بدا واضحا أن التوصيات التي خرج بها المجلس العلمي الأعلى عند اختتام آخر دورة له بمدينة مراكش، والتي عهد بتتبعها وتنفيذها إلى لجان مختصة، من المنتظر أن تمهد الطريق لتغييرات واسعة ستشهدها المؤسسة الدينية ستطال إعادة النظر في مهام الخطابة والوعظ، بناء على خطة تقويم جديدة ستضع ميثاقا للعلماء، وستعيد النظر في عمل المجالس العلمية المحلية، وتعمد إلى تطوير عمل الخلايا المتحركة داخلها بما فيها الخلايا النسائية تحديدا. حسب مصادر من المجلس، فقد اقترحت اللجنة المكلفة بالتقييم بخصوص متابعة الخطبة والوعظ وتقويم عمل الخطباء والوعاظ، جملة من الإجراءات والمشاريع العلمية تروم تأطير الخطباء والوعاظ وتصحيح الوضعية العلمية لبعضهم، والارتقاء بمستواهم بالاعتماد على الدورات التكوينية والمواكبة عن قرب، كما سيتم حصر التحديات والعوائق التي تواجه عمل المجلس العلمي في البيئة الأوروبية واقتراح برامج عمل أكثر جدوى ونجاعة، لاسيما في مجال ضبط المساجد وتنشيطها، وتأطير الأئمة سواء الذين يجري استقدامهم من المغرب أو المنتمون للفضاء الأوروبي، في حين ستقوم لجنة مواكبة التعليم العتيق بالنظر في البرامج والمناهج المقررة في هذا النوع من التعليم من أجل ملاءمتها مع الأهداف المسطرة، بما يضمن خصوصية هذا التعليم الذي ظل عبر التاريخ حصنا منيعا يحمي ثوابت الأمة، عقيدة ومذهبا وسلوكا. في ما يتعلق بإحداث لجنة تتبع عمل المجالس العلمية المحلية، فستهدف إلى وضع خطط وبرامج عمل المجالس وإرساء آليات لتبادل الخبرات بينها وتعزيز التعاون الجهوي، عبر إعادة مشروع الخطة العامة التأطيرية لبرامج العمل المحلية، فيما يروم إنشاء لجنة تطوير عمل الخلايا النسائية، والارتقاء بعمل هذه الخلايا ليواكب ما يشهده العالم من تغييرات من خلال تجويد الوعظ والإرشاد لدى المؤطرات الدينيات كما وكيفا، والإبداع في إيجاد آليات للتنسيق بين الخلايا النسوية على المستوى الجهوي. حسب إدريس الكنبوري، الباحث في الملف الديني، فإن التغييرات الجديدة التي يباشرها المجلس العلمي الأعلى تستهدف إطلاق دينامية جديدة بداخله، بعد 14 سنة على ظهير تأسيسه في ظروف مختلفة عن تلك الفترة. فهو يعتقد أنه بعد إطلاق مشروع هيكلة المجال الديني في المغرب قبل أكثر من عشر سنوات، فإن المشروع لا يزال يتخبط ولم يجد الطريق إلى التنفيذ بالشكل المطلوب، فخلال كل هذه المدة كانت هناك تغيرات وتحولات كبرى على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي في المجال الديني، وطنيا كل هذه العوامل يرى الكنبوري بأنها تدفع المغرب إلى البحث عن موقعه في ظل التحولات الحاصلة، خصوصا في فرنسا حيث يتم اليوم التفكير في إعادة هيكلة المؤسسات الإسلامية والبحث عن بدائل جديدة بعد فشل البدائل التي تم وضعها في فترة نيكولا ساركوزي، مثل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي أنشئ عام 2003. وهو ما يؤشر بحسب إدريس الكنبوري، على الاهتمام أكثر بالمجلس العلمي في أوروبا، لأن تفعيل هذا المجلس سيلعب دورا كبيرا في ترويج النموذج المغربي، والتركيز على النساء أكثر في المرحلة المقبلة، لأن المشكلة الموجودة حاليا هي محاربة التطرف داخل الأسر والعائلات وجعل المرأة العالمة محورا مهما في هذا المشروع. من جانبه، يرى الباحث في الشأن الديني عيدودي عبد النبي، أن المجالس كانت تعمل بشكل محتشم أو تسير بطريقة المجالس السلطانية، لكن بعد أحداث 16 ماي بالدار البيضاء انتبه الفاعل الرسمي، إلى أن الحقل الديني أصبح في حاجة ماسة إلى إعادة الهيكلة وإلى ضرورة ضبط خطابه وفق ثوابت دينية صحيحة. فالمجالس العلمية بعد دستور 2011 ارتقى بها إلى مؤسسة دستورية، من مهامها الاستماع إلى التطور والدينامية الاجتماعية ومواكبتها ومحاولة الإجابة عن حاجيات المواطنين في الأمور الدينية.