستشفى الجامعي بوجدة، تمت طبقا لمواصفات كناش التحملات، إضافة إلى اقتناء شاحنة رافعة خاصة بصيانة أعمدة الإنارة العمومية، ظهر فيها عطب وتم تغييرها من قبل الشركة التي يملكها عراقي متهم هو الآخر في الملف، ونفس الجواب قدمه العمدة السابق لخضر حدوش، الذي قال إنه أنجز سنة 2007، 13 صفقة مطابقة لمواصفات الصفقات العمومية والشروط التقنية ضمن مشاريع تهيئة وتأهيل المدار الحضري للمدينة، فيما أعاب المتهمان على خبرة المختبر العمومي وتقارير قضاة جطو، لجوءهم إلى قياس سمك الزفت بعد مرور أربع سنوات من “تكسية” الطرق المنجزة، تعرضت بعدها لأضرار بسبب استعمالها من قبل العربات بمختلف أنواعها، وهي أضرار لا دخل فيها للجماعة أو المقاولات، كما قال المتهمون. يذكر أن عمدة وجدة الاستقلالي عمر حجيرة، ورئيس جهة الشرق المنتمي إلى “البام” عبد النبي بعيوي وبقية المتهمين، أدينوا بالحبس النافذ في الجولة الثانية من محاكمتهم، بعدما واجهوا تهما جنائية ثقيلة تخص “اختلاس وتبديد أموال عمومية”، تابعتهم بها غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بفاس، بعدما ألغت قرار عدم المتابعة الصادر عن قاضي التحقيق المختص في جرائم الأموال، محمد الطويلب، وذلك بناء على الخسائر المالية التي تكبدتها جماعة وجدة، بسبب عدم احترام معايير أشغال تهيئة وتأهيل مدارها الحضري، حددها المجلس الأعلى للحسابات في ما يزيد عن مليارين ونصف مليار سنتيم، والتي شكلت نسبة 70 في المائة من المبلغ الذي سددته الجماعة الحضرية لوجدة، لفائدة مقاولات أنجزت أزيد من 78 صفقة، خصص لها مبلغ 24 مليار سنتيم، 20 مليارا منها ممولة من صندوق التجهيز الجماعي، فيما سينتظر المتهمون ال13 المدانون بالحبس النافذ، ما ستقرره محكمة النقض، بعدما قرر دفاعهم الطعن في هذه الأحكام بالنقض، وذلك بغرض وقف تنفيذ العقوبة الحبسية عليهم، حيث أصبح المستقبل السياسي للمتهمين الرئيسيين، الاستقلالي عمر حجيرة، عمدة وجدة، ورئيس جهتها عبد النبي بعيوي من “البام”، بحسب المتتبعين، على كف عفريت، مما قد يهدد حضورهما في سباق 2021.