جسر جوي جديد بين تشنغدو ودبي.. دفعة قوية لحركة التجارة العالمية    حصاد وفير في مشروع تطوير الأرز الهجين بجيهانغا في بوروندي بدعم صيني    البوليساريو تنهار… وتصنيفها حركة ارهابية هو لها رصاصة رحمة    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    مالي والنيجر وبوركينافاسو.. جلالة الملك يستقبل وزراء خارجية دول الساحل    أسعار الذهب تبصم على ارتفاع كبير    رئيس الحكومة الإسبانية: استعدنا 50% من إمدادات الكهرباء.. ونعمل على استرجاع الوضع بالكامل    الأمن يفكك شبكة إجرامية متخصصة في تأسيس شركات وهمية والتزوير    "حريق تغجيجت" يوقف 4 قاصرين    عضو في الكونغرس الأمريكي يؤكد دعم "انتفاضة الشعب التونسي" ضد قيس سعيّد    اضطرابات في مطارات المملكة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا    الملك يستقبل وزراء خارجية بلدان تحالف دول الساحل    الملك محمد السادس يهنئ بنكيران    ببلوغ نهائي كأس إفريقيا للأمم .. "لبؤات الفوتسال" يتأهلن إلى المونديال    فاتح ذي القعدة غدا الثلاثاء بالمغرب    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    انقطاع الكهرباء في إسبانيا والبرتغال وفرنسا يوقف خدمة الإنترنت لشركة أورونج في المغرب    وزير العدل.. مراجعة الإطار القانوني للأسلحة البيضاء أخذ حيزا مهما ضمن مشروع مراجعة القانون الجنائي    التوفيق: إجمالي المكافآت التي قدمتها الوزارة للقيمين الدينيين في 2024 بلغ مليارين و350 مليون درهم    برلمانات الجنوب العالمي تعوّل على منتدى الرباط لمناقشة "قضايا مصيرية"    "الأخضر" ينهي تداولات البورصة    تداعيات الكارثة الأوروبية تصل إلى المغرب .. أورنج خارج التغطية    مهنيو الصحة بأكادير يطالبون بحماية دولية للطواقم الطبية في غزة    الكهرباء تعود إلى مناطق بإسبانيا    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    الرياح القوية تلغي الملاحة البحرية بميناء طنجة المدينة    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    شبهات هجوم سيبراني بخصوص الشلل الكهربائي الشامل في إسبانيا    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    بوتين يعلن هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الساسي: على الملكية أن تحرق كل السيناريوهات المعدة لانتخابات 2021 -حوار
نشر في اليوم 24 يوم 14 - 11 - 2018

يتحدث، القيادي الاشتراكي، والأستاذ في العلوم السياسية، محمد الساسي في هذا الحوار، بنبرة تشاؤم لكن دون أن يفقد الأمل، فيما يخص الوضعية السياسية الراهنة. فالرجل يعتقد أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تستحوذ على مساحات وصلاحيات جديدة. ويقول إن على جميع الملكيات أن تفهم أن موجة أخرى من الربيع ستأتي. الساسي وإن كان يظن بأنه يمكن ألا نصل إلى الديمقراطية مع الملك محمد السادس، فإننا قد نصلها مع الحسن الثالث، لأنه لا مجال للهروب منها.
ما هو المدخل الناجع للانتقال الديمقراطي؟ وهل لك أن توضح لنا ماذا نعني بهذا الانتقال؟ وما هو الفرق بينه وبين الانفتاح السياسي؟
في البداية، لا بد أن نجرد المراحل السياسية التي مر منها المغرب منذ الاستقلال، أولاها المرحلة الممتدة من سنة 1956 إلى 1962، والتي يمكن أن نسميها مرحلة الديمقراطية المؤجلة، إذ عادة عندما تحصل البلدان على استقلالها، فإن أول إجراء تقوم به هو أنها تضع دستورا، لكننا في المغرب لم نقرر في وضع الدستور إلا بعد مرور سبع سنوات. واليوم، يتم تداول مقولة مفادها أن الطبقة السياسية غير مؤهلة سياسيا، وحرمانها من الديمقراطية هو لهذا السبب؟ وأنا أتساءل، هل الطبقة السياسية منذ 1956 إلى 1962 لم تكن مؤهلة سياسيا، خصوصا وأنها كانت تتمتع بسمعة طيبة وشعبية كبيرة، وكان لها احترام في الداخل والخارج، ومع ذلك لم تحصل على الديمقراطية. لقد أفسدوا الأحزاب السياسية وأصبحت لهم حجة يتذرعون بها باعتبار أنها غير مؤهلة.
