لا يمكن لمن يولي ولو قدرا ضئيلا من الاهتمام لقراءة مؤشرات لوحة قيادة البلاد في السياق السياسي الحالي، ألا يتوقف عند جلسة العمل التي انعقدت في الديوان الملكي، عصر يوم الخميس الماضي، ويتأمل مليا البلاغ الذي صدر عن الديوان الملكي بعد ذلك، لقراءة السطور وما بينها. توج الاجتماع الأخير بإعلان مواقف ملكية صريحة وشديدة السلبية من ملفين سبق للقصر أن بادر إلى تكليف الحكومة بهما. والطرفان المعنيان بالنقد الملكي الصريح والعلني، ظلا يشكلان الاستثناء في جل ما تراكم من سوابق حتى الآن، وهما كل من رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، و«السوبر وزير» مولاي حفيظ العلمي. هذه الجلسات التي باتت متواترة بشكل يوازي، إن لم يتجاوز من حيث العدد، المجالس الوزارية التي ينص عليها الدستور ويسند رئاستها إلى الملك؛ همّت في الغالب مواضيع استراتيجية، خاصة منها الطاقات المتجددة، قبل أن يأتي اجتماع فاتح أكتوبر الماضي، والذي اتخذ طابعا موضوعاتيا خاصا، حيث خصصت جلسة عمل لموضوع واحد هو التكوين المهني، وانتهت بتشكيل لجنة يقودها رئيس الحكومة، حدد لها الملك مهلة ثلاثة أسابيع لعرض برنامج بمشاريع وإجراءات دقيقة، والتخطيط لتنظيم اللقاء الوطني للتشغيل والتكوين قبل متم السنة. في نهاية تلك المهلة، صدر بلاغ عن الديوان الملكي يعلن أن الحكومة طلبت تمكينها من مزيد من الوقت، واستجابة الملك لهذا الطلب. بقي التمديد مفتوحا إلى أن جاءت جلسة عمل الخميس الماضي. النتيجة كانت، ودون الإفصاح عن مضمون ما قدمه رئيس الحكومة، إعلان عدم اقتناع الملك بما أنتجته الحكومة. العبارات التي كتب بها البلاغ الرسمي تفيد تعليقا شاملا لهذا الملف المستعجل، حيث أمر الملك بتجاوز النواقص، خاصة المتعلقة بالتمويل، وأصبح اللقاء الوطني حول التكوين المهني في وضع أشبه بالإلغاء، حيث لم يحدد له موعد معين بعدما كان مرتقبا خلال شهر دجنبر الجاري. مصدر قريب من مراكز القرار وخبير في قراءة إشاراتها، جزم، في حديث جمعني به «خارج التسجيل»، بأن الأمر يؤشر على أن علاقة الملك بحزب العدالة والتنمية، في شخص أمينه العام سعد الدين العثماني، وصلت إلى «استحالة العمل المشترك، وبالتالي، على إخوان العثماني أن يحضروا «الحصيرة» لأن أجل استمرارهم في الحكومة أقصاه الربيع المقبل». إذا كان الأمر كذلك، كيف يستقيم حصر الرسائل المنبعثة من بلاغ الديوان الملكي في إخوان العثماني، فيما خص الملك بتقييمه السلبي وزيرا كبيرا واستثنائيا بحجم مولاي حفيظ العلمي؟ فالبلاغ يخبرنا بأن الملك أثار الانتباه إلى تعثر مخطط التسريع الصناعي لجهة سوس ماسة، والذي سبق له أن ترأس انطلاقته في 28 يناير 2018 بأكادير، و«الذي لم يعرف أي تقدم منذ إطلاقه، داعيا القطاع المعني إلى تضافر الجهود، وتحمل مسؤولياته، قصد الإسراع بتنزيله داخل الآجال المحددة». هذا الخطاب يعتبر تحولا وانعطافة في الصورة التي تسوّق لعلاقة الوزير الملياردير بالملك، خاصة أنه ظهر قبل نحو شهر وهو يمسك بيد الرئيس المدير العام السابق لمجموعة رونو نيسان، كارلوس غصن، ويدخل برفقته على الملك في استقبال خاص واستثنائي. «الأمر بمثابة نقطة سلبية جديدة في سجل عزيز أخنوش، بعد قرار إعفاء وزيره السابق في المالية محمد بوسعيد»، يقول مصدري الخبير في قراءة إشارات مراكز القرار. المصدر، الذي غلبت عليه نبرة اليقين، أصرّ على أن القصر حرص على إبداء استيائه من محور البيجيدي-الأحرار الذي تقوم عليه الحكومة، تمهيدا لقلب المعادلة السياسية الحالية. بقدر ما تتمتع هذه القراءة بنصيب من الوجاهة، فإنها تظل محدودة بطبيعة النظام السياسي المغربي، العصي على القوالب المعتادة في أنظمة أخرى. بل إن سعد الدين العثماني لن يتردد في التقاط أول إشارة يدعم فيها الملك إجراء حكوميا ليقول إن حكومته صامدة ومستمرة إلى نهاية ولايتها القانونية. وأخنوش الذي أقيل أحد وزرائه ووُبّخ آخر، قد يجد من يؤوّل ذلك لمصلحته، باعتباره تقوية له وإزاحة لخصومه داخل الحزب، وتنبيها لمعرقلي برامجه في الفلاحة وطنيا والصناعة في جهة سوس… وهو على كل حال يقدّم هذا التأويل بشكل ضمني، حين يسارع إلى الدخول في حملة تواصلية محمومة لتسويق فكرة إحداث طبقة متوسطة فلاحية، مباشرة بعد إعلانها من لدن الملك في خطاب افتتاح البرلمان، تاركا لمن اعتبروا الخطوة الملكية إعلان فشل لمخططه الأخضر، حرية التعليق. كما شاهدنا مباشرة بعد انتهاء جلسة عمل الخميس الماضي، كيف حلّ أخنوش بمنطقة سوس لمحاورة أبنائها الذين سافروا إلى الدارالبيضاء، الأسبوع الماضي، للاحتجاج على قراراته الخاصة بتحديد الملك الغابوي والرعي… في جميع الأحوال، لا شك أن أخنوش يعلم أنه لن يكون، بأي حال من الأحوال، بديلا سياسيا، بقدر ما يمكنه أن يجسد بديلا عن السياسة. ولا غرابة في أن يواصل رهانه على احتلال الصدارة مع اقتراب المشهد من الإفلاس وموت السياسة تحت وابل الضربات التي لم تعد تخطئ إصابتها في مقتل.