ربما لم يكن عبد اللطيف الحموشي يتوقع لنفسه هذا المسار الذي حمله إلى منصب بهذه الأهمية، على رأس مديرية حماية التراب الوطني، وأن يصبح محل حديث وسائل الإعلام بسبب الأزمة التي فجّرتها شكاية ضده في باريس، وهو الرجل الكتوم، والذي يفضل العمل في الظل. ورغم أن الحموشي رجل غير معروف لدى الرأي العام، لكنه يوصف ب»كاتم أسرار المملكة». بعض قصاصات ويكيليكس، وصفته بأنه «المستشار الأمني للملك محمد السادس». و نظرا إلى موقعه، فقد اعتبر المغرب قيام 7 عناصر شرطة بتبليغ نص شكاية ضد الحموشي إلى مقر إقامة السفير المغربي في فرنسا حيث كان يوجد وزير الداخلية محمد حصاد ، الذي كان حينها في ندوة صحافية في مقر السفارة، يعتبر ممارسة «لا تراعي الأعراف الدبلوماسية»، و»لا تحترم الاتفاقيات القضائية» بين البلدين. ورغم الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وصدور بلاغ للديوان الملكي يدعو إلى مواصلة الاتصالات بين مسؤولي البلدين، إلا أن عدم توصل المغرب بتوضيحات مقنعة بشأن ملابسات تبليغ الشكاية إلى مقر السفير، دفع المغرب إلى تعليق العمل بالاتفاقيات القضائية مع فرنسا، واستدعاء قاضية الاتصال المغربية من باريس، للعودة إلى المغرب بعدما قضت ثلاثة أيام تستفسر عن ملابسات هذه القضية دون أن تتلقى ردا… فمن يكون عبد اللطيف الحموشي، الذي يوجد في قلب هذا الجدل؟. ما هو مساره؟. وما هي التحولات التي عرفها الجهاز الذي يشرف عليه منذ تعيينه في هذا المنصب سنة 2005؟.
من ظهر المهراز إلى الديستي دخل الحموشي مبكرا إلى أقسام الشرطة، سنة 1993، وعمره لا يتجاوز 27 عاما، بعد تخرجه من كلية الحقوق، ظهر المهراز بفاس، سنة 1990. ورغم أن الفترة التي درس فيها الحموشي بجامعة بفاس عرفت حدة الصراع بين الإسلاميين، واليساريين، وخاصة منهم القاعديين، إلا أن الحموشي كان بعيدا عن الانتماءات الإيديولوجية، والدينية، و كان تركيزه منصبا بالدرجة الأولى على دراسته. وبسبب نباهته، وقدرته على التحليل والمتابعة، فقد تم توجيهه مباشرة بعد تخرجه إلى مديرية مراقبة التراب الوطني «الديستي»، وهو الجهاز الذي كان تابعا حينها لإدريس البصري، وزير الداخلية القوي في عهد الراحل الحسن الثاني. وبعد سنة من توليه منصبه في جهاز المخابرات، عاش عبداللطيف الحموشي أول امتحان أمني، يتعلق بأحداث أطلس أسني في مراكش سنة 1994، حيث قامت عناصر مسلحة بإطلاق النار على سيّاح في فندق أطلس أسني في مراكش، مما أدى إلى وفاة سائحين. ورغم عدم مشاركته في التحقيقات، إلا أنه بدأ يهتم منذ ذلك الحين بنشاط الجماعات الإسلامية المتطرفة. بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش، كان أول ما قام به هو تغيير قيادة جهاز الديستي، حيث عين الجنرال حميدو لعنيكري، على رأس هذه المؤسسة الأمنية. كان الهدف من وراء تعيين شخصية عسكرية على رأس هذا الجهاز الأمني، هو إبعاد «الديستي» عن أعين وزير الداخلية البصري، وضمان استقلالية المؤسسة الأمنية وارتباطها مباشرة بالقصر، هذا فضلا عن وضع تصور جديد لعمل الجهاز ليستجيب للتحديات الأمنية الجديدة. كان لعنيكري يعمل في جهاز لادجيد (المخابرات العسكرية)، حيث كان بمثابة الرجل الثاني، في هذا الجهاز خلف الجنرال عبدالحق القادري. وبمجرد تعيينه في «الديستي»، قام بإحداث تغييرات كبيرة على رأس الجهاز، أبرزها