يعتبر فيلم «غرين بوك» (الكتاب الأخضر) أول نتاج سينمائي فردي للمخرج الأمريكي «بيتر فاريللي»، وهو يروي قصة صداقة متفردة تنشأ بين عازف بيانو مبدع أسود، وسائقه وحارسه الشخصي الأبيض خلال جولة فنية في الجنوب الأمريكي خلال ستينيات القرن الماضي. ومن خلال هذه القصة يسرد الفيلم بعضا من تاريخ الانقسام والتمزق الأمريكي. تخيلوا دليلا للمسافرين خلال الستينيات، في أمريكا الميز العنصري، دليلا موجها للسود قصد إرشادهم إلى الأمكنة والفنادق والمطاعم والحانات، حيث يمكن أن يحظوا بالترحيب. كان هذا الكتاب موجودا فعلا، وكان عنوانه «الكتاب الأخضر للسائق الزنجي»، وهو من تأليف الكاتب الأمريكي «فيكتور هيوغو غرين»، حيث نشر سنة 1936، واستمر العمل به حتى سنة 1966. ومنه استقى المخرج «بيتر فاريللي» عنوان فيلمه «الكتاب الأخضر». يتعلق الأمر بأول فيلم فردي لهذا المخرج، حيث استطاع أن يحوز بفضله العديد من الجوائز في مهرجانات عالمية مختلفة، ويتوقع أن يحصل على بعض الأوسكارات. وهو يعطي خطوته الأولى هذه في مجال الإخراج الفردي رغبة وحماسة ويقينا في المضي قدما في هذه المغامرة، بعيدا عن شقيقه المخرج «بوبي»، لكن «بيتر» لا يبتعد كثيرا عن التصور السينمائي للأخوين «فاريللي» اللذين نجحا في إخراج بعض الأفلام الجميلة خلال مسارهما المشترك. أما الفيلم «الكتاب الأخضر»، فهو يروي قصة حقيقية بطلاها «توني ليب» و«دون شيرلي»، بالإضافة إلى «دولوريس»، زوجة «توني» (الممثلة «ليندا كارديليني» التي أدت دورا مؤثرا في هذا الفيلم). «توني» هو رجل حراسة يعمل في نادٍ ليلي، لكنه عاطل عن العمل بسبب الأشغال الجارية في النادي. يتميز «توني» بشراهته في الأكل، ووقاحة سلوكه، وسطحيته، فضلا عن عنصريته تجاه السود، لكنه يتميز ببنيته الجسدية القوية التي تساعده في أداء عمله بسهولة، كما أنه سائق جيد. في المقابل، اشتهر «دون شيرلي» بإبداعه الموسيقى، وقوته الأدائية النادرة، وعزفه المؤثر، وشهرته الكبيرة. يعمل «شيرلي» (الذي لعب دوره الممثل «ماهرشالا علي») على توظيف «توني» ليخدمه خلال جولة فنية في الجنوب الأمريكي، سائقا وحارسا شخصيا في الآن ذاته. يقبل هذا الأخير الوظيفة المعروضة عليه، رغم مواقفه العنصرية من السود. وهكذا، تنطلق حكاية «الكتاب الأخضر» الفعلية، حيث تدور الأحداث الموالية للقاء بين الرجلين حول المغامرة التي سيخوضانها عبر الجنوب الذي يرتاب سكانه البيض الأثرياء والعنصريون من السهرات والأمسيات الفنية الخاصة، لكنهم سيجدون أنفسهم، على نحو استثنائي، أمام عازف مبدع ماهر، يمزج بيسر كبير بين الموسيقى الكلاسيكية (موسيقى البيض) والجاز والبوب… لكن «دون شيرلي» ممنوع من الاحتكاك بأولئك الذين جاؤوا للاستمتاع بإبداعه والتصفيق له، حيث لا يستطيع أن يغادر تلك الدائرة الضوئية المسلطة عليه خلال كل سهرة. لكن العنصرية تتلاشى وتختفي كلما انطلقت أنامل «شيرلي» في العزف. في المقابل، لا يستطيع «شيرلي» كذلك أن يحتك بأولئك الذين يشترك معهم في لون البشرة، لأنهم يعتبرونه «أبيض». وفي مشاهد الفيلم المخصصة لهذا الاتصال بين البطل وباقي «إخوته» من الزنوج، لا يتعلق الأمر بالتمييز العنصري، وإنما بالكرامة، حيث تتجلى الصداقة في أبهى صورها، عندما يصدح بأنغامه، وتنمحي الفوارق بين الطبقات والأعراق، ويصير الحوار لامحدودا، فيلتقي زنجي الشمال زنوج الجنوب، فيشكلون معا «شتات الداخل». سعى المخرج إلى الاستفادة من ثنائيات مشهورة في الأدب العالمي، قديمة وحديثة، ونماذج الحوارات التي قامت بينها، بينها مثلا: «دون كيخوطي» و«سانشا بانثا» في رواية «سيربانتيس»، و«جاك