شدد مفكرون وخبراء عرب، شاركوا في الجامعة الصيفية لمنبر الحرية، على أن التنمية السياسية والاقتصادية في العالم العربي، لا بد لها من مؤسسات سليمة تقوم على ترسيخ مبدأ دولة الحق والقانون والملكية الخاصة. وكشف هؤلاء في افتتاح الدورة العاشرة للجامعة في نسختها الثامنة عشر التي انطلقت يوم الجمعة الماضي بضاية الرومي بمدينة الخميسات، والتي تستمر إلى غاية الْيَوْم الثلاثاء، أن ملايين الأفراد في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يعيشون في فقر مدقع، في ظل وجود فساد حقيقي وريع اقتصادي وسياسي واضح. وهو ما أدى إلى غياب التوازن في هذه البلدان، وإلى انتفاض الأجيال الجديدة ضد الإقصاء وانعدام المساواة والحريّة. هذا، وقد انعقدت هذه الدورة المنظمة بشراكة ما بين مشروع منبر الحرية ومؤسسة هانس سايدل الألمانية، وبمساهمة خبراء مغاربة وعرب، تحت شعار: "التنمية الاقتصادية في العالم العربي في ضوء المؤسسات السياسية والاقتصادية." وتعرف هذه الدورة مشاركة العديد من الباحثين والأكاديميين من مختلف أنحاء العالم العربي . كما أجمع الخبراء العرب، أن الثورات العربية أعادت فتح النقاش حول طبيعة المؤسسات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، وشدد المتدخلون أن أغلب البلدان التي سقطت فيها الأنظمة منذ سنتين لم تصل بعد إلى مرحلة بناء مؤسسات جديدة، وأن حاجتها إلى وضع قواعد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة من أجل تجنب القلاقل واستتباب السلم وخلق التنمية الاقتصادية، هي حاجة مستمرة بعد الثورات. وتابع المتدخلون، أن وضع مؤسسات جديدة، ليس وحده مدعاة إلى التفاؤل، فبالإضافة إلى المؤسسات السياسية الديمقراطية والحرة، فإن السلم وتحقيق التنمية الاقتصادية يستلزم وجود مؤسسات اقتصادية متينة تضمن حرية التبادل وتحمي الملكية الخاصة. وفي هذا السياق، تحدث أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور شفيق الغبرا، عن مآلات العالم العربي. وتساءل الغبرا حول أسباب المشهد المتأزم والمتفكك الذي تعيشه البلدان العربية. وعزا المتدخل ذلك إلى تحكم الأجهزة الأمنية بكل المؤسسات الاقتصادية والسياسية وغياب فكر المحاسبة والمساءلة، وكذا انعدام الحريات الفردية والإعلامية. وختم الدكتور شفيق الغبرا مداخلته برؤية استشرافية ومتفائلة حول مستقبل الدول العربية، مؤكدا أن التقهقر الاقتصادي والعقم السياسي ليس قدرا محتوما، بل نتيجة لمجموعة من العوامل قد تتحول بدورها إذا ما تم التعامل معها بحنكة إلى ممرات خروج من الأزمات. من جانبه، أكد أحمد مفيد، أستاذ العلوم السياسية، وهو يتحدث عن المتطلبات الأساسية للتنمية السياسية والاقتصادية في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أن أحدث التقارير الدولية، تصنف الأنظمة العربية، دولا هجينة وأن أغلبيتها مصنفة ذات طبيعة سلطوية، بسبب ضعف الآليات الديمقراطية، مؤكدا أن الاستبداد ليس قضاء وقدرا، بل هو نتيجة منطقية لسياسات عمومية اعتمدت في تدبير الشأن العام بالدول العربية وتعيش اختلافات على مستويات متعددة، وشدد الباحث في العلوم السياسية، أنه لَم يتم الحسم في الاختيارات الأساسية للدول العربية بعد الثورات، هل هي خيارات ليبرالية سياسية اقتصادية، ولَم يتم تحديد مفهوم الدولة المدنية، مشددا على ضرورة معرفة حقيقة الاختلالات، التي تسببت في تأخر الدول العربية وجعلت الغرب يقدم عليها لسنوات ضوئية. وأضاف مفيد أن الاقتصاد في الدول العربية، لا يقوم على التصنيع، مؤكدا على غياب صناعات يمكنها أن تكون قاطرة التنمية الاقتصادية، في ظل الموارد المحدودة التي باتت معرضة للانقراض. وأوضح المتدخل أن الجمع بين المال والسلطة أصبح مشكلا كبيرا يتسبب في وجود المشكل الاقتصادي وتنازع المصالح، موضحا على وجود من يقوم باستغلال منصبه السياسي لمراكمة الثروة، قبل أن يعود ليؤكد أن مراكمة الثروة حق مشروع، ولكن شريطة احترام الضوابط القانونية ووجود المنافسة المشروعة، مؤكدا أن المنصب يجب أن يكون في خدمة المصلحة العامة، وليس الخاصة. وشدد المتحدث على استمرار وجود الأمية الأبجدية والوظيفية، ليؤكد أن من الحلول الأساسية التي ينبغي التعجيل بها هي الارتقاء بالتربية والتكوين، والرفع من ميزانيات البحث العلمي في البلدان العربية. وأكد الباحث السوري، مازن ديروان، على دور المؤسسات الاقتصادية في حماية حقوق الملكية الفردية وتسهيل التبادل والتعاون، وكذا التنظيم الاقتصادي. وأضاف ديروان أن التفاعلات المؤسسية تؤثر على وتيرة الاستثمارات والابتكارات التقنية، مما يساهم بشكل إيجابي في التنمية الاقتصادية للبلدان. وفي موضوع ذي صلة، توقف الباحث الجزائري، يوسف معوشي، عند دور المؤسسات في تعزيز التنمية الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأكد معوشي، أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر، أن البيئة المؤسساتية المدعومة بسيادة القانون عامة، وبحفظ حقوق الملكية خاصة، تساهم بشكل مباشر في تطور الأنظمة الاقتصادية عن طريق تحفيز الأفراد إيجابيا ودفعهم نحو الإنتاج المثمر. واعتبر المتدخل أن المؤسسات مهمة "لأنها تمثل جذور التعاون والتبادل والتنسيق بين أفراد المجتمع عبر آلية السوق، حيث تحث الحوافز الأفراد والجماعات على التصرف بطريقة ما، وليس بطريقة أخرى. كما أن نظام المؤسسات هو الذي سوف يحدد انخراط الأشخاص في نشاطات منتجة، غير منتجة أو مدمرة. 6