الرجل الثاني في المملكة ليس هو سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، كما ينص على ذلك الدستور، بل عبداللطيف الحموشي، الذي يجمع، في سابقة في تاريخ المغرب، بين مهمتي مديرية مراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية) والمديرية العامة للأمن الوطني. الرجل أصبح يثير اهتمام الدبلوماسيين وكبار الأمنيين الأوروبيين، نظرا إلى الخدمات الأمنية الكبيرة التي قدمها لهم، لا سيما مساعدته للأجهزة الأمنية الفرنسية بعد اعتداءات باريس في نونبر 2015) والإسبانية بعد هجوم برشلونة. هذا ما يكشفه هذا البروفايل/التحقيق الذي تترجمه الجريدة تعميما للفائدة. بتصرف عن «إلباييس». بالنسبة إلى جزء كبير من الصحافة المغربية، عبداللطيف الحموشي هو "الرجل الذي لا ينام"، و"أكبر المطلعين على المعلومات في المغرب". شخصية تثير الإعجاب وسط الأمنيين مثلما الخوف بين قطاعات أخرى من المجتمع، انطلاقا من الجهاديين، ووصولا إلى الشباب الذين خرجوا للاحتجاج في شوارع الحسيمة. في الحقيقة، إذا كان المغرب استطاع تَجَنّبَ ارتكاب أي جهادي لمجزرة في المملكة خلال السنوات الأخيرة، فجزء من هذا الفضل يعود لعبداللطيف الحموشي. لكن تأثير الرجل لا يقتصر على المملكة، بل يتعداها إلى ما بعد مضيق جبل طارق. أي خبير أوروبي في قضايا الإرهاب الجهادي يدرك إلى أي حد يرتبط أمن أوروبا بالتعاون، الذي يقدمه هذا الأمني المولود في مدينة تازة سنة 1966 في كنف أسرة متواضعة. أب لأربعة أبناء، وحاصل على الإجازة في الحقوق من جامعة فاس. السلطة الحقيقية اللقب الرسمي لمنصبه لا يعكس كل السلطة التي لدى الرجل في أرض الواقع: إذ منذ سنة 2005 وهو يشغل منصب المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المكلفة بمحاربة الإرهاب، عبر 8 آلاف أمني؛ قبل أن يتولى سنة 2015 منصب المدير العام للأمن الوطني الذي يتوفر على 30 ألف عنصر أمن. لم يسبق لأي رجل في المملكة أن جمع بين هذين الجهازين الأمنيين. وعلى الرغم من أن الحموشي تابع لوزارة الداخلية للحكومات المتعاقبة، إلى أنه يقدم الحساب/التقارير مباشرة أمام الملك. "في الاجتماعات الثنائية مع الدول الأوروبية، الحموشي هو الرجل الذي ينظر إليه الجميع لمعرفة ردود فعله"، يشير دبلوماسي. غصة في حلق الحموشي وعنه يعلق أمني إسباني رفيع المستوى قائلا: "عندما وقعت الاعتداءات الإرهابية في برشلونة يوم 17 غشت 2017، وسقوط 16 قتيلا، اتصل الحموشي بإنريكي بارون، رئيس قسم مكافحة الإرهاب السابق في الأمن الإسباني، قائلا: "يمكن طلب كل ما تحتاجون إليه". وأمر بالقيام بما بين 50 إلى 60 سجلا بطلب منا. لدى الحموشي مع إسبانيا تعاون وثيق جدا. ومع فرنسا، أيضا، لكن في العمق لم ينس ما حدث له". ما حدث هو أن الحموشي كان يوجد (كما يفترض البعض) يوم 20 فبراير 2014 في إقامة السفير المغربي بباريس، عندما حضر 4 أمنيين تابعين للشرطة القضائية الفرنسية، بأمر من قاضي التحقيق، من أجل الاستماع إليه بخصوص