القدري» وسيده في رواية «دينيس ديردو»، و«دون خوان» و«سغاناريل» في رواية «موليير». وعلى النحو الذي يعتمده «دون شيرلي» في مزج موسيقاه، يعمد المخرج أيضا إلى مزج أبعاد مختلفة، ليعطي فيلمه قوة تعبيرية مؤثرة. فعلى سبيل المثال، تبدو النبرة العاطفية القوية للشاعر «سيران ودي بيرجيراك»، بطل مسرحية الكاتب الفرنسي «إدمون روستان»، خاصة من خلال الرسائل التي يكتبها «توني ليب» إلى زوجته «دولوريس» بمساعدة «دون شيرلي» نفسه. ويستدمج الفيلم أيضا عوالم الروائي الأمريكي «جيمس بالدوين» حول الجنوب الأمريكي، وكذا تعبيرات هارليم الفنية. من هذه الأبعاد كلها يستقي الفيلم قوته التعبيرية وأصالته الفنية. هذه الأبعاد تتجلى أساسا في رسائل «توني» إلى زوجته. كما يجمع الفيلم بين مجموعة من المقومات الفنية، منها؛ قوة الإخراج، براعة السيناريو، عمق القصة المستوحاة من الواقع، تطوير الشخصيات، الموسيقى التصويرية، جاذبية فترة الستينيات، إبداعية أداء بطلي الفيلم (الممثل الأمريكي الدنمركي «فيجو مورتينسن» والممثل الأمريكي الأسود «ماهرشالا علي»)… الخ. 6 Synopsis تدور قصة فيلم «الكتاب الأخضر» حول جولة حقيقية وقعت في الجنوب الأمريكي سنة 1962، اشترك فيها شخصان، هما حارس أمريكي من أصل إيطالي يعمل سائقا وحارسا، وعازف بيانو أمريكي أسود شهير، يعمل لحسابه السائق والحارس. وبعد بداية صعبة، تنشأ بين الاثنين، مع مرور الوقت، صداقة تدوم بينهما طوال العمر. تبدأ أحداث الفيلم بمدينة نيويورك ببحث الحارس «توني ليب» عن وظيفة بعد إغلاق النادي الليلي الذي كان يعمل فيه، ويحصل خلال ذلك على عرض للعمل سائقا لعازف البيانو الشهير دون شيرلي. ومع أن المقابلة بينهما لا تسير على نحو جيد بسبب التصرف الطائش للحارس، فإن الموسيقار «دون» يوظفه بالنظر إلى حاجته إلى مساعد خلال جولة موسيقية سيقوم بها في الجنوب الأمريكي وتستغرق ثمانية أسابيع. يصطدم الاثنان مرارا في بداية علاقتهما، ولكن السائق يتأثر، مع مرور الوقت، بمواهب دون الموسيقية، وبسوء المعاملة التي يتعرض لها الفنان على يد بعض البيض. بيتر فاريللي ولد المخرج والكاتب والمنتج الأمريكي «بيتر فاريللي» في بنسلفانيا سنة 1956. عمل في بداية حياته تاجرا، قبل أن يصبح نادلا، لكنه قرر الحصول على درجة الماجستير في أمهيرست. وسرعان ما التحق بجامعة كولومبيا، حيث تخرج منها بعد حصوله على درجة الماجستير في الكتابة الإبداعية. وقد بدأ أول أعماله الإخراجية عام 1994 بفيلم «دامب آند دامبر»، فيما كان أول تأليفاته سنة 1987 عبر فيلم تلفزيوني. نال فيلمه «Me, Myself and Irene» شهرة واسعة. يجمع الفيلم بين مجموعة من المقومات الفنية، منها؛ قوة الإخراج، براعة السيناريو، عمق القصة المستوحاة من الواقع، تطوير الشخصيات 2012 خلال هذه السنة، أخرج «بيتر فاريللي»، باشتراك مع شقيقه «بوبي»، فيلما بعنوان «The Three Stooges». يتناول الفيلم جريمة قتل يتورط فيها ثلاثة أصدقاء؛ موي (كريس ديمانتبولوس)، ولاري (شون هايز)، وكيرلي (ويل ساسو) الذين التقوا مجددا بعد طول غياب؛ ﻹحياء ذكريات الماضي، لكنهم بعد تورطهم في هذه الجريمة، يحاولون مواجهة الأمر، لكن بطريقة هزلية. 2014 «دامب أند دامبر تو» هو عنوان فيلم آخر من إخراج الأخوين «بيتر» و«بوبي فاريللي». تدور أحداث الفيلم حول الصديقين لويد،وهاري (جيم كاري وجيف دانيالز)، اللذين يعانيان تبعات 20 سنة من الغباء. ينطلقان في مغامرة لهما، حيث ينطلقان في رحلة بحث عن ابنة «هاري» التي تبنتها إحدى الأسر، لكنه يكتشف وجودها بعد نحو عشرين سنة. تسير بهما الرحلة في سلسلة من المواقف الهزلية الساخرة.