1 – في يوم السبت 10 نونبر 2018، على الساعة منتصف الليل وثلاثين دقيقة، أصدرت الغرفة الجنائية في محكمة الاستئناف بمدينة الدارالبيضاء” حكمها في ملف الصحافي توفيق بوعشرين، وهو السجن النافذ لمدة 12 عاما. 2- هذا الحكم يظل ابتدائيا ولا يصبح نهائيا إلا إذا أقرته مرحلة الاستئناف ولم يحصل إلغاءه في مرحلة النقض والإبرام. 3- هذا الحكم جاء تتويجا لمسلسل طويل من الخروقات القانونية والمسطرية، ومن الدّوس الصارخ على الحقوق الدستورية للصحافي توفيق بوعشرين، ومن التنكر السافر لأبسط الشروط الأساسية للمحاكمة العادلة. 4- لقد خضع الصحافي بوعشرين للاعتقال التعسفي منذ 26 مارس 2018، بناء على أمر بسيط بالوضع في السجن لفترة غير محددة صادر عن الوكيل العام للملك في محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء. 5- لقد تم إشعار مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأممالمتحدة بواقعة الاعتقال التعسفي، فقرر إحالة الملف على مجموعة العمل المكلفة بحالات الاحتجاز التعسفي خلال دورتها التي ستنعقد في الأسبوع المقبل. 6- لقد اعتمدت النيابة العامة في الدارالبيضاء على عنصرين اثنين قبل أن توجه إلى الصحافي بوعشرين تهمة الاتجار في البشر والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب وهما: 7- تقديم 14 امرأة من طرف النيابة العامة على أساس أنهن ضحايا هذه الأفعال؛ استعمال تسجيلات فيديو وعددها 50 تسجيلا يفوق مدة كل واحد منها 20 دقيقة، ومنها 40 تسجيلا يتضمن لقطات جنسية، واللافت للنظر أنه لا يوجد أي تسجيل واحد من بينها يتضمن مشهدا من مشاهد العنف أو الإكراه من بين النساء البالغ عددهن 14 اللواتي قدمتهن النيابة العامة على أساس كونهن ضحايا أفعال بوعشرين، لم تؤكد هذه الرواية أمام المحكمة إلا خمس نساء فقط، بينما اثنتان منهما لم تستطيعا الإدلاء للمحكمة بأية معطيات دقيقة عن تاريخ الاغتصاب المزعوم، ولا عن ظروفه وملابساته، ولم تأت أي واحدة منهما بشهادة طبية تعزز تلك الاتهامات، بالإضافة إلى كونهما لا تتوفران على أي شاهد يؤكد بدوره هذه الوقائع المزعومة، ولا على تسجيل فيديو واحد (بغض النظر عن صحته التقنية أم لا) تظهر فيه إحداهن خلال ممارسة الجنس عليها من طرف بوعشرين. 8- من بين النساء الخمس المشتكيات اللواتي مثُلنَ أمام المحكمة وأكدن أنهن ضحايا الاغتصاب من طرف توفيق بوعشرين، هناك اثنتان لم تدليا بتاريخ الاغتصاب المزعوم، ولا بأية تفاصيل أخرى عن ظروفه وملابساته ولا بشهادة طبية واحدة تعزز هذه الاتهامات، ولا بأي شاهد عن الوقائع، ولا بأي تسجيل فيديو يظهر فعل الاغتصاب. 9- من جهة أخرى، فإن المشتكيات الأخريات اللواتي زعمن أنهن ضحايا الاغتصاب من طرف بوعشرين، لم يقدمن أية شهادة طبية تعزز تلك الاتهامات، ولم تستطعن الإتيان ولو بشاهد واحد عن الأفعال المزعومة، بل إنهن اكتفين فقط، بالادعاء أنهن يظهرن في الفيديوهات التي أتت بها الشرطة القضائية خارج كل المساطر القانونية. 10- وفي الواقع، فإن تسجيلات الفيديو لم تحجزها الشرطة القضائية أبدا من مكتب الصحافي توفيق بوعشرين، ولا يوجد هناك أي محضر رسمي لهذا الحجز المزعوم تكون قد أنجزته الشرطة القضائية وفقا للمساطر القانونية الجاري بها العمل . 