شكاوى تعذيب في مقر الديستي في منطقة تمارة المحاذية للرباط. إلى ذلك الإبان، كان الحموشي الأمني الأول في المغرب. رفض الحموشي المثول أمام العدالة الفرنسية. وما أعقب ذلك يؤكد بالملموس الأهمية التي يتوفر عليها الرجل في الدولة المغربية، بحيث جُمد التعاون القضائي بين الرباطوباريس خلال سنة كاملة. وانتهى الأمر، بدون شك، إلى استسلام فرنسا: في يونيو 2015 صادقت الجمعية الوطنية على اتفاق تعاون قضائي يقضي بأن الدعوى القضائية المرفوعة في فرنسا ضد مواطنين مغاربة متهمين بارتكاب جرائم في المغرب ترسل، على سبيل الأولوية، إلى المغرب. حينها اعتبر العديد من المحاميين الفرنسيين أن الاتفاق هو بمثابة ليّ ذراع القضاء الفرنسي. منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش نددتا بكون الاتفاق يؤيد سياسة إفلات المسؤولين المغاربة المتهمين بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من العقاب. لكن تنازلات فرنسا لم تتوقف عند هذا الحد، بل قامت في فبراير 2015 بإعلان توشيح الحموشي بوسام جوقة الشرف الوطني من درجة ضابط، وهو أعلى درجة من وسام بدرجة فارس سبق ووشحته به سنة 2011. هذا، دون إغفال أن الحكومة الإسبانية وشحت الحموشي في أبريل 2015 واثنين من مساعديه بوسام الصليب الشرفي للاستحقاق الأمني، "اعترافا بالمستوى العالي للتعاون" بين جهازي الأمن في البلدين. بعد شهور قليل من ذلك التوشيح، نفذ تنظيم داعش يوم 13 نونبر بباريس اعتداء إرهابيا أودى بحيوات 137 شخصا وجرح 415 آخرين. تدخل المغرب، عبر جهاز يترأسه الحموشي، كان حاسما في قيادة الأجهزة الأمنية الفرنسية إلى المكان الذي كان يختبئ فيه العقل المدبر للاعتداء، المغربي البلجيكي عبدالحميد أباعوض، الذي قتل بعد أسبوع من الاعتداء في منطقة سان دوني بباريس. وبعد يومين من تصفية أباعوض اسْتقبل الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الملك محمد السادس في قصر الإليزيه في إشارة امتنان وشكر. العدو الأول للجهاديين الكثير من الأمنيين، الذين احتكوا بالحموشي، يؤكدون أن للشخص ذاكرة حادة وقوية، قادر على التذكر والاحتفاظ بكل أسماء مئات الجهاديين، وبكل الأشياء غير الجدية التي سمع بها من قبل أحد محاوريه قبل ثلاث سنوات. أمني متمكن من اللغتين الفرنسية والإنجليزية، كما يفهم الإسبانية، ولا يحتاج إلى ميكرفون للترجمة الفورية في اللقاءات الثنائية، رغم أنه لا يتحدث لغة سيرفانتيس، يشير مخبر أوروبي يشتغل بالرباط. "قام بعملية تحديث الجهاز الأمني سواء من حيث التكنولوجيا أو تكوين عناصره. هناك الكثير من الحاملين للشواهد الجماعية بين عناصر مكافحة الإرهاب". الحموشي والريف.. كان دور الشرطة حاسما في قمع احتجاجات الريف، ومتابعة 400 ناشط، حسب مختلف المنظمات غير الحكومية. علاوة على مصرع شاب بعد قمع مسيرة غير مرخص لها في الحسيمة (يتعلق الأمر بمقتل عماد العتابي بعد إصابته بجروح خطيرة خلال مشاركته في مسيرة ليلية بالمركز القروي تامسنيت السنة