تزامنا مع بداية أولى جلسات استئناف محاكمته يوم الاثنين القادم 25 فبراير، أخرج القرار الأممي، الصادر أخيرا، في قضية الصحافي توفيق بوعشرين، الذي دعا المغرب إلى إطلاق سراحه فورا، وتعويضه والتعهد بعدم تكرار مسلسل متابعات مماثلة في حقه، الحكومة عن صمتها، خصوصا بعدما وضعها التقرير الأممي في موقف حرج دوليا، حسب الرأي الحقوقي الذي تضمن مطالب المنظمات الحقوقية ذات مصداقية، كمنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمات أخرى تعنى بحرية الصحافة، والتي نادت السلطات المغربية بضرورة احترام القرار الأممي، انسجاما مع التزامات المغرب الدولية. موقف الحكومة صدر على لسان محمد أوجار، وزير العدل، أول أمس الأربعاء، أعلن فيه أن “الحكومة أخذت علما، باندهاش كبير، بالرأي الصادر عن فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي، التابع للأمم المتحدة، بخصوص ملف مدير النشر السابق، ومؤسس جريدة “أخبار اليوم” توفيق بوعشرين”. وفي الوقت الذي أقر فيه وزير العدل بأن “الحكومة كانت مستعدة للتفاعل مجددا مع الملاحظات التكميلية التي أدلت بها الجهة المشتكية”، فإنه مقابل ذلك، حاول أن يكشف أسباب استغراب الحكومة من القرار الأممي، الذي قال: “إنه نابع أيضا من كون المغرب قطع نهائيا مع مثل هذه الممارسات منذ تسعينات القرن الماضي، وهو توجه تعزز بالتنصيص في الفصل 23 من دستور 2011 على تجريم الاعتقال التعسفي واعتباره من أخطر الجرائم، وترتيب أقسى العقوبات على مقترفيها”. اندهاش الحكومة من القرار الأممي عبر عنه أوجار، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، مؤكدا أنه “نابع من إيمانها القوي بأهمية آليات الأممالمتحدة في مجال حقوق الإنسان وأهمية التعاون معها”. وقال المسؤول الحكومي في أول خروج إعلامي له بعد مطالبة القرار الأممي بإطلاق سراح بوعشرين فورا، إنه “رغم التفاعل الإيجابي للحكومة وتعاونها التلقائي مع مراسلة فريق العمل بتقديمها للمعطيات والملاحظات اللازمة بخصوص الشكاية موضوع هذا الملف، فإنها تفاجأت بإصدار هذا الفريق لرأيه دون إتاحة الفرصة لنا في الحكومة لتقديم البيانات حول الملاحظات التكميلية. هذا في الوقت الذي تنص عليه آليات اشتغال الفريق على إمكانية طلب توضيحات إضافية من الحكومة”. ولفت محمد أوجار الانتباه إلى أنه “في الوقت الذي كنا ننتظر من هذه الآلية دعم ومواكبة هذه الجهود الإصلاحية في منظومة العدالة، والتي كنا دوما في الحكومة، حريصين على عدم المساس باستقلالية السلطة القضائية، نفاجأ بإصدار رأي في ملف مازال معروضا على القضاء وهو مدرج أمام غرفة الجنايات الاستئنافية ولم يستنفذ مراحل التقاضي”. وأكد وزير العدل أن متابعة بوعشرين، تتم باحترام تام لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على أنه “لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه”. وتعليقا على الرد الحكومي على القرار الأممي، في قضية الصحافي توفيق بوعشرين، قال عبد العزيز النويضي، العضو الاستشاري لدى منظمة هيومن رايتس ووتش، “كنت أراقب هذه المحاكمة، مما وضع علي التزاما بعدم إبداء الرأي في مجرياتها، غير أن هذا لا يمنعني من إعطاء رأي قانوني في موقف الحكومة في ردها على رأي فريق العمل حول الاعتقال التعسفي وانعكاسات الاستمرار في هذا الموقف” . وشدد النويضي في اتصال مع “أخبار اليوم”، “أن المغرب في دستوره التزم بالتعاون مع الأممالمتحدة