يبدو أن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية خرجت منتصرة من الدورة الاستثنائية لبرلمان الحزب، والتي وجّهت من خلالها عدة رسائل، بدءا بقواعد الحزب، ومرورا بحليفه حزب التقدم والاشتراكية، فضلا عن أن صيغة البيان الختامي كانت خالية من أي موقف يمكن أن يتسبب لها في “وجع الرأس” مع الأغلبية أو الجهات العليا. لقواعد الحزب، وجه العثماني رسائل عدة تهدف إلى خلق قناعة أن الحزب تجاوز الأزمة مع القصر، ومع الجهات الرافضة له في الدولة. من ذلك، القراءة التي قدّمها لخطابي الملك محمد السادس في عيد العرش الأخير وذكرى 20 غشت الماضي، على اعتبار أن كلا الخطابين لم يتضمنا، على غرار خطب العرش للسنوات الأخيرة، نقدا لأحزاب أو للحكومة، بل بالعكس تضمنا دعما للحكومة في عملها، ودعوة لها إلى تفعيل برامج الحكومة في الحماية الاجتماعية وحل مشكلات الشباب والتعليم وغيرها. في هذا الصدد، تم فهم حديث العثماني عن رغبته في “دخول سياسي متميز”، وكذا حديثه عن حزبه بأنه “القوة السياسية الأولى، وسيبقى”. وهي رسائل لا يمكن فهمها طبعا، دون استحضار “الهدية” التي قدّمتها حملة المقاطعة الشعبية لشركة “أفريقيا غاز” إلى العثماني وحزبه، كونها أسقطت مشروع أخنوش الذي ملأ الساحة لأشهر معدودات اعتقد معها البعض أن نهاية حكومة العثماني كانت وشيكة. رسائل العثماني يبدو أنها أثرت على مضمون النقاش داخل دورة برلمان الحزب، حيث غاب النقاش السياسي عن أغلبية المداخلات، وتم التركيز على قضايا تنظيمية، أو مشاكل المنتخبين في الجماعات المحلية التي يسيّرونها، لكن في لحظات معينة كانت تعود السياسة إلى خطاب أعضاء المجلس ما أدى إلى توتر في لحظتين: الأولى حين تدخل عزيز الرباح، عضو الأمانة العامة، للرد على بعض المداخلات التي انتقدت هيمنة الخطاب التقني والتدبيري على التقرير السياسي الذي قدمه العثماني في افتتاح دور المجلس، وهي مداخلات دعت إلى “عودة السياسة إلى خطاب الحزب”، فردّ الرباح بانفعال منتقدا أصحابها، ومنهم عبدالكريم النماوي، برلماني وعضو المجلس الوطني، “لما كنتي برلماني أسي النماوي، كنتي تجي عندي تطلب كلومتر ديال الطريق ماشي كلومتر ديال السياسة”، ما دفع النماوي إلى الاحتجاج وطلب الرد الذي تردد إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس الجلسة، في السماح به، قبل أن يتدخل عبدالإله بنكيران مطالبا الأزمي بمنح النماوي كلمة للرد على الرباح، مادام هذا الأخير قد أشار إلى النماوي باسمه ولم يكتف بالتعليق على فكرته. أما اللحظة الثانية، فكانت خلال مناقشة مسودة البيان الختامي لدورة المجلس، حيث ورد فيها الدعوة إلى ضمان المحاكمة العادلة للصحافي توفيق بوعشرين، ما دفع أنصار العثماني ووزرائه إلى التدخل من أجل المطالبة بحذف اسم بوعشرين من البيان الختامي، والحفاظ على موقف عام ينوه بالقرار الملكي بالعفو عن بعض معتقلي حراك الريف ويدعو إلى توفير شروط المحاكمة العادلة وتحصين حرية الصحافة وضمان حرية التعبير. وأثناء الجدل بين المؤيدين للحديث عن بوعشرين باسمه والرافضين لذكر الاسم، تدخل بنكيران مرة أخرى للقول بأن ما جاء في المسودة “هو القياس اللي خاصو يكون”. أما حزب التقدم والاشتراكية، فقد نال تأييدا وتضامنا واسعا داخل المجلس الوطني، سواء من قبل الأمانة العامة للحزب أو من قبل معارضيها، وهي المواقف التي عكسها البيان الختامي للمجلس الوطني للحزب الذي أكد على “أهمية التحالف الاستراتيجي المتميز والفريد، والذي يجمع حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية ويثمن عاليا دوره الأساسي وتضحياته في سبيل الديمقراطية، ويؤكد تشبثه بالشراكة النوعية والعمل المشترك، الذي يجمع الحزبين والقائمة على دعم البناء الديمقراطي والإصلاحات بحس اجتماعي كبير يشكل قاسما مشتركا بين الحزبين”. كما دعا بيان الدورة “القيادات الحالية والتاريخية في حزب التقدم والاشتراكية وكافة أخواتهم وإخوانهم فيه إلى المحافظة على هذا التحالف السياسي والحكومي تقديرا للمصلحة العليا للوطن، وتعزيزا للمكتسبات ومواصلة للبناء الديمقراطي والأوراش الإصلاحية والتصدي المشترك لكل محاولات النكوص عن المكتسبات”. ويكتسي موقف برلمان “البيجيدي” أهميته كونه يأتي قبل أسبوع من اجتماع حاسم للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية وسط انقسام داخله، بين الداعين إلى البقاء في الحكومة والحفاظ على التحالف مع “البيجيدي”، وبين الغاضبين الذين يدعون إلى الخروج إلى المعارضة. وهو الانقسام الذي تطور بفعل الضربات التي تلقاها هذا الحزب، سواء لما أعفي أمينه العام نبيل بنعبدالله من حكومة على خلفية حَراك الريف، أو الضربة الأخيرة المتمثلة في إعفاء شرفات أفيلال من كتابة الدولة في الماء دون علم قيادة حزبها. ويتخوف العثماني وأمانة حزبه من انتصار الغاضبين في اجتماع اللجنة المركزية المقبل، خصوصا وأن بينهم قيادات وازنة أمثال إسماعيل العلوي وخالد الناصري وعبد الواحد سهيل، فيما يبدو نبيل بنعبدالله مترددا في موقفه، ما يجعل من تصريحات العثماني وبنكيران والأزمي المتشبثة بالتحالف مع التقدم والاشتراكية رسالة دعم لأنصار البقاء في الحكومة. هكذا إذن انتصرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في دورة برلمان الحزب الاستثنائية، خصوصا وأنها هي التي دعت إليها بعدما كان مكتب المجلس الوطني قد طالب بها في يونيو الماضي، على خلفية حملة المقاطعة واستقالة الحسن الداودي من الحكومة، لكن قيادة الحزب اعترضت حينها وطلبت التأجيل، قبل أن تقرر فجأة على إثر التطورات الأخيرة داخل الأغلبية الحكومية الدعوة إلى عقد دورة استثنائية يبدو أن الغرض الرئيس منها دعم أنصار البقاء في الحكومة داخل التقدم والاشتراكية. انتصار العثماني توّج أخيرا بحذف كل ما يمكنه أن يشوش على علاقته بالجهات العليا أو بالخارج في البيان الختامي للمجلس، ذلك أن المسودة الأولى كانت تتضمن مواقف تضامن مع العلماء والمفكرين والسياسيين الذين أدينوا بحكم الإعدام في مصر والسعودية، قبل أن يتم التراجع عنها، حيث خرج البيان الختامي خاليا من أي إشارة في هذا الاتجاه.