الماضية). أخمدت الاحتجاجات بعد شهور من الاعتقالات التي وصفت بالاعتباطية وبدون أساس قانوني، حسب العديد من المنظمات الحقوقية. لكن كل هذا لم يؤثر في علاقة الحموشي بالسلطات الأوروبية. الآن، الشيء الواحد والوحيد الذي يتمناه بعض القادة الأوروبيين هو استمرار الحموشي في منصبه لسنوات. خلال وقت معين رُوج في المغرب أنه كانت هناك خلافات بين أمنيين بارزين في الحسيمة ( تابعين للحموشي) ودركيين، (جهاز ذا طابع عسكري كان حينها تحت قيادة الجنرال حسني بنسليمان قبل إحالته على التقاعد، والبالغ من العمر 82 عاما). يحكي نشطاء الريف أن سلوك عناصر الدرك الملكي كان أقل عنفا. في النهاية، وفي دجنبر 2017، أحال الملك حسني بنسليمان على التقاعد. في السفارة الإسبانية، يعتبرون الحموشي شخصا يتحدث بوضوح، ويمكن الوثوق فيه. "إنه حازم جداً، وتعاون معنا كثيرا ليس فقط، في الحرب ضد الإرهاب، بل حتى ضد تهريب المخدرات"، يشير دبلوماسي. ويتمنون بقاءه في منصبه، ولا شيء يوحي بالعكس. في الخطاب الأخير بمناسبة عيد العرش، أشار الملك محمد السادس إلى أزمة الريف وانتقد بشدة بعض "الأحزاب السياسية وممثليها" بسبب "عدم مصداقيتهم ووطنيتهم". غير أنه أشاد بعمل قوات الأمن التي تصرفت "بشجاعة وصبر وضبط النفس وأبدت احترامًا كبيرًا للقانون". وأردف الملك: "من حق المغاربة، بل ومن واجبهم، أن يفخروا بجهازهم الأمني". الصمت الذي يسبق العاصفة ومع ذلك، هناك احتجاج صامت وسلمي، ليست لديه قيادة مرئية تقوده، يُقوّض مصداقية النظام السياسي، والذي لا يستطيع الحموشي القيام بأي شيء أمامه: يتعلق الأمر بحملة مقاطعة مجهولة استهدفت ثلاث علامات تجارية بارزة (محطات إفريقيا للغاز وحليب سنطرال وماء سيدي علي)، التي خرجت من مواقع التواصل الاجتماعي، يوم 20 أبريل الماضي، والتي تبعها ملايين المغاربة. لا أحد يمكنه اعتقال الآخر لأنه لم يستهلك منتجا معينا. لهذا، لا يمكن للحموشي فعل أي شيء. الأمني القوي العديد من المصادر من داخل الاتحاد الأوروبي تؤكد، أن الرجل الثاني في المملكة بعد الملك محمد السادس هو عبداللطيف الحموشي. ربما قد تكون طريقة مبالغ فيها في وصف رجل سلطة استطاع إخماد، السنة الماضية، احتجاجات الريف، كأخطر أزمة اجتماعية عاشها المغرب منذ الربيع العربي سنة 2011. بعدها، أتم القضاء المغربي المهمة بإصدار الغرفة الجنائية الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء عقوبات حبسية وصلت إلى 20 سنة في حق أربعة نشطاء بارزين، من بينهم المعطل ناصر الزفزافي (20 سنة لكل واحد، أي 80 سنة في المجموع، علما أن الأحكام القاسية نصت على 307 سنوات في حق 52 ناشطا). في المقابل، عبر العديد من المواطنين من يساريين ومحافظين وإسلاميين، ولادينيين، من كل القطاعات والطبقات الاجتماعية، عن استيائهم من الأحكام. إلى درجة أنهم خرجوا للشارع للاحتجاج. لكنها تبقى احتجاجات محدودة، مثل تلك التي نظمت في الرباط بعد إصدار الأحكام، والتي بالكاد شارك فيها 1000 شخص.