من سنة 1962 إلى سنة 1965، عشنا ما يمكن أن نسميه ب”الديمقراطية الحسنية”. فقد وضع الحسن الثاني دستورا على مقاس شخصه وطموحاته وأفكاره ورغبته في الانفراد بالسلطة. دستور 1962 وكل الدساتير التي ستأتي في عهد الملك الحسن الثاني، كان بداخلها الحسن الثاني بكامل ثقله، فانطلقت الديمقراطية الحسنية بفكرة أننا نحن بالمغرب ليس بإمكاننا أن نعيش ديمقراطية بالكيفية التي تعيش بها الشعوب الأخرى.
هذه “الديمقراطية الحسنية” وعلى علاتها تضايق منها الحسن الثاني، فأعلن حالة الاستثناء، وهنا سندخل إلى ما يمكن أن نسميه ب”الديمقراطية المعلقة”، والتي امتدت من سنة 1956 إلى سنة 1977، حيث تم فيها تعليق الدستور والمؤسسات.
صحيح أنه تم إقرار دستور في سنوات 1970 و1972، وانتخبت بعض المؤسسات، إلا أن هذا لم تكن له أي قيمة لأن الحركة الوطنية قاطعته. وعمليا، حالة الاستثناء لم ترفع حقيقة إلا في سنتي 76 و77، بعدها دخلنا مرحلة أخرى يمكن أن نسميها ب”المسلسل الديمقراطي”، والتي ستستمر إلى غاية وفاة الملك الحسن الثاني في سنة 1999. و”المسلسل الديمقراطي” معناه أننا لن نُمنح الديمقراطية لأن المغرب كان يعيش هامشا للديمقراطية فقط، في حين كانت الأحزاب الوطنية الديمقراطية تريد أن تحول هذا الهامش الديمقراطي إلى ديمقراطية حقيقية.
بمجيء الملك الجديد محمد السادس سنة 1999، دخلنا مرحلة أخرى امتدت من سنة 1999 إلى 2002، وهي مرحلة ما يمكن أن نسميه بالعهد الجديد، كانت فيها عدد من الإشارات الإيجابية الكثيرة، والتي استرعت انتباهي هي حين قالت الإذاعة والتلفزة إن الملك قرر أن نفقات عيد العرش سوف تتحول إلى الأعمال الاجتماعية ولن يتم الاحتفال به، وخرجنا من مبرر إنفاق عدد كبير من المال بشكل باذخ لأنه لا يتماشى مع إمكانات الشعب المغربي.
في سنة 2003، وقعت أحداث 16 ماي الإرهابية، ومنذ تلك الفترة إلى سنة 2011، يمكن أن نسمي هذه المرحلة ب”الملكية التنفيذية”، التي تقول بأن الملك يقود مشروعا تنمويا ووجد لكل سؤال من أسئلة التنمية جوابا وأطلق المشاريع الكبرى والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وفي إطار مستلزمات الملكية التنفيذية، تم الانطلاق في مسلسل تكوين ما سمي بحزب الدولة، تأثرا بمسلسل “البنعلة” (نسبة إلى رئيس تونس السابق بنعلي) في تونس.
