يبدو أن القائد طارق حجار له مواهب متعددة غير كونه رجل سلطة، إلى الآن، وهو لم يكمل سنته الأولى في منصبه كقائد في وزارة الداخلية اكتشفنا أن ابن الجنرال ملاكم من الوزن الخفيف، وحلاق من الطراز الرفيع، فمباشرة لما عين في مدينة تمارة في المقاطعة السادسة السنة الماضية (لاحظوا التعيين الأول لقائد في بداية مشواره من المفروض أن يعين في منطقة نائية، ثم يتدرج في الاقتراب من المدينة، وليس العكس، فتعيين قائد جديد على بعد أمتار من الرباط قرب سكن العائلة ليس سوى شكل من أشكال الوجاهة والمحسوبية، هذا إذا كان الشاب طارق قد دخل إلى مدرسة تكوين الأطر في القنيطرة اعتمادا على كفاءته ودون وساطة من والده).. المهم، الشاب الوسيم عمد إلى لطم وجه سياسي قيادي في حزب التقدم والاشتراكية، ثم ولأنه «عادل»، لا يفرق بين يساري وإسلامي، ضرب، أسابيع بعد ذلك، مناضلا نقابيا من العدالة والتنمية، فضلا عن مواطنين آخرين بسطاء نالوا من «المنقي خيارو» على يد ابن الجنرال الذي لا يعرف لغة للحوار سوى استعمال قبضتي يديه. اشتكت النقابة، القريبة من الحزب الحاكم يا حسرة، واشتكى حزب نبيل بنعبد الله، الحزب المشارك في الحكومة، إلى وزارة الداخلية «تشرميل» القائد الزايغ، لكن وزير الداخلية آنذاك، امحند العنصر، وزميله الشرقي اضريس لم يقدرا على شيء سوى إدخال القائد إلى الإدارة المركزية، ثم إعادة إرساله إلى سيدي بطاش. لاحظوا العقوبة.. عوض فصله من العمل، أو توقيفه على الأقل، وإحالة ملفه على النيابة العامة للتحقيق في اعتدائه على المواطنين، جرى إبعاده عن الأضواء إلى أن تهدأ الضجة، وبعثه إلى سيدي بطاش، حيث البدو وأهل القرى «متعودون» على تجاوزات بعض القياد، ولا يشتكون إلى الصحافة ولا إلى البرلمان ولا إلى الجمعيات الحقوقية، بل يصبرون ويشتكون إلى الله العلي القدير. هنا سيكتشف القائد طارق موهبة جديدة كبرت معه دون أن يدري.. إنها موهبة حلق الرؤوس. لقد عمد إلى اعتقال «بوعزيزي سيدي بطاش»، وشحنه في سيارة القيادة بمساعدة أعوانه، ولأنه لا يتوفر على وسائل لإدانة المعتقل، ولأن تسريحة شعر أحمد لا تعجب القائد حليق الرأس، فإنه عمد إلى حلق شعره على طريقة الخراف، ثم شرع في السخرية منه وقال له، حسب ما روته عائلة أحمد: «شوف لمك لقد قرعنا لك، انظر الآن إلى صورتك كيف أصبحت». الشاب رجع إلى بيته بلا شعر وبلا كرامة، ومعه إحساس قاتل بالحكرة وعدم القيمة، فما كان منه إلا أن شنق نفسه، وترك الروح التي لا قيمة لها في الأرض تصعد إلى السماء.. ترك لنا رسالة خطيرة ومزلزلة: «إذا كنتم غير قادرين على حماية كرامتنا، فالموت يصير أقل كلفة من الحياة»... لماذا فكر أحمد في نصب مشنقة في الإسطبل والانتحار في هدوء بلا ضجيج؟ أولا، أظن أنه لم يقاوم الإحساس بالحكرة وضعف أمام المهانة، فليس كل البشر يملكون القدرة على الصبر. ثانيا، أحمد انتحر لأنه لم يقاوم الإحساس بعدم قدرته على حماية جسده، ووقف عاجزا أمام استباحة حرمته أمام السلطة، بما تعنيه هذه الأخيرة في عقول البسطاء من قوة وجبروت. ثالثا، شنق أحمد نفسه لأنه لم يتصور أن هناك أحدا في هذه الأرض يستطيع أن يرد له حقه، لا القضاء ولا الحكومة ولا المجتمع المدني ولا الصحافة. إنه يرى في القائد أكبر سلطة في قريته، يراه فرعونا لا يستطيع أحد أن يوقفه عند حده. عندما تحدثنا في هذه الجريدة مع أمه، وهي مكلومة بسبب فقد قطعة من كبدها، لم تزد أن قالت: «على هذا القائد أن يترك الكسوة»، أي يجب أن يُجرد من السلطة. لم تقل إن على هذا القائد أن يذهب إلى السجن، أو أن يحاكم، أو أن يُقتص منه لأنه كان سببا مباشرا في انتحار ابنها. لم تقل هذا وهي غاضبة لأنها تعرف طبيعة السلطة في محيطها، وتعرف، بتجربتها وثقافتها ومعيشها اليومي، أن المخزن لا يحاسب. لو علمت هذه المرأة أن الملك محمد السادس غضب من هذه الحادثة، وأمر بإحالة والد القائد، الجنرال حجار، إلى التقاعد المبكر عقابا له على عدم قدرته على تربية ابنه وعلى الحماية التي أعطاها لهذا الشاب ولد الفشوش، وأن الشرطة القضائية مازالت تحقق مع طارق، وأنه يواجه تهما ثقيلة.. لو علمت ذلك ربما غيرت رأيها...