11- إن محضر الحجز الذي أنجزته الشرطة القضائية، لا يشير إلا إلى قرص صلب خارجي وجهاز للتسجيل الرقميDVR وكاميرا مصغرة، دون الإشارة إلى الأعداد المسلسلة numéros de série لهذه الأجهزة، كما تنص على ذلك القواعد القانونية عند صياغة هذا النوع من المحاضر، وذلك رغم وجود تقني متخصص في الإعلاميات ضمن فريق الشرطة القضائية الذي اقتحم مكتب بوعشرين يوم إلقاء القبض عليه. 12- من جهة أخرى، فإن المحاضر أغفلت عمدا الإشارة إلى الأمكنة المضبوطة التي وُجدت فيها تلك الأجهزة في مكتب الصحافي توفيق بوعشرين، ولم تحدد نوعية الروابط التقنية بين الأجزاء المكونة لها، علما أن الصحافي كان قد رفض توقيع المحاضر عندما تم حجزها وأشار في محضر الاستماع إليه أن الأجهزة المعنية بالحجز ليست في ملكية مكتب الجريدة، بل قد أتى بها فريق الشرطة القضائية الذي اقتحم مكتب الجريدة. 13- على الرغم من أن أشرطة الفيديو التي اعتمدتها الشرطة القضائية أصبحت موضوع مسطرة قضائية لدى محكمة النقض من أجل الطعن بالزور والتزوير، فقد استمرت محكمة الاستئناف في عرض هذه الشرائط المطعون في صدقيّتها وحِجّيتها القانونية وأصدرت هذه المحكمة حكمها دون انتظار قرار محكمة النقض، فيما يتعلق بتلك الطعون. 14- من بين النساء ال14 اللواتي زعمت النيابة العامة أنهن ضحايا مفترضات لتصرفات توفيق بوعشرين، لم تأت إلا خمس أمام المحكمة لترديد رواية النيابة العامة، بينما خمس أخريات أمرت المحكمة باستقدامهن باستعمال القوة العمومية، وهن اللواتي حرصن أمام المحكمة على تبرئة توفيق بوعشرين من كل فعل غير مقبول وأنكرن مضامين محاضر الشرطة القضائية. وأخيرا، فإن الأربع الباقيات رفضن المثول أمام المحكمة أصلا، وفضلن الانتقال إلى خارج المغرب والابتعاد بالكامل عن هذا الملف. 15- ورغم كل ما سبق، وخلافا لما كان متوقّعا، فإن المحكمة أضافت ضحيتين مفترضتين اثنتين إلى الضحايا الخمس المفترضات، اللواتي ورد ذكرهن فيما سبق، وهما امرأتان لم يسبق لهما أبدا أن تقدما بشكاية للمحكمة ضد بوعشرين، بالإضافة إلى امرأة ثالثة جاءت بها المحكمة بالقوة العمومية، ورغم ذلك، استمرت أمام المحكمة في إنكار كونها ضحية أفعال إجرامية من طرف بوعشرين. 16- لقد مورست ضغوطات هائلة على بعض النساء لإجبارهن على وضع شكايات ضد الصحافي توفيق بوعشرين. 17- إن السيدة عفاف برناني، التي قدمتها المحكمة في البداية بصفتها مشتكية ضد بوعشرين، رفعت بنفسها دعوى قضائية تتهم فيها بالتزوير الضابط، الذي قام بصياغة محضر استجوابها وضمّنه تصريحا مزعوما لها، مضمونه أنها كانت ضحية تحرش جنسي من طرف السيد بوعشرين، بينما هي تصرُّ على أنها لم تتعرض لأي تحرش جنسي من هذا القبيل، ولم تصرّح بذلك أبدا. 18- ومن أجل الانتقام منها تابعتها النيابة العامة في الدارالبيضاء (وهي التي حركت المتابعة في حق بوعشرين) بتهمة التبليغ عن وقائع تعلم عدم وجودها وذلك قبل أن تنظر المحكمة في شكايتها بالتزوير ضد الضابط صاحب المحضر، و بناية على شكاية النيابة العامة حكمت عليها المحكمة ابتدائيا بستة أشهر سجنا، وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف مؤخرا. 19- لقد سجلت عفاف برناني شريط فيديو على موقع يوتيوب تحكي فيه روايتها للوقائع وتفصّل الضغوطات التي خضعت لها، وقد تجاوز عدد المشاهدات لهذا الشريط سقف مليون مشاهدة: 20- إن الصحافية “أمل الهواري” استقدمتها المحكمة بالقوة، ولكنها برأت بوعشرين في إفادتها أمام المحكمة، فقررت هذه الأخيرة وضعها في حالة الحراسة النظرية لمدة 36 ساعة بدون أدنى سند أو مبرر قانوني. 