عاد الجدل من جديد إلى تونس مع إعلان الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، عزمه تقديم مشروع قانون للبرلمان يضمن المساواة بين الجنسين في الإرث، وذلك بعد ساعات من مظاهرة أمام برلمان تونس السبت الماضي، نددت بما ورد في تقرير "لجنة الحريات" الذي أوصى بإقرار المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى. اللجنة التي تشكلت من تسع شخصيات معظمهم من الاتجاهات اليسارية، قدمت العديد من التوصيات المثيرة للجدل من قبيل عدم تجريم المثلية وحذف العدة للمرأة، وحذف المهر في الزواج، ما أثار موجة من الغضب في الأوساط الإسلامية المحافظة. لكن الرئيس التونسي اختار من تقرير اللجنة فقط موضوع الإرث، وأعلن أن مشروع القانون الذي يعتزم تقديمه سيسمح للتونسيين بالاختيار بين تطبيق قانون المساواة في الإرث أو الاحتكام إلى الشريعة، وقال السبسي "من يريد تطبيق أحكام الدستور فله ذلك ومن يريد تطبيق أحكام الشريعة فله ذلك، مشيرا إلى أنه "إن أراد المورّث تطبيق قواعد الشريعة في ورثته فله ذلك". وعبر عن أمله بأن يحظى مشروع قانون المساواة في الإرث "بالإجماع عند التصويت عليه في مجلس النواب". موضوع المساواة في الإرث مطروح أيضا في المغرب من طرف بعض الاتجاهات السياسية والجمعوية، لكن ليس بالحدة التي طرح فيها في تونس. ويرى عبد السلام بلاجي، البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية والباحث في الفقه الإسلامي، أن الصيغة التي أعلنها الرئيس التونسي بفتح الباب لإمكانية الاختيار بين تطبيق قانون المساواة في الإرث أو تطبيق الشريعة، يعني "اعتماد ازدواجية من شأنها أن تفتح الباب للطائفية في تونس"، وقال إن "الازدواجية التشريعية ليست في مصلحة المجتمع التونسي المتجانس". حسب بلاجي، فإن من حق أي مواطن أن يقسم ممتلكاته بين أبنائه أثناء حياته وأن يمنح الهبة، دون الحاجة لسن قانون مخالف للشريعة. واعتبر بلاجي، أن هناك أقلية في المجتمعات العربية تطالب بالمساواة في الإرث، وأن الأغلبية ترفضه، مشددا على أن البلدان المغاربية "ليست في حاجة لتقنين الإٍرث". أما لحسن بن إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي، لعمالة الصخيراتتمارة، فيرى أن المسلمين "ملزمون بتطبيق شرع الله في حياتهم كلها، ولا يجوز للمسلم أن يغير أحكام الشرع بما يوافق هواه". مشيرا إلى أن الآيات حول الإرث تضمنت ألفاظا ومفردات قوية دالة على أن قسمة تركة الميت هي لله وحده وليست لغيره، فقد ورد في الآيتين من سورة النساء: (يوصكم الله – فريضة من الله – وصية من الله – تلك حدود الله). وورد في الآية الأخيرة من نفس السورة: (قل الله يفتيكم – يبين الله لكم أن تضلوا) أي يبين الله لكم كيف تقسمون التركة حتى لا تضلوا. وأساس ذلك، يقول السكنفل، "أن المال لله والإنسان مستخلف فيه". حسب السكنفل، فإنه "فإذا مات المسلم وترك مالا، فإن هذا المال يرجع إلى صاحبه الحقيقي /الأصلي وهو الله تعالى الذي تولى قسمته وبين ذلك في كتابه العزيز". إلا أن رئيس المجلس العلمي المحلي، يرى أنه يجوز لأي شخص توزيع الممتلكات على الأولاد في حياته بشرط العدل بينهم. وهنا يشدد على أننا "لا نتحدث عن الميراث إلا بعد وفاة صاحب المال، أما الإنسان مادام حيا، فإننا نتحدث عن المال الذي يملكه وهو حر في التصرف فيه وفق ضوابط الشرع، لأنه سيسأل عنه غدا عند لقاء الله من أين أتاه وفيم صرفه". من جهة أخرى، عبر علي العشي أستاذ الشريعة في جامعة الزيتونة بتونس، عن رفضه لما طرحه الرئيس التونسي، وقال في اتصال مع"اليوم24″، إن "لجنة الحريات" في تونس التي قدمت هذه التوصيات ضمت فقط شخصيات يسارية، وأن توصياتها "صدمت المجتمع التونسي"، خاصة فيما يتعلق "بعدم تجريم اللواط والسحاق"، معتبرا أن الرئيس التونسي لم يلتفت إلى الكثير من التوصيات، لكن عبر عن أسفه لتركيزه على موضوع المساواة في الإرث وعزمه التقدم بمقترح قانون. حسب العشي، فإن موضوع الإرث "منظم بنصوص قطعية"، معتبرا أنه "ليس من السهل تمرير هذا القانون بالصيغة التي أعلنها الرئيس التونسي". واعتبر أن الصيغة المطروحة في تونس، من شأنها أن تكرس "ازدواجية تشريعية"، بين المحاكم المدنية والمحاكم الشرعية، وقال "هذا سيعيدنا إلى مرحلة ما قبل استقلال تونس، حيث كانت تونس تعرف في ظل الدولة العثمانية ازدواجية محاكم شرعية ومدنية، وسيولد ذلك فضلا عن تعدد القضاء اختلافات داخل الأسرة الواحد حول أي التشريعات تطبق. العشي استبعد المصادقة على هذا القانون في البرلمان بصيغته المعلنة من الرئيس، خاصة أن حركة النهضة ذات الأغلبية لم تعبر عن موقفها بعد، مرجحا أن ترفضه، بل ذهب إلى أن اعتبارات "انتخابية" قد تكون وراء حماس الرئيس لموضوع المساواة في الإرث "إرضاء لقاعدته الانتخابية"، خاصة أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستنظم في غضون سنة 2019.