عرف هذا المشروع مع انطلاق الربيع العربي وظهور حركة 20 فبراير بداية مرحلة ثانية، وهي مرحلة ستمتد من سنة 2011 إلى 2016، والتي أخذت شعار ما يسمى ب”الاستثناء المغربي”. إذ إن المغرب أحسن الطريق عوض الاقتتال الداخلي، فقال نحن نقوم بالإصلاحات، وبعبارة أبلغ نستعمل ورقة الإسلاميين، هنا تلاقت مصالحه الطرفين، خصوصا وأن لكل واحد استراتيجيته.
استراتيجية القصر هي استخدام الورقة الإسلامية لإطفاء الحريق ليس إلا. والإسلاميون اعتبروا أن هذه مناسبة لتحالف استراتيجي ولزواج كاثوليكي ما بينهم وبين الملكية، وفي هذا الزواج قبل الإسلاميون بتعليق الديمقراطية، وفي التصور البنكراني “أنا مساعد للملك”، و”الملك يقرر كل شيء”، بالمقابل يريدون أن يعطوا لحزبهم فرصة في أن يتطور داخل المجتمع وداخل أجهزة الدولة.
من 2016 إلى اليوم، نعيش مرحلة جديدة، هي مرحلة للغضب والتمرد وحرق ورقة “تريدون سوريا”، والدخول إلى مرحلة أخرى تتسم بالاحتقان وتنامي الحركات الجماهيرية.
هاته المراحل التي سردتُّها لا نشتم منها رائحة الانتقال الديمقراطي، فأول شيء في هذه المرحلة هو الدستور الذي يؤمن الانتقال الديمقراطي، وهو الذي ينبغي أن يتوفر فيه شرطان. الشرط الأول، هو أن يكون ديمقراطيا وفق المعايير المتعارف عليها، والشرط الثاني، هو أن يكون هذا الدستور متوافق عليه ما بين القوى الأساسية المتصارعة داخل المجتمع، ولا يكون دستور الغالب على المغلوب.
أما الدولة، فهي هيئة اعتبارية تمثل الجميع. إذن، في أي انتقال ديمقراطي لا بد من وجود دستور ديمقراطي وانتخابات مفتوحة ونزيهة، وانفتاح سياسي، وإصلاح اقتصادي واجتماعي، يركز أسس الحكامة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، وقائم على ضرورة مصالحة وطنية، وفيها تكون هناك عدالة انتقالية مصاحبة لها، وأشكالها مختلفة، نطوي صفحة الماضي والقهر وأن من يريد أن يغير الفريق والبرنامج الحاكم يجب ألا يقوم بثورة.
عندما نكرس لانتقال ديمقراطي لسنا محتاجين إلى ثورة لكي نغير الفريق الحاكم، ونغيره من داخل الدستور نفسه، وعندما تنتهي الانتخابات من حاز على ثقة الشعب نتيح له إمكانية تطبيق برنامجه، ومن وجد في المعارضة نعطيه جميع الحقوق التي تسمح له بالتداول ليكون غدا في موقع القرار.
هذه الشروط لم تتوفر في أي مرحلة من المراحل التي سردت، مررنا في المغرب بدورات فيها انفراج أحيانا، وتشدد في أحايين أخرى. مررنا من هوامش للحرية إلا مركز السلطة بقي واحدا وهو الملكية.
هناك صلاحيات جاء بها الدستور ولم يمارسها رئيس الحكومة، وأصبحنا أما تكتل للسلط بين يدي رئيس الدولة، هل لديك تصور وقراءة للمشهد السياسي الذي نعيشه اليوم؟
فيما يتعلق بالقرار السياسي هناك المصدر الرسمي للقرار، والمصدر المادي للقرار، الذي يعني السياقات المادية التي تدفع إلى اتخاذ قرارات بما في ذلك ضغط الفاعلين والمعارضين والاحتجاجات. وهناك المصدر الرسمي للقرار الذي هو معروف مصدره.
