كان الملك في دستور الحسن الثاني الأخير، واستنادا إلى الفصل 19 منه، يتدخل للتشريع بظهائر في مجالات مختلفة، دون العودة إلى البرلمان، ومن خلال الصيغة الجديدة لدستور محمد السادس، فإن صلاحيات الملك يمارسها بمقتضى النصوص الصريحة في الدستور، سواء في المجال الديني، أو في المجال السياسي. لكن ذلك لا يعني رفع اليد الملكية نهائيا عن المجال التشريعي، حيث بقيت الكلمة الأخيرة له في التأشير على القوانين من أجل نشرها في الجريدة الرسمية، وبالتالي دخولها حيّز التنفيذ. كما بقي الملك رئيسا للمجلس الوزاري، والذي خصّه الدستور الجديد باعتماد مشاريع القوانين في المجالات الاستراتيجية والحيوية للمملكة. في المقابل، كان الملك في دستور الحسن الثاني أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. جعل الدستور الجديد الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. حيث يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة. تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفية سيره بظهير. يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر. أما في الدستور السابق فالملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. يمارس الملك هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور. نص الدستور الجديد على تقييد حق الملك في تعيين الوزير الأول، بأن ألزمه باختياره من صفوف الحزب الفائز في الانتخابات، وجعله رئيسا للحكومة. في حين كان بإمكان الملك في الدستور القديم تعيين من شاء في منصب الوزير الأول بغض النظر عن نتائج الانتخابات، حسب الدستور الحالي. كما تم التنازل عن سلطة الملك في الحكومة كلها، إلا إذا استقال رئيسها. إلا أن بقاء حق الملك في اتخاذ المبادرة لإقالة عضو أو أكثر من الحكومة يعطيه سلطة على الحكومة، رغم أن قرار الإعفاء يفترض أن يوقع بالعطف من طرف الوزير الأول، مما يعني موافقة هذا الأخير. في السابق، كان الفصل 24 من دستور الحسن الثاني ينص على أن يعين الملك الوزير الأول. ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول. وله أن يعفيهم من مهامهم. ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها. الفصل 47 من دستور محمد السادس نص على تعيين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. كما يعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. وللملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. كما لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، وأن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية. فيما يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها. احتفظ الدستور الجديد بالملك رئيسا للمجلس الوزاري، وهو ما يجعله طرفا قويا في السلطة التنفيذية، ويلاحظ أن عددا من صلاحيات الملك التي كان يمارسها بمفرده، تم نقلها إلى المجلس الوزاري لتصبح مشتركة مع الحكومة. مما يعطيها طابعا ديمقراطيا، ويُنزل المحاسبة عليها بدل تحمّل المؤسسة الملكية المسؤولية عنها بشكل مباشر. وبمقتضى الدستور الجديد، أصبح لرئيس الحكومة صلاحية طلب انعقاد المجلس الوزاري، وأصبح بإمكان الملك أن يفوض لرئيس الحكومة رئاسة المجلس الوزاري. تم تعزيز صلاحيات المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك في الدستور الجديد، والذي عُرض على الاستفتاء، من خلال إضافة صلاحيات كان يمارسها الملك بمفرده، مثل ما ورد في الفقرة 2 من الفصل 30 من الدستور الحالي، التي جاء فيها أن للملك “حق التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية، كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق”. فيما كان الفصل 66 من دستور الحسن الثاني ينص على أنه “تحال على المجلس الوزاري المسائل الآتية قبل البت فيها: القضايا التي تهم السياسة العامة للدولة، الإعلان عن حالة الحصار، إشهار الحرب، طلب الثقة من مجلس النواب قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، مشاريع القوانين قبل إيداعها بمكتب أي من مجلسي البرلمان؛ المراسيم التنظيمية، المراسيم المشار إليها في الفصول 40 و41 و45 و55 من هذا الدستور، مشروع المخطط، ومشروع مراجعة الدستور”. الفصل49 من دستور محمد السادس نص في مقابل ذلك، على أن المجلس الوزاري يتداول في القضايا والنصوص التالية :” التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، مشاريع مراجعة الدستور، مشاريع القوانين التنظيمية، التوجهات العامة لمشروع قانون المالية، مشاريع القوانين الإطار المشار إليها في الفصل 71 (الفقرة الثانية) من هذا الدستور، مشروع قانون العفو العام، مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري، إعلان حالة الحصار، إشهار الحرب، مشروع المرسوم المشار إليه في الفصل 104 من هذا الدستور، التعيين باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، في الوظائف المدنية لوالي بنك المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي، والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية. وتحدد بقانون تنظيمي لائحة هذه المؤسسات والمقاولات الاستراتيجية”. في الدستور الجديد أصبح النقاش ممكنا للخطاب الملكي لكن خارج غرفتي البرلمان، إذا أخذنا بعين الاعتبار التغيير الوحيد الذي طرأ في هذه النقطة في الدستور الجديد، حيث تم إضافة كلمة “داخلهما” فيما كان الفصل 28 من دستور الحسن الثاني يقول إن للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان ويتلى خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش. كان الملك في الدستور السابق الذي ورثه المغرب عن الحسن الثاني، يُعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة، والساهر على أمن ووحدة البلاد، مما كان يخوّله سلطات مطلقة في المجالين الأمني والعسكري. بينما في الدستور الجديد، تم إحداث مجلس أعلى للأمن، يرأسه الملك، وتم إشراك رئيس الحكومة، إضافة إلى رئيسي البرلمان في عضويته، والوزراء المعنيين. أي إن الملك بقي هو صاحب الشأن في هذا المجال. يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد. ويضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية، والخارجية، والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يُعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ظلّ الملك في دستور محمد السادس محتفظا بصلاحية إعلان حالة الاستثناء، لكن مع حذف العبارة الغامضة “كل ما من شأنه أن يمس بسير المؤسسات الدستورية”، وتعويضها بعبارة واضحة تقول: “أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية”، كما تمت الإشارة إلى بقاء الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور مضمونة. في الوقت الذي كان الفصل 35 من دستور الحسن الثاني ينص على أنه إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث ما من شأنه أن يمس بسير المؤسسات الدستورية، يمكن الملك أن يعلن عن حالة الاستثناء بظهير شريف بعد استشارة رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المجلس الدستوري وتوجيه خطاب إلى الأمة؛ ويخول بذلك، على الرغم من جميع النصوص المخالفة، صلاحية اتخاذ جميع الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن حوزة الوطن ويقتضيها رجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي أو يتطلبها تسيير شؤون الدولة. الفصل 59 من دستور محمد السادس قال إنه إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، يمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة. ويُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات، التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية. فيما لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية، وتبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة. وتُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها.