بينما أنظار المغاربة مشدودة إلى أبنائهم المصطفين بمحاذاة الشواطئ ينتظرون المخلص (أو الفانتوم)، بعدما أعياهم الأمل وبلغ منهم اليأس في غد أفضل مبلغه، تفجر جدل بين الحزبين الرئيسيين في الحكومة؛ حزبا العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، فما الذي وقع؟ وما دلالاته؟ بحسب الوقائع، فإن الشرارة الأولى للمعركة اشتعلت في الحملة الانتخابية الجزئية بدائرة المضيقالفنيدق، على لسان عبدالعزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب “البيجيدي”، الذي وصف قيادة الأحرار، في سياق الحديث عن التقرير البرلماني حول أسعار المحروقات، وخصوصا ربح الشركات العاملة في هذا القطاع ل17 مليار درهم في ظرف سنتين، منها 4 ملايير درهم كانت حصة شركة “أفريقيا غاز”، التي يملكها عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ووزير الفلاحة والصيد البحري، في هذا السياق، تحدث أفتاتي عن “كارتيلات” تسيطر على القطاع، وعن حملة المقاطعة التي أسقطت حلم أخنوش في تصدر المشهد الحزبي. تصريحات أفتاتي تقرر الردّ عليها في اجتماع للمكتب السياسي للأحرار، وهو الدور الذي أُسند إلى الوزير والقيادي رشيد الطالبي العلمي. العلمي، وفي افتتاح الجامعة الصيفية لشبيبة الأحرار بمراكش قبل أسبوع، وصف التنافس بين الأحرار و”البيجيدي” بأنه تنافس بين “مشروعين مجتمعيين”: مشروع لكل المغاربة ومشروع آخر دخيل، مؤكدا أن حاملي هذا المشروع الدخيل، في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية، “باغيين يخربوا البلاد”، وينبغي مواجهة هذا “المشروع التخريبي”. أشعلت تصريحات العلمي النار في حزب العدالة والتنمية، قيادة وقواعد، ويبدو أنه تقرر الرد عليه رسميا، كذلك، من قبل سليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب، الذي اختار منصّة “الفايسبوك”، ويبدو أن تصريحاته جاءت بعد استئذان الأمين العام، سعد الدين العثماني، بالنظر إلى الموقع التنظيمي للأول، وأيضا، نظرا إلى حساسية الموضوع وقوة الرد. فقد طلب العمراني، تلميحا، من الأحرار مغادرة الحكومة إذا كان الحزب الذي يقودها بالمواصفات التي ذكر العلمي، “أتساءل لماذا أنتم باقون في حكومة يقودها حزب بالمواصفات التي ذكرت؟ ولماذا تبقى هذه الحكومة أصلا؟ شيء ما ليس على ما يرام”. لم يكتف العدالة والتنمية بالرد الذي كتبه نائب أمينه العام، بل واصل ذلك عبر بلاغ للأمانة العامة في اجتماعها ليوم 25 شتنبر الجاري، والذي وصف تصريحات الطالبي العلمي بأنه “تهجم سافر، وغير مسؤول، ومناقض لمبادئ ومقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم العمل الحكومي”، قبل أن يدعو البلاغ الوزير العلمي إلى الاستقالة من الحكومة، “كيف يستساغ لوزير الاستمرار في حكومة يقودها حزب هو بحسب ادعائه: حزب يحمل مشروعا دخيلا يسعى إلى تخريب البلاد”. ضربات “البيجيدي” ردّ عليها بالأمس رئيس الأحرار عزيز أخنوش منتصرا لزميله في الحزب والحكومة، الطالبي العلمي، مستغربا بالأساس أن تتولى الأمانة العامة ل”البيجيدي” الرد على العلمي في بلاغ رسمي، مؤكدا أن ذلك “غير مقبول”. ولمّح أخنوش من جهته إلى استعداد حزبه فك أي ارتباط مع “الببيجيدي” إذا استمر الأخير في استهدافه، “من الآن فصاعدا، لم يعد من الممكن استهداف التجمع الوطني للأحرار بهذا الشكل غير اللائق”. ماذا يعني كل هذا اللغط؟ من المؤكد أن وجود الحزبين معا في الحكومة حصل على كره منهما معا، ف”البيجيدي” يحمّل الأحرار مسؤولية “البلوكاج” وكل الإهانات التي تعرض لها أمينه العام السابق، عبدالإله بنكيران، وبأنه كان سببا في “التمزق” الداخلي الذي لم يتخلص من آثاره حتى الآن. وفي المقابل، ترى قيادة الأحرار في “البيجيدي” تهديدا لمصالح الفئات الريعية التي يمثلها (أعيان، رجال أعمال، ..)، وترى في أخنوش فرصة لتعظيم تلك المصالح. إن وجود الحزبين معا في الحكومة نفسها، رغم التناقض بينهما في التوجهات والأولويات، حصل لأسباب أقوى منهما معا، تتعلق، أساسا، بطبيعة النظام السياسي والانتخابي، لذلك لا يُتصور أن يؤدي “البوليميك” الحالي بينهما إلى تفكك الأغلبية الحكومية، كما يرجح البعض، أو اقتناص الفرصة لاستبدال الأحرار بالاستقلال كما يحلم آخرون، خصوصا في ظل الأزمة الاجتماعية المستفحلة، كما تعكسها بقوة أسراب شباب “الفانتوم”. كل ما هنالك أننا أمام الدرجة الصفر في السياسة.