في مجال حقوق الإنسان، وتبنى حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وأنه يتوفر على مواطنين هم خبراء في بعض أجهزة الإشراف على المعاهدات كلجنة مناهضة التعذيب أو في الآليات الموضوعاتية (كفريق العمل حول الاختفاء القسري)”، موضحا أن “انتماء الدول لمنظومة الأممالمتحدة يضع عليها التزاما بأن تطبق- في إطار التعاون وليس في إطار الصراع- وبحسن نية، التزاماتها، بما فيها تطبيق التوصيات أو على الأقل التعامل معها بشكل إيجابي، وإلا فقد نظام الأممالمتحدة لحقوق الإنسان فعاليته وفائدته”. وسجل المتحدث بأن “المغرب قد انضم إلى عدد كبير من الاتفاقيات، ولكن الانضمام وحده لا يكفي، لأن الدولة عندما تنضم لمنظومة حقوق الإنسان، فإنها تلتزم أولا باحترام الحقوق المتضمنة فيها، ومنها الحق في المحاكمة العادلة، كما تلتزم ثانيا بحماية الحقوق من اعتداءات الآخرين عليها، وتلتزم ثالثا بتوفير الأرضية الضرورية حتى يمارس الناس تلك الحقوق ويتمتعون بها”. وعاد الحقوقي النويضي ليشدد على أن “التوصية الأممية صدرت عن خبراء مستقلين، وبدون شك فإنها لم تستمع فقط إلى رأي الأشخاص والمنظمات الذين يؤاخذون المغرب، وإن كان هناك تفاعل مع ما ينتج من تقارير وطنية ودولية غير حكومية، فإن هذه الآليات تقوم بمهامها بكل استقلالية وتقوم بأبحاثها الخاصة، ويكون هناك تبادل للمراسلات والأسئلة والردود بين تلك الأجهزة وبين الحكومات المعنية. ويبدو من هذه الحالة أن ردود المغرب لم تقنع فريق العمل حول الاعتقال التعسفي حتى يغير رأيه أو يصدر رأيا بشكل يختلف عن هذا الشكل الذي صدر به”. ونبه النويضي على أنه “لا يجب أن ينظر إلى هذه الآراء على أنها تستهدف التحامل وتشويه صورة المغرب، بل إن هدفها الرئيس هو حمل الدولة على احترام التزاماتها الدولية وقوانينها الوطنية أيضا”. وأضاف العضو الاستشاري بمنظمة هيومن رايتس ووتش، أن “مثل هذا الرأي يكون له تأثير على الآليات الأخرى للأمم المتحدة، مثل لجنة حقوق الإنسان التي تشرف على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمغرب سيساءل على ضوء التقرير الذي يقدمه نفسه لهذه اللجان، خاصة إزاء ما تنص عليه التزاماته بخصوص المادة 19 حول حرية الرأي والتعبير والصحافة، والمادة 14 حول المحاكمة العادلة وما يرتبط بها” . وشدد النويضي في حديثه؛ “يجب أن نعترف أنه رغم الخطاب الذي يتحدث عن الإنجازات والتقدم، فإن هناك تراجعات ملموسة منذ سنة 2013 بصفة خاصة، في الحقوق المتعلقة بالجمعيات وحرية الصحافة، فلا أحد ينكر أن هناك حالات تدعو إلى القلق، كحالة الصحافي حميد المهداوي ومحاكمات الريف وجرادة وغيرها، التي صدرت بشأنها تقارير منظمات دولية ذات مصداقية، كمنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمات أخرى تعنى بحرية الصحافة”. ودعا النويضي إلى “التعامل مع قضايا حقوق الإنسان بجدية، لأن ذلك أيضا في مصلحة المغرب ككل. وإلا ستكون لذلك تأثيرات سلبية على صورة البلد ومصالحه وقضاياه الكبرى، وعلى إمكانية استعمال هذا الرأي وغيره من قبل دول أخرى، سواء كانت دولا صديقة مانحة للمساعدات، أو من طرف الخصوم. كما يمس ذلك بسمعة الجهاز القضائي ويكون له تأثير على الاستثمار. ورغم أننا في فترة تشهد تراجعات على المستوى الدولي، فإن هذا لا يجب أن يدفع إلى الاستخفاف وإلى عدم مراعاة مثل هذه الآراء، وفي نظري يجب التعامل البناء مع الرأي والعمل على معالجة الوضع”.