الذي يتضح فعلا، هو أن القصر لا يشتغل لوحده، وهذا مؤكد، في وقت تم الحديث فيه عن مجموعة 14، تضم مجموعة من الخبراء يضعون أنفسهم رهن إشارة القصر ويتعاونون معه في صياغة البرامج الاقتصادية والاجتماعية. هناك دوائر مختلفة، ولكن المهم أن الدور الذي يلعبه المستشارون يمكنه أن يرتفع أو ينخفض حسب شخصياتهم، وهناك لوبيات اقتصادية التي تتداخل مصالحها مع مصالح القصر، لكن هؤلاء كلهم يدورون في فلك القصر وحول شخص الملك. لذلك من الطبيعي أنه عندما يمنح أي شخص الخبرة، فإنها ليست بريئة، فهو يمنح الخبرة للوبيات تخدم مراكز النفوذ الذي كانت الداخلية تلعب دور التنسيق بينها، كما أن هناك شبكة تضم مديري المؤسسات الكبرى والعمال والولاة والمجموعات الاقتصادية الكبرى المرتبطة بشكل أو بآخر بالنظام الحاكم، كما كان هناك أحيانا دور للمستشارين وخبرة جزئية تقدمها بعض الأحزاب السياسية، وإن كانت بعيدة عن مربع القرار.. إلخ.
ما يمكننا قوله اليوم بصورة عامة، هو تنامي نفوذ الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وهي يوما عن يوم تقضم وتستحوذ على مساحات جديدة، وتحصل على صلاحيات جديدة، ونشتم من خلال القرارات أنه أولا، هناك نوع من التثمين الملكي الخاص لهذه الأجهزة، بمعنى أن داخل الخطاب الملكي هناك خطاب يركز على نقد جميع المؤسسات والأحزاب والإدارة، ولكن في المقابل، هناك إشادة بالأجهزة الأمنية والقوات العمومية، وهذا ما يعكس قوتها، ويمكنكم أن تذهبوا إلى بعض الصحافة لتجدوا أنها لم تعد لها من مهمة أكثر من التتبع والغزل في الأجهزة الأمنية، علما أننا في بلد من بلدان العالم الثالث لا يمكن للأجهزة ألا تقع في تجاوزات، والأكثر من هذا هناك تلميع دعائي بعملها، كما نشتم قوتها من خلال عدد من المحاكمات والمتابعات، واستعمال القوة أمام الاحتجاجات، والتي تكمن وراءها القوة المتنامية لهذه الأجهزة الأمنية التي يعتبر نجاحها في محاربة الإرهاب، وهو ما يمنحها الحق في الحسم في جميع الملفات ليس فقط، العمليات الإرهابية، بل حتى في الاحتجاج باعتباره شكلا من أشكال الإرهاب وتتعامل معه انطلاقا من منطق الإرهاب، بمعنى أن الأجهزة الأمنية تعتبر نفسها بأنها تستفيد من حصانة في قراراتها، بنفس الحصانة في محاربتها للإرهاب. هذه الأجهزة تريد أن تكون لها الحصانة المطلقة، وأحيانا يمكن لهذه الأخيرة أن تخطئ، خصوصا وأن المنطق الأمني ليس هو المنطق السياسي. ثم إن الأمني عندما يخطئ يحاول إصلاح الخطأ بالهروب إلى الأمام، وبمزيد من ارتكاب الأخطاء أحيانا. بمعنى، حتى التوازن أصبح مفتقدا بين الحقول المختلفة التي تدور حول المحيط الملكي، وحول دائرة القرار المعروفة تقليديا في المغرب.