إعطاء فرص أكبر للأطر الشابة لتحمل المسؤولية، وكان ضمن هذه الأطر عبداللطيف الحموشي. وبعد أحداث 11 شتنبر 2001 في الولاياتالمتحدة، ظهر خطر إرهاب الجماعات الإسلامية، فدخل لعنيكري في اتصالات مكثفة مع المخابرات الأمريكية والغربية، من أجل التعاون في محاربة هذه الظاهرة وتبادل الخبرات والمعلومات. وعشية أحداث 16 ماي 2003، وبسبب اهتمامه بظاهرة إرهاب الإسلاميين، شارك الحموشي فعليا في التحقيقات الميدانية، وظهر بسرعة بمثابة الذراع الأيمن للعنيكري. وبعد شهرين من أحداث 16 ماي عرفت مديرية «الديستي»، تغييرا جديدا في مسؤوليها، حيث تم تعيين الجنرال حميدو لعنيكري، مديرا عاما للأمن الوطني، فيما تم تعيين أحمد حراري، المسؤول عن جهاز «الديستي» في الدارالبيضاء على رأس المديرية، فيما بقي الحموشي مسؤولا بالخلية المكلفة بمحاربة الإرهاب في الجهاز، وبقي على اتصال برئيسه آنذاك حميدو لعنيكري، لكن لم يكمل حراري سنتين في مسؤوليته قبل أن يتم التخلي عنه، ليخلفه عبد اللطيف الحموشي في دجنبر 2005، مديرا لجهاز الديستي، في وقت كانت الانتقادات الحقوقية موجهة إلى هذا الجهاز الذي اتهم من طرف معتقلين سابقين، بممارسة التعذيب خاصة في معتقل تمارة، خاصة بعد حملة الاعتقالات التي عرفتها البلاد بعد أحداث 16 ماي 2003. كان عمره 39 عاما حين تولى مسؤولية أهم مؤسسة أمنية تُعنى بالأمن الداخلي، ويمكن اعتباره الشخصية الأصغر في تاريخ الجهاز التي تولت مسؤولية من هذا الحجم. يقال إنه رجل كتوم، ومتحفظ، ويحافظ على الصلاة، ذكي وجدي، ومهمته تحليل المعطيات، ومهتم بالجماعات الإسلامية، في حين يرى البعض أن مدرسة الديستي والهاجس الأمني عنده فوق أي اعتبار وهو جزء من صقور المحافظة في النظام. وبعد تعيينه ارتفعت عمليات تفكيك الخلايا، مثل خلية أنصار المهدي، سنة 2006، ولكن التحدي الأكبر الذي واجه الحموشي سنتين بعد تعيينه، كان هو التفجيرات التي عرفتها الدارالبيضاء في سنة 2007، حيث وقعت ثلاثة تفجيرات خلال شهرين، والتي أسفرت عن قتل أصحابها، ورجل أمن، وإصابات في حق مواطنين. هذه الأحداث دفعت الحموشي إلى التفكير في منهجية أخرى لمحاربة الإرهاب وعدم الاقتصار على المقاربة الأمنية فقط. ومن هنا بدأ الحديث عن حوارات تجري مع شيوخ السلفية في السجون. ويقال إن الحموشي التقى شخصيا بالشيخ الفيزازي في سجنه، ورغم أن هذا اللقاء بقي سرا، إلا أنه بعد الإفراج عن الفيزازي، اعترف بأنه مدين للحموشي بخروجه من السجن. وقال في حوار مع جريدة «المساء» تعليقا على اسم الحموشي «أرجو أن يواصل جهوده المثمرة من أجل إطلاق سراح ما تبقى من السلفيين الذين لم يتورطوا في دم، وإنني مدين له بشهادته الطيبة في شخصي، ولولاها، بعد الله تعالى، لما عانقت الحرية أبدا، ولا شك أنه ممن رفعوا إلى ملك البلاد استحسان إطلاق سراحي، وقد فعل». وفي إحدى قصاصات ويكيليكس، تم الكشف عن برقية أرسلت من السفارة الأمريكية بالرباط، في يوليوز 2007، تتحدث عن زيارة قامت بها فرانسيس تاونسيند، مستشارة الرئيس أوباما في الأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب، ولقائها مع الحموشي، حيث أشار هذا الأخير إلى أنه لمحاربة الإرهاب يجب مواجهته إيديولوجيا، أيضا، وهو ما أثار انتباه المسؤولة الأمريكية التي ردت بأن المغرب مؤهل أكثر من أمريكا للقيام بهذا الدور.
