تزامنا مع جو الاحتقان، الذي يعرفه المجتمع المغربي وسط تصاعد موجة الهجرة السرية في صفوف الشباب المغاربة، تحول الاحتجاج على الأحداث الاجتماعية الساخنة من الشوارع، كما حدث منذ عام 2011، إلى مدرجات الملاعب، حيث رفع الشباب في الملاعب في مدن متفرقة شمالا، وجنوبا، خلال الأيام القليلة الماضية، شعارات قريبة من الواقع، غير مباليين بالمباراة، وهتفت حناجرهم، تنديدا بحالات اليأس والبطالة، و”حياة شهيدة الهجرة”. قضايا تفاعلت معها المدرجات قبل الشوارع مع انطلاقة الموجة الجديدة للهجرة السرية للشباب المغاربة نحو الجارة الشمالية إسبانيا، عبر “قوارب الموت” المتهالكة، في رحلات، وثقتها عدسات كاميرا هواتفهم المحمولة، مستعملين فيها تقنية البث المباشر، بداية شهر شتنبر الماضي، كان أول تفاعل مع الظاهرة من نادي “نهضة بركان”، الذي رفع الألتراس في إحدى مبارياته شعار كتب عليه “أسف يا وطني… انهكونا فاخترنا الهجرة”، وهو الشعار، الذي لقي تفاعلا واسعا، تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي بقوة. ولم يتوقف تفاعل الإلتراس مع موجة الهجرة السرية عند هذا الحد، إذ عندما قتلت الشابة حياة برصاص البحرية الملكية لتصبح “شهيدة الهجرة”، لم تخرج مسيرات احتجاجية للتعبير عن الغضب الذي كان مستشريا تفاعلا مع الحادث، وإنما تفجر الغضب بأصوات الشباب في المدرجات، حيث رفع إلتراس تطوان في مباراة لفريق المغرب التطواني شعارات غضب عن الحادث. ونقل ألتراس تطوان غضبهم من مدرجات الملعب إلى مسيرة احتجاجية جابت شوارع المدينة، مرددين شعارات “باي باي يا بلادي، إسبانيا تنادي”، أو “وداعا بلادي، إسبانيا تنادي”، و”الشعب يريد من قتل حياة”، و”الشعب يريد الحركة فابور”، أو “الشعب يريد الهجرة السرية بالمجان”، إلى جانب شعار ردد باستمرار هو “بيبا إسبانيا” أو “تعيش إسبانيا”. إّلتراس فريق الرجاء البيضاوي، كذلك، انطلق بقوة للتعبير عن تفاعل الشباب مع الواقع السياسي والاجتماعي، حيث كتبت شعارات كثيرة بقلب “الكرين بويز” كما يسمون أنفسهم، للتفاعل مع قضية الهجرة السرية، منها “قسمة حياتنا كحياة بلقاسم” وشعارات أكثر جرأة. شباب من الإلتراس: لا نؤمن بخطوط حمراء ونمارس حريتنا في التعبير داخل المدرجات متكتمين عن هوياتهم، علق أعضاء من الإلتراس عن موجة انخراطهم الأخير في التعليق عن الأحداث السياسية، والاجتماعية، في تصريح ل”اليوم 24″: “دورنا لا يقتصر على التشجيع، فقط، كما يعلم الجميع، الإلتراس له دور فعال داخل الملعب، وخارجه، وفرد المجموعة يكون مشجعا غير عاد، لأنه يتربى على نكران الذات من أجل الفريق، ونلتزم بتمرير أفكارنا عن طريق رسائل، بعدما منعتنا وزارة الداخلية من رفع التيفوات منذ سنتين”. وعن “مطبخ” الشعارات، التي ترفع، أو تكتب باسمهم، أوضح الإلتراس، في حديثهم مع “اليوم 24″، أن الفكرة تأتي من جميع أعضاء المجموعة، هناك خلية تدرس الأفكار، والمقترحات، لا نؤمن بوجود خطوط حمراء، نعتبر أنفسنا أحرارا، نمارس حريتنا داخل المدرجات على الرغم من محاولات التضيق علينا، نعبر عن آرائنا بالشعارات، والأغاني، التي تهتف بها حناجرنا، من بين الوسائل القوية، التي نعبر بها التيفوات”. وعن تفاعله القوي مع آخر أكبر القضايا، التي هزت الرأي العام المغربي، وهي قضية حياة بلقاسم “شهيدة الهجرة”، قال الإلتراس: “إن رسالتنا واضحة المعالم لا غبار عليها، بصفتنا جزءً من هذا المجتمع، من البديهي أن تكون قسمتنا، ونصيبنا في الحياة كالشهيدة حياة بلقاسم: فقر، وقمع، وتجويع، وشهادات جامعية حبيسة إطارات خشبية في غرف النوم، وانعدام