بقطع النظر عن صحة التسجيل المسرب لأستاذ جامعي ومساومته لطالب بدفع مبلغ مالي مقابل الولوج إلى سلك الماستر، فإن ذلك لم يكن مفاجئا، وليس إلا بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة. لم يكن مفاجئا لسببين: أولا، بسبب تواتر قصص "رشاوي" مماثلة في جامعات مغربية متعددة في السنوات الأخيرة، حيث تحول بعض الأستاذة الجامعيين من وظيفتهم الأساسية، أي التدريس ونشر العلم، إلى "شناقة" (سماسرة) يستغلون مناصبهم لابتزاز الطلبة والطالبات بدفع المال والجنس مقابل الولوج إلى سلك الدراسات العليا أو الحصول على نقط لا يستحقونها. وثانيا، لأن الجامعات هي جزء من محيطها، فلا يمكن تصور أن تسلم الجامعات من فيروس الفساد والرشوة والمحسوبية في وقت تعشعش فيه هذه الأمراض في مختلف المؤسسات والقطاعات العمومية. الصراحة تقال، تضم الجامعات المغربية عددا من الأساتذة الغيورين والذين يعطون صورة مثالية للأستاذ الجامعي، من خلال بذل جهود استثنائية لتأطير الطلبة والتعامل معهم بمستوى إنساني راق، رغم اشتغالهم في ظروف صعبة وبيئة غير محفزة. وقد درست طيلة مساري الدراسي والجامعي في التعليم العمومي وقابلت أساتذة في غاية الرقي والجدية والإخلاص. وبالمقابل من ذلك، أصبحت الجامعات تضم نوعا من الأساتذة الساديين الذين ينشطون في تدمير الطلبة الجديين وابتزاز الطالبات "الجنس مقابل النقطة"، ناهيك عن الرشوة للقبول في سلك الماستر والدكتوراه، أما "السرقة العلمية" التي أصبحت متفشية في مختلف التخصصات، فحدث ولا حرج. هذه الظواهر تحتاج إلى دراسة من طرف الباحثين في العلوم الاجتماعية. كيف يمكن فهم تسرب الفساد إلى الجامعة؟ وما الذي يدفع أستاذا جامعيا لأن يمارس هذه السلوكيات؟ هل الأمر متعلق بالمستوى المؤسساتي، أم خيارات الأفراد؟ في الحقيقة لا يمكن تقديم إجابات مقنعة وكافية مع غياب دراسات موضوعية ودقيقة حول الموضوع، ولكن يمكن عرض أحد المفاتيح التي تساعد على تفكيك هذه المعضلة. هناك بعض التفسيرات التي تذهب إلى أن الفساد ينتشر في بعض القطاعات مثل الإدارات والشرطة والقضاء، بسبب وجود مصالح حيوية للمواطنين تقتضي لجوء عدد منهم إلى اعتماد الوساطات والرشوة لقضاء هذه المصالح. هذا المعطى غائب في الجامعة. فمن الناحية النظرية، فالجامعة هي فضاء للبحث العلمي ولا تتضمن مصالح حيوية أو يومية للمواطن تقتضي منه اللجوء إلى الوساطات والرشوة مثلما هو الحال مع باقي الإدارات الأخرى. ولهذا إذا كان من الممكن تفهم انتشار الفساد في القطاعات التي تؤثر في حياة المواطن اليومية، فإن انتشاره في مجال من المفترض أن يكون مثالا للشفافية ونموذجا يقتدى به يعتبر لغزا. هل الأمر يتعلق بحالات فردية؟ أي بسبب السلطة التي يتمتع بها الأستاذ على طلبته، وغياب آليات مؤسساتية للرقابة، ماعدا الرقابة الذاتية، فإن الأستاذ يمكن له أن يسيء استعمال سلطته؟ في كل الأحوال، فالأستاذ الجامعي، الذي يبتز الطالبات جنسيا أو يحصل على الرشوة، لا يمكن أن يحظى بثقة طلبته، ولا يمكن الثقة في المعرفة التي يقدمها مهما بلغت درجة علمه. بغض النظر عن البعد الفردي في الموضوع، فإنه من المهم النظر إلى الموضوع من زاوية أوسع. فالمشكلة في الفساد داخل الجامعات تعتبر إحدى القضايا الأساسية التي تعيق ليس فقط، البحث العلمي في البلد، ولكن تعيق التنمية ككل. ومن هنا، فمكافحة الفساد في الجامعات لا يمكن فصله عن الفساد المتفشي في جميع القطاعات العمومية والخاصة، وما لم يتم التعامل معه باعتباره جزءا من مشكل أكبر، فسيتم دائما تقديم حلول "ترقيعية" لا تسمن ولا تغني من جوع.