الحموشي و20 فبراير بعد اندلاع أحداث الربيع العربي، وجد جهاز «الديستي» نفسه في قلب الجدل من طرف حركة 20 فبراير، وخاصة ما يتعلق بمعتقل تمارة الذي يوصف بالسري. الحركة طالبت بإطلاق سراح المعتقلين السياسين، فكان الرد في أبريل 2011، بإطلاق 190 معتقلا، منهم الشخصيات السياسية في خلية بلعيرج، وعدد مهم من السلفيين، منهم شيوخ السلفية الفيزازي، والحدوشي والكتاني، وأبو حفص. لكن هذا لم يكن كافيا، فقد دعت حركة 20 فبراير إلى وقفة أمام معتقل تمارة في 15 ماي2011. خلال هذه الوقفة، عمدت قوات الأمن إلى استعمال العنف والقوة في حق المشاركين في هذه الوقفة بمجرد وصولهم إلى أسواق السلام بالرباط القريبة من المعتقل ببضع كيلومترات، وأغلقت جميع المنافذ المؤدية إليه، كما توصل بعض الشباب من حركة 20 فبراير وشخصيات داعمة لهم من تيارات مختلفة بقرار منع الوقفة. لكن الحركة أصرت على تحدي قرار السلطات وتنفيذ الوقفة التي حظيت بتغطية كبيرة من وسائل إعلام دولية ووطنية. وكرد فعل على الوقفة، خرج الوكيل العام للملك بالرباط ليعلن أمام الرأي العام، أنه قام بزيارة لمقر «الديستي» في تمارة في 18 ماي 2001، ولم يقف خلال هذه الزيارة، التي شملت مختلف البنايات التابعة للمقر الإداري للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، «على أي مكان «يمكن اعتباره معتقلا سريا»، قد يستغل لارتكاب أعمال حاطة بحقوق الإنسان «كما يشاع»، وأضاف: «لم أعثر على أي مكان يمكن أن يعتبر أو يستشف منه على أنه يستعمل كمعتقل سري أو مخصص لأي ممارسات مشينة أو غير قانونية».. وكيل الملك قال إنه اكتشف فقط، مكاتب إدارية ومرافق تهم مختلف الأنشطة التي تقوم بها هذه الإدارة، ولاسيما مكاتب الموظفين وأماكن لحفظ المستندات ومدرسة لتكوين الأطر ومرافق رياضية ومطبخ ومطعم. وفي اليوم الموالي، فتح عبداللطيف الحموشي باب مقر «الديستي» في تمارة، للبرلمانيين، بمجلسي النواب والمستشارين، وصرح هؤلاء البرلمانيون، إن الزيارة التي قاموا بها أظهرت أن الأمر يتعلق ب «إدارة كباقي الإدارات.. لا تضم أي مركز للتعذيب».. وأنهم اطلعوا على مهام هذه المديرية والتي تتمثل في الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين». وكانت تلك أول مرة يدخل فيها برلمانيون من مختلف الفرق بما فيها فريق البيجيدي، لمقر «الديستي» في تمارة، حيث استمعوا لشروحات عبداللطيف الحموشي حول مهام هذه المديرية. طبعا سخر البعض من هذه الزيارات وقالوا هل تعتقدون أن الديستي ستفتح أبوابها قبل تنظيف المكان وإعداده للزوار. الحموشي، أخبر البرلمانيين في جلسة معهم، أن إدارته أفشلت مخططات كانت تستهدف تصفية 17 شخصية سياسية، من ضمنها 7 مسؤولين أمنيين سامين، دون أن يكشف عن أسماء. وأن هذه الإدارة تمكنت من فك 300 قضية خطيرة في السنوات الأخيرة، تهم المخدرات والهجرة السرية وتبييض الأموال والإرهاب. وشرح لهم دور «الديستي» في حماية البلاد وصونها من المخاطر. ولم يفته أن يذكر أن موظفيه يشتغلون دون تحديد ساعات العمل ولا عطل.
