بعد أشهر من أحداث "الأربعاء الأسود" الدامية التي شهدتها مدينة جرادة منتصف شهر مارس الماضي، في مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن في المدينة المنجمية، أصدرت منظمة "هيومن رايس ووتش" الحقوقية اليوم الاثنين، تقريرا مفصلا عن الأحداث، وجهت فيه انتقادات شديدة للقوات العمومية المغربية، متهمة إياها باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين. التقرير الذي أصدرته المنظمة، اعتبر أن القمع الذي ووجهت به احتجاجات جرادة بعد أشهر من السلمية، يماثل القمع الذي تعرض له "حراك الريف"، ورغم أن السلطات قالت إن المتظاهرين في جرادة اعتُقلوا بعد أن تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف وتسبب المتظاهرون في أضرار بالممتلكات، إلا أن المنظمة تعتبر أن ما وقع لا يبرر استخدام القوة العشوائية والمفرطة، أو الاعتقالات، كما أنه لا يبرر قمع الاحتجاجات السلمية أو سوء المعاملة المزعومة للمحتجزين. التعاطي الأمني مع احتجاجات جرادة نسخة ثانية من "حراك الريف" من جانبها، قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" تعليقا على أحداث جرادة إن "القمع ذهب في جرادة إلى أبعد من محاولة تقديم المتظاهرين العنيفين المزعومين إلى العدالة، يبدو أن الأمر يتعلق بقمع الحق في الاحتجاج السلمي على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية". وفي ذات التقرير، قالت المنظمة إن باحثيها الذين زاروا المدينة المنجمية في شهر أبريل الماضي، أُوقِفوا واستجوبوا عند نقطتي تفتيش أمنيتين، ثم تتبعتهم عن كثب سيارة تحمل 3 رجال بثياب مدنية، ما دفع شهودا كانوا ينوون الإدلاء بشهادتهم للهيئة الحقوقية إلى إلغاء اللقاءات المقررة، كما لاحظ الباحثون وجودا مكثفا لقوات الأمن، حيث نُشرت قوات مسلحة للشرطة في كل شارع رئيسي وساحة في المدينة الصغيرة، وأكثر من 100 سيارة شرطة في المناطق المجاورة. حادثة الدهس عادت المنظمة الحقوقية لحادث الدهس المثير للجدل، والذي نفت وقائعه قوات الأمن، لتقول إنه في إحدى الحوادث التي وقعت في 14 مارس وتم تصويرها في شريط انتشر بشكل واسع على وسائل الإعلام الاجتماعي، دخلت عربات الشرطة موقع احتجاج، ودهست إحداها صبيا يبلغ من العمر 16 عاما وأصابته إصابات خطيرة. الصبي الذي دهسته سيارة الشرطة اسمه عبد المولى زعيقر، حسبما قالت والدته نجاة المجداوي ل "هيومن رايتس ووتش"، وظهر مقطع فيديو تم تصويره في ذلك اليوم، وتحققت منه "هيومن رايتس ووتش"، 4 سيارات شرطة على الأقل تسير بسرعة متهورة حيث كان المحتجون واقفين، في ما يبدو أنه محاولة لإخافتهم وتشتيتهم، كما يظهر الفيديو مجموعة من المتظاهرين يسقطون، وحافلة صغيرة للشرطة تدهس على الأقل واحدا منهم. وتشدد المنظمة على أنه من غير الواضح ما إذا كان زعيقر في تلك المجموعة، وقد أصيب بصدمة في الرأس والوركين والقدمين والفقرات، وفقا لشهادة طبية اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، تقول إنه كان ضحية ل"حادثة سير". المندوبية الوزارية قالت ل "هيومن رايتس ووتش" إن زعيقر أصيب بالخطأ، أما المجداوي والدته، فقالت إن السلطات ضغطت عليها لتجنب الاتصالات مع الصحفيين والناشطين الحقوقيين، وإنه تم تعقبها أكثر من مرة من قبل رجال بملابس مدنية تشتبه في كونهم من الشرطة. استمرار الاعتقالات وابتداء من "الأربعاء الأسود" ، تقول هيومن رايس إن رجال الشرطة اقتحموا منازل في جرادة دون تقديم مذكرات اعتقال، وضربوا عدة رجال عند إلقاء القبض عليهم، وحطموا الأبواب والنوافذ، حسب ما قال النشطاء وبنقادى ل هيومن رايتس ووتش. وقالت المصادر نفسها إن الاعتقالات استمرت، حيث تم الإبلاغ عن 23 حالة اعتقال مؤخرا بين 12 و27 ماي، وحتى 31 ماي، كان 69 متظاهرا، منهم 3 قاصرين، في السجن أو رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة. وفيما قالت "المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان" في رسالة إلكترونية إلى "هيومن رايتس ووتش"، في 30 ماي، إن 6 سيارات شرطة أحرقت وأصيب 280 من أفراد قوات الأمن، صرح أعضاء في الفرع المحلي ل "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" إنه لم يكن هناك أكثر من 100 متظاهر في الغابة، وربما تضاءل العدد مع تطور الوضع إلى مواجهة في الساحة، حسبما أضاف النشطاء. وأوضح جواد التلمساني، رئيس فرع وجدة أنه "يبدو لي أن عدد جرحى قوات الأمن البالغ 280 شخصا مبالغ فيه جدا، وخلال المحاكمات، التي راقبناها، أدلى حوالي 20 منهم بشهاداتهم وقدموا شهادات طبية"، وأضاف التلمساني أن العديد من المتظاهرين أصيبوا، لكن العديد منهم لم يسعوا لتلقي العلاج في مستشفى جرادة خوفا من الاعتقال.