لم يتمالك المخرج المقتدر، الجيلالي فرحاتي، نفسه وهو يعتلي منصة قاعة الوزراء بقصر المؤتمرات بالمدينة الحمراء، تحت تصفيقات الجمهور الذي حج بكثافة لحضور ليلة الاحتفاء به وتسليمه النجمة الذهبية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، فذرف الدموع، وارتجف من رهبة حشود الفنانين والسينمائيين المغاربة والأجانب الذين وقفوا لتحيته، لدقائق قبل المرور لتحيته على الطريقة المغربية ب«الصلاة والسلام على رسول الله» والزغاريد، ولمَ لا فهو عريس السينما المغربية الذي اختارت مؤسسة المهرجان أن تزفه وعمله الجديد في دورة المهرجان السابعة عشرة، التي تسدل ستارها ليلة يوم غد السبت. صاحب «شاطئ الأطفال الضائعين»، الجيلالي فرحاتي، وبعدما أنصت إلى شهادة في حقه، لامست الجانب الإنساني فيه، مشيدة بمساره المهني ألقاها صديقه الناقد السينمائي حمادي كيروم، بدا متأثرا جدا وهو يتسلم درع تكريمه «النجمة»، قبل أن يقدم كلمة بالفرنسية بالمناسبة، عبر فيها عن بالغ سعادته وفخره بالتكريم الذي وصفه ب«الالتفاتة التي تفوق الوصف»، والتي ستجعله يحمل سعادة اللحظة إلى ما بعد الحفل، مضيفا أنه «من الجميل أن أكون جزءا من هذا الشيء الجميل الذي اسمه السينما». وقال الجيلالي فرحاتي، الذي تمتد مسيرته الإبداعية في السينما إلى ما يفوق الثلاثين سنة: «هذا المساء ليس كغيره، مساء نحلم به ببساطة، ولكن كما يحدث في جميع الأحلام، نحن لا نملك أمر أنفسنا، وتطلعاتنا المشوبة بالامتنان والاعتراف بالجميل»، ويضيف: «نحس بالاطمئنان حين نعرف أننا موجودون بذاكرة الآخرين، أننا حاضرون في غيابنا في النقاشات والتظاهرات، لن نعرف أنه ولو لم يُذكر اسمنا يوما، سيذكر فيلم من أفلامنا. فمن المطمئن أننا نرقد بكل دفء في ذكريات وذاكرات بعض الأشخاص الذين يحبوننا»، يقول الجيلالي فرحاتي الذي كان مصحوبا بابنه وابنته، التي لم تتردد في ضمه ومسح دموعه، بعد صعودهما لاحقا إلى منصة التكريم. وفي الكلمة نفسها، قال صاحب فيلم «سرير الأسرار» الذي أهدى نجمة مراكش التي حصل عليها لابنه «يزن»، وهو يغالب دموعه: «لن أعترف بسينمائي قام بكل شيء حتى لا يكذب، رغم أنه في قرارة نفسي مازلت أظن أن السينما كانت ومازالت من أجمل الأكاذيب التي تستعمل لقول الحقيقة». ووجه فرحاتي، الذي سبق له أن كان عضوا في لجنة تحكيم مهرجان مراكش سنة 2012، شكره إلى القائمين على المهرجان، وعلى رأس القائمة الملك محمد السادس، لرعايته السينما المغربية، والأمير مولاي رشيد، كما شكر السينمائيين الكبار الذين حظي بأن يكون إلى جانبهم في تكريمات هذا العام من المهرجان، أسطورة هوليود روبرت دينيرو والمخرجة الفرنسية آنييس فاردا. من جانبه، قال حمادي كيروم، الناقد السينمائي ومدير مهرجان سينما المؤلف بالرباط، في كلمته، التي حملت الكثير من نفس الشعر: «هذه اللحظة التكريمية لحظةُ اعتراف بجيلالي فرحاتي الإنسان والمبدع الذي خلق للسينما المغربية عرائسها، وضفائرها، وخيولها، في المهرجان الذي ينظم بمدينة البهجة والفرح والسعادة»، مشيرا إلى أنه «لا يمكن أن تشاهد أفلام الجيلالي فرحاتي دون الإحساس بنفَسِها الشعري الذي يخلق المعاني، ويحرّض على التأمل، والتفكّر، والحب». وشهد حفل التكريم عرض مقتطفات من مختلف الأعمال السينمائية التي قدمها الجيلالي فرحاتي، واختتمت ليلة الاحتفاء بهذا الفنان، المخرج والممثل والسيناريست، بعرض فيلمه الجديد «التمرد الأخير»، الذي صوره الجيلالي فرحاتي بمدينة طنجة، وذلك بعد تقديم أبطاله، الذين غاب عنهم حكيم النوري، الذي لعب البطولة إلى جانب وجه تمثيلي جديد وهي سينمائية اشتغلت بالإخراج قبل أن تقف أول مرة أمام الكاميرا. وفي هذا الفيلم يعود الجيلالي فرحاتي إلى تيمة توثيق أحداث معاصرة، التي شكلت تميزه السينمائي. وكعادته، حافظ المخرج الكتوم على شاعريته في تعامله مع القضايا القوية لمجتمعه، وأشار إلى حركة عشرين فبراير، ورسم كل ذلك في قصتين إنسانيتين مليئتين بالمشاعر.