تفجير أركانة وتوشيح الحموشي وبعد الاتهامات التي وجهت إلى جهاز «الديستي»، والتي جعلته في حالة دفاع عن النفس، وقع حادث متزامن مع المظاهرات، همّ تفجير مقهى أركانة، بمدينة مراكش، ليقلب كل الموازين، حيث عاد جهاز الديستي إلى الواجهة، باعتباره القادر على حل لغز تلك العملية. في 28 أبريل 2011، أعلنت وزارة الداخلية، أن الاعتداء الذي استهدف مقهى أركانة بمدينة مراكش، يتعلق بعمل إرهابي ناتج عن انفجار قوي بواسطة مادة متفجرة داخل المقهى. عدد قتلى الحادث حُصِر في 16 شخصا من بينهم 11 من جنسيات أجنبية وثلاثة مواطنين مغاربة. فيما عدد الجرحى بلغ 21، إصاباتهم متفاوتة الخطورة. وفي 5 ماي 2011، أعلنت الوزارة نفسها، أنه تم إلقاء القبض على ثلاثة مواطنين مغاربة من بينهم المنفذ الرئيسي للعملية الإرهابية، إذ أشار البلاغ إلى قيام «مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتحريات دقيقة ومعمقة، مكّنت المصالح الأمنية من إلقاء القبض على ثلاثة مواطنين مغاربة من بينهم المنفذ الرئيسي لهذه العملية الإرهابية». ومن الإشارات القوية للدور الذي يقوم به جهاز «الديستي»، في فك لغز تلك العملية، هو توشيح عبداللطيف الحموشي، علانية من طرف الملك محمد السادس على هذا الإنجاز، بوسام العرش من درجة ضابط، وذلك بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لاعتلائه العرش في 30 يوليوز 2011، وهو توشيح غير مسبوق في لقاء رسمي نقلته وسائل الإعلام الرسمية وقرأ فيه المتتبعون، من جهة، تحولا في التعامل مع هذه المؤسسة، وإخراج لها من السرية، إلى الوضوح والعلنية. كما جرى توشيح عدة شخصيات أمنية أخرى بسبب دورها في التحقيقات بشأن تفجير أركانة، ومن جهة أخرى ردا على المشككين في دور هذا الجهاز، وأهميته بالنسبة إلى الدولة.
منح ضباط «الديستي» صفة الشرطة القضائية من الانتقادات التي كانت توجه لعناصر «الديستي» هي أنهم يقومون بعمليات اعتقال دون أن تكون لهمة صفة الشرطة القضائية. ولحل هذه الإشكالية، تم تقديم مشروع قانون بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، يتضمن منح صفة ضابط الشرطة القضائية لمسؤولي إدارة مراقبة التراب الوطني، في ما يخص الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من القانون الجنائي. البرلمانيون أيدوا هذا التعديل واعتبروا أن منح هذه الصفة لطاقم إدارة مراقبة التراب الوطني سيخرج عمل هذه المؤسسة من «الضبابية والسرية إلى العلن»، ولكن الجدل أثير حول منح هؤلاء الضباط صلاحيات واسعة دون مراقبة قضائية أو برلمانية. لكن وزير العدل الراحل، محمد الناصري، رد على هذه المخاوف بالقول إن منح هذه الصفة «يهدف إدخال هذه المؤسسة إلى صفوف الشرطة القضائية، وإخضاعها للتدابير والسلط نفسها، التي تخضع لها جميع المؤسسات الضبطية»، وأن هذا النص جاء «لإعطاء صفة شرعية لمؤسسة تقوم بأبحاث لا ينازع أحد في قيمتها»، وأن هذه الأبحاث «ستقوم بها فرقة معترف لها بصفة الضابطة القضائية وتخضع للمراقبة القانونية». ويلزم النص الجديد ضابط الشرطة القضائية بإخبار كل شخص تم القبض عليه أو وضعه تحت الحراسة النظرية فورا وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت.