21- أما الصحافية حنان بكور، التي رفضت اتهام بوعشرين أمام المحكمة، فقد كانت ضحية عملية نشر فيديو مزيف يتضمن الإساءة لها، وقد تم إرسال هذا الفيديو ذو المضمون السيئ إلى العناوين الرقمية لأصدقائها ولأفراد عائلتها من طرف جهة لا تفصح عن هويتها. 22- إن كل طلبات وملتمسات الدفاع تعاملت معها المحكمة بالرفض بدون مبرر، وخصوصا تلك التي طالب فيها المحامون السماح لهم بالاطلاع على النسخة الأصلية من البيان الذي سلمته شركة اتصالات المغرب للشرطة القضائية، والذي يتضمن تفاصيل مكالمات السيد بوعشرين عبر هاتفه الجوال (وخاصة المكان والزمان ومدة المكالمات ونوعية اللاقط اللاسلكي ومكانه الجغرافي) والسبب هو أن هذا البيان-الملف قد تلاعبت الشرطة القضائية بمضمونه وغيّرت معطياته الأصلية في انتهاك صارخ للقانون. 23- بل إن النيابة العامة تعترف بنفسها أن الشرطة القضائية قد أعادت صياغة هذا البيان الصادر عن “اتصالات المغرب” من أجل حذف المعطيات المتعلقة بالنقطة الجغرافية التي كان يوجد فيها الهاتف الجوال، والتي تتزامن مع التواريخ المسجلة على تسجيلات الفيديو، وهي معطيات من شأنها تقديم الدليل على براءة توفيق بوعشرين لكونه كان موجودا بعيدا عن مكتبه في وقت تسجيل تلك الفيديوهات التي تزعم الشرطة القضائية أنها الدليل على ارتكابه الجرائم المنسوبة إليه، ولكن النيابة العامة أصرت على رفضها تمكين دفاع بوعشرين من النسخة الأصلية لبيانات “شركة اتصالات المغرب”. 24- لقد عبرت المحكمة عن رفضها لطلب دفاع بوعشرين عندما رغب في الاطلاع على ملف مكالمات السيد بوعشرين عبر هاتفه الجوال قبل تعديل هذا الملف من طرف الشرطة القضائية، علما أن هذه الأخيرة تسلمته من شركة اتصالات المغرب ولازال في حوزتها. 25- وعلاوة على ذلك، فقد رفضت المحكمة بلا مبرر ولا تعليل طلب إجراء خبرة تقنية مضادة لتلك التي طالبت بها النيابة العامة من طرف مختبر الدرك الملكي، (علما أن الدرك الملكي يتوصل بالتعليمات من النيابة العامة)، كما رفضت استدعاء الخبراء ليقدموا أمام المحكمة نتائج خبرتهم ويجيبوا عن أسئلة دفاع المتهم، ومرة أخرى كان هذا الرفض بلا سند قانوني ولا مبرر. 26- ومن بين الطلبات المرفوضة من طرف المحكمة هناك الطلب المقدم خلال جلسة 24 أكتوبر 2018 من أجل الإتيان بهاتف السيد بوعشرين، علما أنه من الأشياء التي حجزتها الشرطة القضائية، وهي توجد في حوزة المحكمة. 27- إن هاتف بوعشرين مهم جدا لأنه يسمح للمحكمة بقراءة الرسالة النصية التي أرسلها إلى توفيق بوعشرين صديقه جمال خاشقجي (قبل اغتيال هذا الأخير مؤخرا في اسطنبول) يحذره فيها من أن سلطة العربية السعودية قد تفكر في اغتياله، انتقاما على مقالاته المنشورة على موقع “العربي الجديد”، وعلى صفحات “أخبار اليوم “، والتي ينتقد فيها قرارات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 28- إن دفاع السيد بوعشرين يتوفر على شهادة مضمونها أن المملكة العربية السعودية وجهت رسالة إلى السلطات المغربية، تشتكي فيها من مقالات السيد بوعشرين حول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 29- منذ اعتقاله بتاريخ 26 فبراير 2018، يخضع