في السياق نفسه، ما هو الدور الذي ما تزال تلعبه الأحزاب السياسية، بالنظر إلى الصورة السيئة التي بدأت تكرس بخصوصها؟ ثم ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه في هذا الإطار؟
في السابق، كان الملك الحسن الثاني هو من رسم القواعد السياسية في المغرب، حيث تمت محاولة فرضها، ومن جملتها السيادة الملكية والضبط الحزبي والانتخابي، وكذا استعمال الثقافة التقليدية لتسويغ السلطة المطلقة، والاعتماد على العلاقات الخارجية وإسداء الخدمات للجميع، ومن هذه القواعد أيضا، الضبط الحزبي والانتخابي، والدفع بالأحزاب السياسية إلى القبول بقواعد اللعب، وأولاها هي القبول بالسيادة الملكية وليست الشعبية، وأن كل ما يصدر عن المصدر الملكي يجب أن تكون له الأولوية وأن ننضبط له. وكانت هذه القضية تهم الأحزاب التي كنا نسميها أحزابا إدارية، والتي كانت تتوفر على نوع من مقومات الاشتغال، في مقابل الأحزاب الوطنية الديمقراطية التي كانت تتميز عن الأحزاب الإدارية ببعض المواصفات، من جملتها استقلالية القرار، ونزاهة الوسائل المستعملة في الانتخابات. هذه الأحزاب قررت وانتهت إلى أن تقبل بالقواعد التي كانت تقبل بها الأحزاب الإدارية، ولكن هذا القبول ليس مجانيا، بل مقابل حصولها على منافع، خصوصا وأنه أصبح لها توجه قار في المشاركة في جميع الحكومات إلا إذا قيل لها لا تشاركي، وجميع الحكومات تشارك فيها بدون نقاش أولي عن البرنامج.
الذي يمكن أن نخلص إليه، وهو أن سياسة الضبط التي استعملها الحسن الثاني لضبط الأحزاب السياسية نجحت. ويتجسد هذا النجاح في ضبط الأحزاب السياسية. وهذا الضبط له وجهان، وجه مجازي، ووجه حقيقي وهو أن القرارات تصدر من فوق ويتم الاتفاق عمن سيترشح، وهناك وسطاء يبلغون الأحزاب السياسية بهذه القرارات.
ولكن يوم حارب الحسن الثاني الأحزاب السياسية محاربة شرسة، قام جزء من العسكر بالانقلاب، ففهم بأن تبخيس السياسي وتهميشه يؤدي إلى أمور غير سليمة. اليوم، نجحوا نسبيا في ضبط الحقل الحزبي، لكنهم عجزوا عن ضبطه برمته. بالنسبة إلينا نحن ننتمي إلى حزب ينتمي إلى حقل حزبي ممانع، يريد ديمقراطية حقيقية في البلاد.
فباستثناء الحزب الاشتراكي الموحد والإخوان في النهج الديمقراطي وبعض التنظيمات الإسلامية المعارضة، الكل يقبل بتعليق الديمقراطية مقابل المشاركة في الحكومة، لكن نحن في فيدرالية اليسار نعتبر أن مسألة الديمقراطية لا تقبل التعليق والتأجيل، وهي الأساس الذي من خلاله ننظر إلى الملاءمة أو عدمها للتصويت على الدستور، أو ملاءمة من عدمها للتصويت على المشاركة في الحكومة، أما باقي الأحزاب، ومن الآن، إذا اقترح الملك دستورا جديدا سيكون جوابها معروفا هو: نعم. ولو أصبح الراحل الملك الحسن الثاني ماركسيا في يوم من الأيام لأصبحت تلك الأحزاب ماركسية، مادامت منافعها مضمونة في ذلك النظام السياسي. في وقت سابق تم استبعاد الأحزاب، فانتفض جزء من الجيش. واليوم، يتم استبعاد الأحزاب، فانتفض جزء من المجتمع الذي تحرك بدون تأطير في غضب، والذي نعتبر غضبه مشروعا، كما نعتبر أنفسنا جزءا من مطالبه، كما أننا لا نعتبر أن جميع الاحتجاجات والمطالب في خلفيتها لها أساس في السجل الديمقراطي، ولكن مع ذلك، وفي العموم، نعتبر أن الغضب يجب أن يكون قاطرة في اتجاه التغيير والنضال الديمقراطي، وليس في اتجاه الانفجار.