عندما هدد الرميد بالاستقالة إذا لم تحترم الديستي كرامة المواطنين في شهر فبراير 2012، وجه مصطفى الرميد، وزير العدل، تحذيرا إلى عناصر الديستي، ودعاهم إلى احترام القانون، وقال في لقاء في بيته حضره صحافيون ورؤساء تحرير عدد من الصحف، إنه سيستقيل من منصبه إذا تم المساس ب» كرامة المغاربة»، مؤكدا على أن الملك محمد السادس حثه على احترام القانون، وقال سيستقيل إذا وقعت «تجاوزات في حرية المواطن وكرامته وحرمته ولم تحرك النيابة العامة المتابعة في حق مرتكبي هذه المخالفات». وقال الرميد للصحافيين «ألتزم أمامكم من الآن، أنه إذا حدثت تجاوزات في حرية المواطن وكرامته وحرمته ولم تحرك النيابة العامة المتابعة في حق مرتكبي هذه المخالفات، فسأستقيل من مهمة الوزير». وبخصوص مديرية حماية التراب الوطني، المعروفة اختصارا باسم ال«ديستي»، كشف الرميد أنه طلب من أحد مساعديه عقد لقاء مع المسؤول الأول عن المديرية، وأن الأخير تلقى ردا بأن المسؤولين يستعدون لتدشين مقر جديد في سلا.
لغز سرقة مقر البيجيدي بالرباط في نهاية دجنبر 2012، استغل مجهولون انشغال أعضاء حزب العدالة والتنمية بحضور جلسة المجلس الوطني للحزب في المعمورة، ليتسللوا إلى مقر الحزب في حي الليمون. الغرباء اقتحموا المقر المركزي للحزب، وسرقوا حاسوبين وهاتفا محمولا ودخلوا إلى مكتب عبدالإله بنكيران وعبثوا ببعض الملفات، ثم دخلوا إلى مكتب أمين مال الحزب. الغرباء لم يسرقوا مالا، وإنما اكتفوا فقط، بحاسوبين وهاتف محمول، ثم غادروا باحترافية كبيرة، لدرجة أن كاميرات موجودة في المكان لم ترصدهم، أي أنهم درسوا جيدا كيفية الدخول والخروج دون ترك أي أثر. المثير أن قيادة البيجيدي تكتمت على الحادث ورفضت تسجيل شكاية، لدى الأمن، وتم طي الموضوع. مصادر من الحزب كشفت أن بنكيران اكتفى بإثارة هذا الموضوع مع وزير الداخلية حينها امحند العنصر، فيما ذكرت مصادر من الحزب دون أن يتسنى التأكد من ذلك، أن العناصر التي اقتحمت المقر، كان غرضها البحث عن جهاز للتشويش على الاتصالات يضعه الحزب في المقر، وأن سرقة الحاسوبين كان من أجل التغطية فقط، على العملية.
