صراع الهيمنة على الحقل الديني في المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية بين الرباط، عبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومدريد، عبر جمعيات دينية تابعة لها، يثير الجدل من جديد. واللجنة الإسلامية بمليلية تختار التصعيد وشل عملية تسجيل الأئمة المغاربة في سجل الهيئات الدينية بالمدينة؛ كما دعت الحكومة المغربية بقيادة الإسلامي سعد الدين العثماني، والإسبانية بزعامة الاشتراكي بيدرو سانتشيت، إلى الجلوس إلى طاولة الحوار من أجل التوصل إلى اتفاق بخصوص تدبير الشأن الديني في شقه القانوني والتقني والأمني في المدينة، دون التدخل في المضمون الديني الذي يبقى من اختصاص اللجنة. هذا الصراع الجديد القديم بدأ شهر يونيو المنصرم بعد أن أقدمت اللجنة الإسلامية بمليلية المقربة من الحكومة الإسبانية، على مباشرة إجراء تسجيل الأئمة في مليلية، باعتبارهم "رجال دين"، بناء على المادة 18 من المرسوم الملكي الإسباني 549/2015. وينص المرسوم على أن "الهيئات الدينية المرخص لها بالمدينة يمكنها تسجيل في سجل الهيئات الدينية رجال دينها الذين يقيمون بطريقة قانونية في إسبانيا". غير أن هذا الإجراء أزعج وزارة الشؤون الإسلامية المغربية التي تدعم مجموعة من المساجد بالمدينة، والتي لا تريد التخلي عن التأثير في المجال الديني بالمدينة، نظرا إلى تصاعد المد المتطرف بمليلية، مما يستوجب على الرباط حماية الأمن الروحي للمغاربة في المدينةالمحتلة. أحمد موح، واحد من الأئمة البارزين بالمدينة، أوضح قائلا: "يبدو أن إجراء التسجيل أثار نوعا من القلق والتوجس لدى مندوبية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالناظور". المصدر ذاته اتهم، ضمنيا، وزارة الأوقاف بالضغط على الأئمة المغاربة لرفض التسجيل في سجل الهيئات الدينية، إذ أوضحا قائلا: "الشيء الذي دفع الأئمة بمدينتنا إلى تلقي تعليمات من أجل رفض التسجيل". وفي ظل هذا الصراع المبطن بين الجانب المغربي والإسباني، قررت اللجنة الإسلامية بمليلية وقف إجراء التسجيل، وكل المبادرات المرتبطة بالأئمة في المدينة ما لم تقم السلطات المغربية والإسبانية بفتح نقاش حول الموضوع، يؤدي إلى عدم التدخل في الشأن الديني للجنة والتضييق عليها في المدينة. فيما حصرت اللجنة مجال عمل الحكومتين المغربية والإسبانية في الجانب القانوني والتقني والمالي، أي فيما يسمى "الاعتراف المدني"، الذي يقضي بضرورة التصريح لدى الجهات الأمنية والقضائية قبل مباشرة مهام الإمامة بالمدينة. على صعيد متصل، تضغط بعض الأصوات اليمينية بإسبانيا لمنع الأئمة المغاربة من التنقل بشكل أسبوعي لإلقاء خطبة الجمعة بمختلف مساجد مليلية، كما تدعو إلى تكوين شباب مسلمين رأوا النور بإسبانيا بدل جلب الأئمة من المغرب. كما أن الأئمة الذين يتنقلون بين الداخل المغربي ومدينة مليلية المحتلة يتعرضون لمضايقات في نقاط التفتيش الأمنية في الجانب الإسباني، وهو الأمر الذي نددت به اللجنة الإسلامية في أكثر من مناسبة. هذا وكانت الرباط ومدريد وقعتا في بداية السنة الجارية اتفاقية لتعزيز "الخطاب الديني الإيجابي من أجل التعايش الجيد والاعتدال اللذين يتميز بهما الإسلام ومليلية". إذ نصت تلك الاتفاقية على أن يكون الأئمة المغاربة الذي يتم اختيارهم يتقنون اللغة العربية الفصحى واللغة الأمازيغية والإسبانية، وأن تكون لديهم ثقافة دينية واسعة في إطار الوسطية والاعتدال اللذين ي ميزان المذهب الملكي المغربي.