تام للآفاق، ما يضعنا كشباب مغاربة بين أمرين: إما الصبر حتى يأتي الفرج، أو ركوب قوارب الموت، لذلك رفعنا شعار قسمة حياتنا كحياة بلقاسم”. الإلتراس بارومتر لقياس الحالة الاجتماعية من جانبه، يقول عادل بنحمزة، الأستاذ في كلية علوم التربية بالرباط، إن ظاهرة الاحتجاجات في مدرجات الملاعب ليست جديدة، فالمتتبع لحركة الإلتراس منذ سنوات سيكتشف دون كبير عناء، أن مدرجات الملاعب احتضنت الكثير من الشعارات، والمطالب ذات الطابع الاجتماعي؛ لكن السياق السياسي لم يكن قد نضج بما فيه الكفاية للانتباه إلى الحمولة السياسية لتلك الشعارات، وهي حمولة لا تحمل أي خلفيات إيديولوجية، أو تنظيمية، ولكنها تعبير عن عمق تجذر الإلتراس في البيئة الاجتماعية، لذلك يمكن اعتبار حركية الإلتراس في المدرجات عبارة عن بارومتر لقياس الحالة الاجتماعية، والغضب، الذي يعتري فئات واسعة من المجتمع. ويعود بنحمزة، في حديثه مع “اليوم 24” للدور الحاسم، الذي أدته الإلتراس في أحداث “الربيع العربي”، خصوصا في مصر (ألتراس فريقي الزمالك والأهلي، اللذين كان لهما دور بارز في ثورة 25 يناير، داعيا الدولة إلى الالتفات إلى هذا التعبير بالقول: “إن شعارات المدرجات هي حالة من حالات التفريغ الجماعي، وعلى الدولة أن تتبع إلى ما نبهنا إليه قبل سنوات من غياب برنامج يتعلق بمكافحة الفساد، و تركيز الموارد لخدمة مصالح ضيقة”. انتقال الشعارات إلى المدرجات دليل إضافي على قتل الحياة السياسية وعن انعكاس الاحتقان الاجتماعي على الشعارات المرفوعة في مدرجات ملاعب كرة القدم، قال بنحمزة إن هذا الانتقال دليل إضافي على قتل الحياة السياسية، وتحويل المجال السياسي من فضاء مفتوح لصراع أطراف النظام السياسي، إلى فضاء مغلق يهيمن عليه الصوت الواحد، والاتجاه الواحد، والاختيار الواحد، وهذا الأمر لم يستثن الأحزاب السياسية، ولا النقابات العمالية، ولا وسائل الإعلام، التي تحولت إلى مجرد جوقة من الكورال يمكن أن تردد أي شيء لتفلت بجلدها.. وشدد المتحدث ذاته على أن ما باتت تصدح به حناجر الشباب في المدرجات، ما هو إلا انعكاس طبيعي لكل مظاهر الهزيمة المعنوية، والمادية، التي تكشف أمام الرأي العام بلا مساحيق، مضيفا أن هذا الوضع سبق لكثيرين أن حذروا منه، لكن لم يتم التفاعل معه، كما أن التجارب المقارنة قدمت ما يكفي من الخلاصات، التي توضح أن مدرجات الملاعب سرقت ذلك الشعار الذي كان يقول إن لكل قضية في المجتمع صدى في الجامعة، ملخصا كلامه بالقول إن الوضع سيستمر مادام هناك استخفاف، واستهتار بحكم الديمقراطية والمؤسسات”. قلق حكومي من الشعارات السياسية للشباب في مدرجات الملاعب قبل سنتين، كانت وزارة الداخلية قد أصدرت بلاغا، على إثر ما شهدته مباراة لاتحاد سيدي قاسم، والمغرب الفاسي، وكذا المباراة، التي جمعت فريقي شباب الريف الحسيمي، والوداد البيضاوي، أعلنت بموجبه منع روابط الإلتراس، وتحريك المتابعات القضائية، بتنسيق مع المصالح المختصة، ضد كل من ينشط، فعليا، ضمن هذه الكيانات. علاقة عدم الود بين شباب الملاعب، والحكومة لاتزال مستمرة، حيث أظهر الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي قلق حكومة سعد الدين العثماني، من شعارات الشباب في المدرجات، وقال، قبل أيام قليلة، أثناء استضافته في برنامج إذاعي، عندما حدثه المنشطون الإذاعيون عن “شعارات مسيئة للوطن يغنيها الشباب في المدرجات”، (قال) إن “الشعارات المسيئة للبلاد مرفوضة “ داعيا إلى “عمل تأطيري” لوقف الشعارات السياسية، التي اعتبرها “مسيئة للبلد” والتي يرددها الشباب في مدرجات الملاعب.