الوزير الرباح يشتكي من أصحاب التقارير خلال افتتاح مهرجان خطابي في الملتقى الجهوي الأول للشباب القروي، الذي نظم يوم السبت 11 يناير 2014 بمدينة سيدي سليمان، خرج عزيز الرباح، وزير النقل والتجهيز واللوجيستيك، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن تحفظه، بعد أن حاول عدد من شباب الإقليم منع نشاط الحزب، في المدينة، وواجهوا الوزير بالسب. الرباح حمّل مسؤولية ما وقع للأمن وللسلطات الإقليمية والمحلية بسيدي سليمان، حيث استشاط غاضبا «ما أقلقني، يقول الرباح، هو أنهم خلاوهم حتى عايرونا وسبونا على خاطرهم وجاؤوا في الأخير لإخراجهم، مع العلم أنهم يكتبون الآن التقارير ويجلسون بيننا»، في إشارة إلى عناصر المخابرات الذين كانوا يتابعون النشاط.
الشكاية ضد الحموشي بأبعاد سياسية هل الشكاية التي سعى رجال الأمن الفرنسيين إلى تبليغها لوزير الداخلية المغربي بشأن اتهام عبد اللطيف الحموشي بالتعذيب، مجرد شكاية عادية لقاضي فرنسي مستقل عن الحكومة، سعى إلى القيام بدوره بشكل عادي؟ أم أن القضية أكبر بكثير. هذا السؤال يطرح بحدة في الأوساط السياسية الفرنسية والمغربية على السواء. مصدر حكومي، كشف ل»أخبار اليوم»، أن المغرب شعر بالإهانة، بسبب الطريقة التي تمت بها محاولة تبليغ الشكاية، وقال «لم نطلع على الشكاية إلا عبر وسائل الإعلام، في حين هناك قنوات دبلوماسية مفتوحة، وهناك اتفاقيات للتعاون القضائي.. سبعة عناصر أمن فرنسيين توجّهوا يوم الخميس الماضي إلى مقرّ إقامة السفير المغربي شكيب بنموسى، مطالبين بتنفيذ استدعاء موجّه إلى مدير المخابرات الداخلية المغربية، عبداللطيف الحموشي، للمثول أمام أحد قضاة التحقيق. السبب كما قيل هو شكاية تقدّمت بها جمعية تدعى «حركة المسيحيين لإيقاف التعذيب»، اتّهمت فيها مدير إدارة مراقبة التراب الوطني، بالتورّط في تعذيب سجينين، أحدهما مزدوج الجنسية يدعى عادل المطلاسي، وقد اعتقل سنة 2008، وأدين في ملف للمخدرات قبل أن يتم ترحيله إلى فرنسا، والثاني هو النعمة أسفاري، أحد المدانين في ملف مخيّم «أكديم ايزيك»، المتمثل بتهمة قتل عدد من عناصر الأمن المغاربة. الأوساط الدبلوماسية المغربية صدمت لهذا الحادث، الذي عرف تفاعلات سريعة. شكيب بنموسى، سفير المغرب بباريس، أجرى اتصالات مكثفة، لفهم ما يجري قبل أن يصدر بيانا شديد اللهجة، استغرب فيه «عدم احترام المساطر والأعراف الدبلوماسية في التعامل مع المسؤولين الكبار للدول، واستباحة الأمن الفرنسي لمقرّ إقامته بالعاصمة باريس. ثم صدر بيان موالي لوزارة الخارجية المغربية، شجبت فيه الحادث، معلنة أنها قامت باستدعاء السفير الفرنسي بالرباط، شارل فري، حيث أبلغته امباركة بوعيدة، الوزيرة المنتدبة في الخارجية، احتجاج المغرب القوي لما اعتبرته «إجراءات فجّة ومنافية لقواعد الدبلوماسية…». المثير أن وزير الداخلية كان في زيارة لفرنسا رفقة عبداللطيف الحموشي، للمشاركة في لقاء أمني شارك فيه إلى جانب كل من المغرب وفرنسا، إسبانيا والبرتغال. اللقاء كان مخصصا لتدارس سبل التعاون والتنسيق لمحاربة الجريمة العابرة للقارات، خاصة منها الإرهاب وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية. الأوساط الإعلامية الفرنسية بدورها استغربت للحادث، ولم تجد له تفسيرا، فيما ذهبت التحليلات إلى