ألا تعتقدون أنه مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات وأشكالها المتعددة، أننا أمام فاعلين جدد ليسوا أحزابا ولا جمعيات للمجتمع المدني، هم من أصبحوا يمتلكون طرقا للتعبير خاصة بهم؟
هذا صحيح تماما. نحن اليوم، نجد أنفسنا أمام فاعلين سياسيين جدد، لذلك لم يبقى الفاعل السياسي التقليدي، نحن أمام فورة وغضب وعصيان ناعم، أو تمرد فئات وقطاعات من الشعب المغربي، لكن في المقابل هناك من سيقول إنها “ضسارة” ويواجهها بالقمع، وهناك من سيحاول أن يفهم الأسباب التي دعت إلى كل هذا ويحاول معالجتها، وهذا ما ينبغي على جميع الملكيات أن تفهمه، أي إن موجة الربيع الأولى فشلت وستأتي موجة أخرى. الديمقراطية في نظري هي اتجاه بطيء، يمكن ألا نصلها مع الملك محمد السادس وقد نصلها مع الحسن الثالث، لا أعرف، ولكن سنصل إلى الديمقراطية، ثم ليس هناك أي إمكانية للهروب منها، لذلك لم يعد بالإمكان اليوم، أن يُحكم شعب بغير الديمقراطية. إذ إن المجتمعات التي لا تتوفر على الديمقراطية، سوف تتحقق فيها في يوم من الأيام، والفارق هو، هل نريد أن نكون من صناع التاريخ أو خاضعين له.
هناك احتجاجات منتشرة جغرافيا، تتميز بحمولة في مطالبها وخطاباتها، ثم إن الوقت الذي كان يُقال فيه إن “الملك مزيان والمحيطين به هوما اللي خايبين” انتهى. الآن، الناس تُحمل المسؤولية للملكية، وهذا لا يمكن أن نعتبره تطاولا أو مسا بهيبة الملكية، بل بالعكس، على الملكية أن تفهم بأنها اليوم، هي مُساءلة لكي تغير الكثير من الأشياء، وينبغي أن تتنازل عن الكثير من الامتيازات، حتى تترك الأمور تمشي بسلسة، ويحصل الانفراج ونتقدم إلى الأمام ولا يقع الانفجار، ووقوع أشياء لا قدر الله، يمكن أن تضع المصالح الوطنية الكبرى في خطر، وليس مجرد نظام سياسي.
أصبحنا اليوم، أمام أنواع من حقول الاحتجاج. احتجاج في الفضاء الأزرق، وفي الشارع، وفي الملاعب الرياضية، والحركات المبدعة، والآن، أصبحت لنا من الأغاني المعارضة للنظام أكثر من الأغاني المؤيدة له. سابقا، كان يتم المناداة بالمقاطعة الشعبية للبضائع، ولم تكن تنجح، لماذا اليوم نجحت؟ وفي المقاطعة وقع تحالف عملي ما بين الطبقات المتوسطة. جزء كبير منها فئات متعلمة تعرف التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك من جهة أخرى، عموم الشعب، حيث التقوا حول الشعارات ذاتها. الناس اليوم، يتحدثون عن مشاكلهم ويربطونها بالسياق السياسي، ويقولون بأن المغرب لا ينبغي أن يُحكم بالطريقة نفسها التي حُكم بها في الماضي.
الناس تعبوا من الطريقة التي تُحكم وتدار بها البلاد، بمعنى آخر المطلوب من الملكية، هو أن تتلقى هذه الدروس بشكل إيجابي حتى يمكنها أن تفتح آفاق التطور.
ما هو منشأ غضب المغاربة؟ هناك من يعتقد بأن “الناس ضسروا”، وهناك من يحرضهم، وهذا قيل في بداية قضية الريف، لأن موجة الغضب بدأت مع موجة “البلوكاج”. إذن، أسباب الغضب واضحة أمامنا.. احتجاج المغاربة اليوم، ليس لأنهم رفضوا الاستغناء عن بنكيران ورفضوا رحيله، الأمر ليس مرتبطا بشخص بنكيران، الأمر أكبر من ذلك، هو رفض لِما يتم الترتيب له مسبقا، وإجراء الانتخابات لمنحه الشرعية.
