لا بد أن يتساءل المتتبع لأمسية تتويج الشاعر اللبناني وديع سعادة بجائزة الأركانة، مساء أول أمس، على هامش المعرض الدولي للنشر والكتاب، عن الخلفيات التي جعلت بيت الشعر في المغرب “الناقد” عبدالرحمان طنكول، ليترأس لجنة تحكيم الجائزة. ولعل منبع التساؤل الكلمة التي ألقاها الرجل، بهذه المناسبة التي دأب البيت على تنظيمها سنويا بالمعرض، حيث أصر على أن يلوي عنق اللغة غير ما مرة، ناصبا المرفوع تارة، ورافعا المنصوب تارة أخرى. كما أن كلمة طنكول، “الكاتب” و”الناقد” و”الأستاذ” و”الباحث الأكاديمي”، حاولت أن “تقتحم” فضاءات الشاعر الفائز بكلمات وعبارات فضفاضة أبانت، في النهاية، أن الرجل لا يدرك من شعره إلا النثار، رغم أنه يبني رهانه على البساطة. لكن الشاعرين نجيب خداري ومراد القادري أنقذا ماء الوجه، في حديثهما عن الرجل. إذ اعتبر خداري، في كلمته التمهيدية للأمسية، أن وديع سعادة صاحب ريادة في مسيرة قصيدة النثر الجديدة، مشيرا إلى أنه يحتفي بشعرية السرد وشعرية التناقض. وامتدح خداري الفائز، واصفا إياه بأنه شاعر لا يشبه إلا نفسه. كما اعتبر أنه يسلك دروبا خاصة في الإبداع الشعري، ويتميز بقدرة نادرة على تطوير البناء وتطويع اللغة وتبسيط العبارة. أما الشاعر مراد القادري، رئيس بيت الشعر في المغرب، فقد أكد هو الآخر أن وديع سعادة شاعر “لا يشبه أحدا، فيما يسعى الكثيرون إلى التشبه به، واقتفاء آثار خطوه الشعري. كما اعتبر القادري أن وديع سعادة “يعيش في كلماته، مكتفيا بها، يشذبها ويرعى استعاراتها في حديقته الخلفية، هو الفلاح المواظب على العناية بشتلة الغياب…”. كما قال إن المنجز الشعري لوديع سعادة يتميز، أساسا، بتمجيد الغياب والعابرين، مشيرا إلى أن متنه الشعري يستمد قوته ومعناه من مفاهيم الذكرى والحيرة والموت والفجيعة والعبث والسخرية والحرب والهجرة، إلخ. تجدر الإشارة إلى أن بيت الشعر في المغرب كان قد نظم، مساء الأربعاء الماضي بالمكتبة الوطنية بالرباط، أمسية مماثلة تسلم خلالها الشاعر اللبناني درع الجائزة وبعض التكريمات الأخرى، اعترافا بتجربته وتقديرا لموهبته الشعرية وعرفانا بما أسداه للثقافة الشعرية العربية المعاصرة. يشار، كذلك، إلى أن سعادة رأى النور يوم 6 يوليوز 1948 في قرية شبطين شمال لبنان. اشتغل في الصحافة من عواصم ومدن عالمية (بيروت، باريس، لندن، أثينا، نيقوسيا، سيدني). استقر رفقة أسرته في أستراليا منذ سنة 1988. له العديد من الدواوين الشعرية منها: “ليس للمساء إخوة” (1981)، “المياه المياه” (1983)، “رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر في الحيوانات” (1985)، “مقعد راكب غادر الباص” (1987)، “بسبب غيمة على الأرجح” (1992)، “محاولة وصل ضفتين بصوت” (1997)، إلخ. صدرت أعماله الكاملة عن دار النهضة العربية سنة 2008، كما أصدر بعد ذلك ديوانين هما: “من أخذ النظرة التي تركتها أمام الباب؟” (2011) و”قل للعابر أن يعود، نسي هنا ظله” (2012). وإلى جانب جائزة الأركانة، تُوج وديع سعادة سنة 2011 بجائزة “ماكس جاكوب” الفرنسية الشهيرة عن أنطولوجيا صدرت له بلغة موليير بعنوان: “نص الغياب وقصائد أخرى”.