إثارة عدة فرضيات، منها، أن هذه الشكاية حركها قاضي فرنسي كرد فعل على شكاية تروج في باريس ضد محامي عائلة المهدي بنبركة، بوتان، خاصة أن رجل المخابرات التونزي، الملقب بالشتوكي، والمتهم في قضية اختطاف واغتيال بنبركة، رفع دعوى عدم احترام السر المهني ضد محامي عائلة بنبركة، بمساعدة محامي مغربي معروف بعلاقاته بدوائر القرار في المغرب. لكن هناك فرضية أخرى تشير إلى أن الموقف الفرنسي جاء كرد فعل على الزيارة الملكية إلى إفريقيا والتي لا ينظر إليها جزء من الطبقة السياسية الحاكمة في فرنسا بعين الرضا. أما بخصوص تأويل رد الفعل المغربي القوي، والذي وصل حد توقيف الزيارات الرسمية، ومنها تأجيل زيارة كان سيقوم بها نيكولا أولو (Nicolas Hulot)، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، لحماية الأرض، وتعليق الاتفاقيات القضائية، فإن تفسيره يكمن حسب مصدر حكومي، في رفض المغرب، الطريقة الاستعلائية التي تعاملت بها فرنسا مع الحادث، حيث اكتفت بالتعبير عن أن الحادث مؤسف، دون تقديم توضيحات طلبها المغرب، خاصة أن هناك اتفاقيات مبرمة بين البلدين بهذا الشأن. ورغم تعبير المغرب عن غضبه الشديد، فإن القضاء الفرنسي واصل تلقي شكاية أخرى ضد الحموشي، قدّمها مدان آخر أمام القضاء المغربي، وهو الملاكم الرياضي زكرياء المومني، الذي تم الإفراج عنه بعفو ملكي في أبريل 2011. هذا الأخير كلّف المحامي باتريك بودوان، وهو في الوقت نفسه الرئيس الشرفي للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بوضع شكاية ضد المسؤول الأمني المغربي، مما عقد الأزمة. وموازاة مع هذا الهجوم القضائي غير المسبوق ضد المسؤولين المغاربة في فرنسا، فجّر السينمائي الإسباني، خافيير بارديم، أزمة جديدة مع فرسنا، حين صرح لجريدة «لوموند» بأن السفير الفرنسي بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فرانسوا دولاتر، قال له في العام 2011 إن المغرب بمثابة «عشيقة ننام معها كل ليلة، لا نعشقها بالضرورة، ولكننا ملزمون بالدفاع عنها». الفنان الإسباني المعروف بمساندته الشرسة لجبهة البوليساريو ومحاربته للمغرب على أعلى المستويات الدولية، والذي أنتج فيلما وثائقيا يدافع فيه عن البوليساريو، أضاف أن المسؤول الفرنسي قال له إن المغرب دولة معروفة بخرقها لحقوق الإنسان، لكن بلاده تغمض عينيها نظرا إلى العلاقات الخاصة بين البلدين. وكشف مصدر حكومي ل»أخبار اليوم»، أن «كل هذه الحوادث لها معنى واحد هو أن المشكل يوجد عند فرنسا وهي المطالبة بتوضيح مواقفها، أما المغرب فموقفه واضح وقام بالرد المناسب على الأفعال المرتكبة». وخلفت العبارات المنسوبة إلى السفير الفرنسي رد فعل قوي من الحكومة المغربية، حيث جاء في بيان على لسان الناطق باسمها، مصطفى الخلفي، أن «مما يزيد من الطابع المشين وغير المقبول لهذه العبارات، هو أن حكومة المملكة المغربية تعمل دائما على تعزيز العلاقات الثنائية مع فرنسا، في إطار الصداقة المتينة والاحترام المتبادل والشراكة ذات النفع المشترك». ويطرح تزامن قضية الشكاية ضد الحموشي، وتصريحات بارديم، تساؤلات، حول ما إذا كانت هناك أيدي تتحرك لإفساد العلاقات بين المغرب وفرنسا. جهات قد تكون لها ارتباطات مع البوليساريو والجزائر التي تنظر بقلق لتحركات المغرب في إفريقيا الغربية.