أحيانا يبدو لي أن عدم ثقة المغاربة في التاجر الذي يكثر من الحلف لإقناع زبائنه بجودة بضاعته أو بضآلة هامش ربحه فيها، بقولهم: «الحلف غير ولف»، قد انتقل (عدم الثقة) إلى الأطباء الذين يؤدون قسم أبقراط قبل تخرجهم من الجامعة، ثم يتنكرون له بمجرد ما يصعقهم بريق المال ويعميهم. لذلك أجدني أقول، من فرط استيائي من بعض هؤلاء «الكزارة»، إن سلطة مراقبة زجرية هي التي عليها أن تؤدي قسم أبقراط بدل هؤلاء الأطباء، حتى يفهموا أنهم إذا راكموا أموالا بطرق لاأخلاقية، على حساب صحة المغاربة وجيوبهم، ستنزع منهم وتعاد إلى خزينة الدولة، أما هم فسيعادون إلى التكوين الأخلاقي والمهني من جديد، ليعرفوا أن الطب لا يمكن أن يكون مجالا للكسب السريع على حساب صحة المواطنين، وأن العمليات القيصرية يجب ألا تتحول إلى عمليات تجارية شبيهة بتلك التي تجري في القيسارية، ويتحول فيها الطبيب إلى «شناق» يخرج المال من بطون النساء بدل الأبناء. مناسبة هذا القول هي الدراسة الصادمة التي نشرها ال«CNOPS»، وأكد فيها أن الولادات عن طريق العمليات القيصرية انتقلت من 38 في المائة سنة 2008، إلى 53 في المائة سنة 2012، ثم 59 في المائة خلال 2016. هذا على المستوى الوطني العام، أما في مدن مثل الرباط والبيضاء وفاس وأكادير، فقد تجاوزت 80 في المائة، لتصل إلى رقم قياسي عالمي في الصويرة التي تحولت إلى قيسارية كبيرة للتوليد، حيث بلغت نسبة الولادات القيصرية فيها 95 في المائة. للإشارة، فإن المعدل العالمي الذي لا يجب تجاوزه، حسب منظمة الصحة العالمية، هو 20 في المائة. الدراسة التي لم يخرجها ال«CNOPS» إلا بعدما وصلت شوكة الأطباء الشناقة إلى عظمه، قدمت تفاصيل وأرقاما مهولة، منها أن هذه العمليات القيصرية تسببت، خلال 6 سنوات (ما بين 2010 و2016) في إهدار أزيد من 43 مليارا من مالية الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، وأن 65 في المائة من هذه العمليات جرت في القطاع الخاص، وأن المغرب تفوق بكثير على دول مثل الصين وفرنسا وإسبانيا وفلندا وتركيا، في شق بطون النساء ظلما وعدوانا، من أجل المال ولا شيء غير المال، في استهتار تام بأخلاق مهنة الطب التي تقر بخطورة مثل هذه العمليات الخطيرة على صحة النساء والأبناء، ولا تنصح بإجرائها إلا اضطرارا. لنترك الصين وفرنسا وإسبانيا وفلندا.. وننظر إلى تركيا، التي تقاسمنا كل شيء -باستثناء التقدم- من الدين إلى اسم وتوجهات الحزب الحاكم. فقد اعتبر وزير الصحة التركي، رجب أكداغ، أن «إجراء عملية قيصرية لامرأة، لخلق انطباع بأن ذلك أمر حداثي، بدل توليدها طبيعيا، هو جريمة إنسانية». مثل هؤلاء الأطباء الذين يدوسون على أخلاق مهنة الطب ويكفرون بقسم أبقراط، اكتوت بهم جارتنا الشمالية طويلا، زمن الديكتاتورية، لذلك كان الإسبان يطلقون على الواحد منهم لقبhipócrita» » (منافق) وليس «Hipócrates» (أبقراط) الدال على الطبيب.