لنأخذ على سبيل المثال قضية اعتقال الصحافي توفيق بوعشرين، في هذه النازلة أنا أقول من الضروري أن نستمع للمشتكيات، فلهن الحق في ذلك، صحيح أنه من ضمن المشتكيات اللواتي قلن اللهم إنا هذا منكر من بعد: “نحن لم نشتك ببوعشرين”، وهذا يطرح علامات استفهام كبيرة. ولكن لماذا أزعج توفيق بوعشرين الناس، أزعجهم لأنه دافع عن بنكيران. ثانيا، لأن عنده معلومات ويكشفها. هو ليس عرافا، ولكنه يكشف مزاجية اللعبة.
مؤخرا، أصبحنا نلاحظ غيابا واضحا للملك خارج أرض الوطن، هل يمكن أن نعتبر هذا مؤشرا إيجابيا أو سلبيا؟ وما هي الأمور التي تعتقد بأن على الدولة القيام بها للخروج من هذا الغضب والاحتقان الاجتماعي؟
بالنسبة إلى الغيابات المتكررة للملك، كان الصحافي الإسباني سمبريرو كتب بأن المغاربة مشغولون بغيابات الملك والأحزاب السياسية لا تثير هذه المسألة، ولكنني أرسلت له مقتطفات من أرضية الحزب الاشتراكي الموحد في مؤتمره الأخير، والتي تطرقت إلى غياب الملك في سياق الحديث على أن مفهوم الملكية التنفيذية موجود الآن في أزمة، لأن الخطابات الملكية تقول لنا إن المشروع التنموي فشل، ولكن في الوقت ذاته قائد المشروع التنموي هو الملك. إذن، مفهوم الملكية التنفيذية لم يعد صالحا، والأسباب التي أدت إلى فشل المشروع التنموي توضع في الحد الأدنى، هل فشل المشروع التنموي أو تنفيذه؟ هناك تناقض بأن الملك قائد المشروع التنموي، والقول بأن المشروع التنموي فشل، لأن معنى هذا أن المفهوم وصل إلى نهايته واستنفذ أغراضه. بمعنى أن المشروع التنموي ينبغي أن يُبنى انطلاقا من صناديق الاقتراع، وإذا ما فشل المشروع، الذين يتحملون المسؤولية، يتم عقابهم، وذلك بإبعادهم عن المسؤولية. ولكن في هذه الحالة المفروض أن الملكية ثابتة ومستمرة ووراثية، لهذا أصبح هذا المفهوم في أزمة، والدليل على ذلك هو الغضبات الملكية التي أصبحت بديلا عن قواعد الحكامة، ومنها إبلاغ مسؤول بأن الملك غير راض عنه أو “ساخط عليه”، وهي مفاهيم تقليدية تؤكد أن ذلك الشخص هو خادم عند شخص الملك، وليس خادما للدولة التي رئيسها هو الملك.
مفهوم الملكية التنفيذية وصل حقيقة إلى أزمة، والمحتجون غاضبون على الطريقة التي تُسير بها البلاد، وعلى الطريقة التي يحكم بها المغرب ويعتبرون بأنها طريقة تجاوزها الزمن.