السيد توفيق بوعشرين للمضايقات في السجن والمحكمة على السواء: منها العزلة في زنزانة انفرادية، والمنع من التوفر على ساعة يدوية لمعرفة الوقت، وحظر المراسلات مع عائلته، وتقليص مدة الزيارة العائلية إلى 30 دقيقة أسبوعيا، والمنع من الأكل خلال ساعات طويلة في المحكمة، على الرغم من أنه يعاني من مرض السكري ومنعه من ممارسة واجباته الدينية في المحكمة لأن جلسات المحاكمة تدوم طويلا، بالإضافة إلى تصرفات لا إنسانية ومُهينة من طرف محاميّي الأطراف المدنية خلال جلسات المحاكمة بهدف التأثير على توازنه النفسي واستفزازه، لعله يسقط في الفخ ويُقدِم على تصرفات غير لائقة أمام المحكمة. 30- كل هذه التصرفات التي كان يتعرض لها الصحافي بوعشرين كانت تحدث تحت أنظار النيابة العامة والمحكمة دون اعتراض من هذه الأطراف، بل في بعض الأحيان بالتواطؤ معها. 31- لقد وضع محامو بوعشرين لدى محكمة النقض شكاية تستنكر التعذيب النفسي الذي يمارسه الوكل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء على توفيق بوعشرين، وذلك عملا بمقتضيات معاهدة الأممالمتحدة ضد التعذيب، ولكن الوكيل العام في محكمة للنقض رفض أن يفتح ملفا في هذا الشأن، علما أنه هو الرئيس المباشر حسب التسلسل الهرمي للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء. 32- كما رفضت المحكمة دون سبب طلب إجراء خبرة طبية على توفيق بوعشرين لمعرفة مدى تعرضه للتعذيب النفسي؛ وفي الختام، فإن إدانة الصحافي توفيق بوعشرين بالسجن لمدة 12 عاماً، ما هي إلا تتويج لرحلة طويلة من الانتهاكات الجسيمة للنصوص الدستورية والقواعد الأساسية للمحاكمة العادلة. ومن بين المفاتيح التي تدل على الطبيعة السياسية لهذه المحاكمة كلها وهذا الحكم الصادر في حق توفيق بوعشرين، هناك المعطيات التالية التي نوجزها في ما يلي: أ- لقد أدانت المحكمة الصحافي توفيق بوعشرين بتهمة اغتصاب السيدة نعيمة الحروري، دون أية أدلة على هذا الاغتصاب. ب- في حالة السيدة نعيمة الحروري لا تتوفر المحكمة على أي تاريخ، ولا أية تفاصيل عن مجيئها المُفترَض إلى مكتب السيد بوعشرين، ولا على أي شاهد يدلي بشهادته عن هذا المجيئ أو الوقائع المرتبطة به، ولا عن أية شهادة طبية، ولا عن أي تسجيل بالفيديو يعزز الاتهام بالاغتصاب الذي تزعمه السيدة الحروري في حق الصحافي توفيق بوعشرين . ج- من المفيد التذكير أن نعيمة الحروري عضو في ديوان وزيرة السياحة السيدة لمياء بوطالب، التي تتوفر على مقعد في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرأسه وزير الفلاحة عزيز أخنوش، والذي كان بدوره قد رفع دعوى قضائية ضد توفيق بوعشرين، مطالبا بسجنه ومنعه من مزاولة مهنة الصحافة لمدة عشرة أعوام. د- لقد تناول السيد بوعشرين في مقالاته حالة تضارب المصالح التي يتخبط فيها السيد عزيز أخنوش لكونه وزيرا في الحكومة، وفي الوقت نفسه رجل أعمال يمتلك أكبر شركة لتوزيع الوقود في البلاد، وبهذه الصفة، فهو المستفيد الأول من الدعم المالي الحكومي لمادة الوقود، أو ما يسمى المحروقات أو الهيدروكربونات (قيمة هذا الدعم تبلغ 3 ملايير دولار في السنة). ه- هناك إجماع لدى الطبقة السياسية المغربية أن السيد عزيز أخنوش، هو الرجل الذي تراهن عليه االسلطة في المرحلة الراهنة من أجل الاستمرار في الهيمنة على الحقل السياسي المغربي.