إذا ما زادت الاحتجاجات في مدتها الزمنية، ألا ترى بأنه من الممكن أن تتحول إلى أشكال سياسية جديدة؟
الاحتجاجات أصبحت تربط بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي، وتربط بين فئات اجتماعية مختلفة، التي أصبحت لها أيقونات، على الرغم من أنها ليست كلها احتجاجات مشروعة. تنامي هذه الاحتجاجات الآن هو تعبير عن احتقان يمكن في حالة عدم التقاط إشارات جدية لتجاوز النفق، أن تتحول إلى أشكال سياسية، وهنا كان الملك الحسن الثاني ينجح بين الفينة والأخرى في تقنية يستعملها هي التنفيس الدوري المستمر. ما نلاحظه اليوم، هو أن الآمال والأبواب التي سدت في وجوهنا تؤشر على مرور المغرب اليوم من حالة احتقان، وأنا في اعتقادي أن المسؤول الأول على القيام بإشارات في اتجاه تجاوزها هو الملك، وأظن أن الاحتجاجات لا تنازع في شرعيته، ولكن تنازع في شرعية الأساليب والوسائل التي في نهاية المطاف تقع على مسؤوليته، لذلك الناس يخافون عندما يكون الملك خارج البلاد. كيف يمكن أن تسير البلاد من غير الملك؟ كما يتساءلون عن سبب غيابه، هل بسبب المرض. كل هذه التساؤلات مشروعة علينا أن نتعامل معها بكل شجاعة. يمكن لهذا الاحتقان والاحتجاج أن يستمر ويمكنه أن يؤدي إلى انفجار، ولكن تبقى هذه الاحتجاجات مفتوحة على احتمالين، إما الانفجار أو التأطير، وهذا ما نقوم به عندما نكون وسط هذه الاحتجاجات لكي نحولها إلى احتجاجات إيجابية، داخل المسار الديمقراطي، ولا نركب عليها لكي نخدم مصالحنا، ولا نقوم بالاحتجاج من أجل الوصول إلى الحكومة، وإنما لكي تتغير الأمور في بلادنا. أن يصل الاحتجاج لكي تصبح له قيادة تؤطره، هذا ما نأمله، ونحن مستعدون لنساعد على حصوله، ولكن في الزمن المتاح الآن، يتبين أن المسألة ستأخذ وقتا طويلا، أو إن هذه الاحتجاجات ستؤدي إلى الانفجار. نحن في الحزب الاشتراكي الموحد لا نريد الوصول إلى هذه المرحلة، وإشارات الانفراج التي ينبغي أن تكون لا تعني التغيير، الانفراج ضروري لبداية مسلسل التغيير، ولكن نحن لا نبيع التغيير مقابل الانفراج.
الانفراج قد يكون مقدمة للتغيير وقد لا يكون، لكن نحن متشبثون بهما معا، بالانفراج لأنه ضروري، وبالتغيير لأنه هو الوحيد الذي يضمن الاستجابة للعصر وقضاياه، أي أن نصل إلى بناء الديمقراطية والجواب على تحدي التنمية. ومن مقدمات ذلك إطلاق سراح كافة المعتقلين، وتقديم تنازلات، مثلا إنشاء صندوق خاص بالبطالة، مع الإفصاح عن تشغيل مليون من العاطلين بعد سنة أو سنتين، بما فيها الملكية ينبغي أن تتنازل عن عدد من امتيازاتها المادية ومن المظاهر المستفزة، فوراء كل فاجعة نرى بأن هناك مسؤولية لنمط الحكم وتسيير البلاد، كما أنه ينبغي للإعلام السمعي البصري أن ينفتح أمام كل الطاقات، والسماح لكل من يتكلم وينتقد أن يحضر إلى التلفزيون وتتم مناقشته والاستماع إليه، ويقول لنا كيف يمكن لنا أن نتجاوز أي مشكل، كما أنه لا بد من أعمال رمزية نتخلى من خلالها عن عدد من الطقوس والمراسيم والمقتنيات والأنشطة الباذخة التي تستفز المواطنين.
أعتقد أنه من الأشياء التي تعيد الثقة في صفوف المواطنين، هي أن تجمع الملكية كل ماكيطات السيناريوهات المعدة مسبقا لانتخابات 2021 وتحرقها، وهذا لا يعفينا كأحزاب في فيدرالية اليسار من أن نتحمل مسؤوليتنا في الأخطاء التي يمكن أن تقع، لهذا ينبغي أن نوجد حيث يوجد المواطنون.
وإذا كان هناك من شعار فيه تجاوز لفظي، علينا أن نتحمل مسؤوليتنا لمنعه، لأننا لا يمكن أن نقول بأنه لا يهمنا أن يقع الانفجار، بل يهمنا ألا يقع، لأننا عندما قررنا أن نكون حزبا سياسيا، فهذا معناه أننا نخدم بلادنا حتى لا يقع الانفجار ونحقق الديمقراطية والتنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.