رغم بعض الانفتاح الذي حصل في الفضاء العمومي خلال السنوات الأخيرة، مازالت الكتابة الإبداعية والفكرية على حد سواء، تقض مضجع الرقيب. إذ تواترت حالات المنع والرقابة خلال الآونة الأخيرة، لذلك سنسلط الضوء، على امتداد الشهر الفضيل، على أبرزها وأشهرها. عندما يقترب المبدع أو الفنان من الأسئلة المحرمة، يصير عرض عمله على جمهور المتلقين محل شك كبير. والمحرمات على المبدع والفنان كثيرة، لكنها تدخل في ثلاثة إطارات هي: الدين والجنس والسياسة. ولعل مسرحية "ديالي" للفنانة نعيمة زيطان تدخل في الإطار الثاني؛ أي في باب الجنس. والمبدع والفنان لا يكونان، كذلك، إلا إذا اقتحما هذه الإطارات، وحاولا تفكيكها ومناقشتها وتحليلها، لغاية بناء تصور جديد حولها ومنظور حديث إليها، على أن تكون المقاربة ذات بعد فني وجمالي راقٍ، لا أن تكون غايتها الاستفزاز والإثارة. فالنقاش الذي دار حول منع المسرحية المذكورة أعلاه لا يخرج عن أحد قولين، بين يرى فيها فعلا عملا فنيا موضوعيا، لا بد من إثارته، ومن يفند هذا الكلام، على اعتبار أن مسرحية "ديالي" عمل سطحي لا يستحق أن يُعرض على الركح، لأنه يفتقد إلى المقومات الفنية والجمالية، وإلى المعالجة المضمونية التي يقتضيها كل عمل فني عموما. في هذا السياق، كانت الفنانة نعيمة زيطان قد شرحت، في حوار أدلت به يوم 16 أبريل 2013 لموقع "هسبريس"، تفاصيل منع هذه المسرحية التي كانت ستُعرض ضمن فعاليات الدورة الخامسة من "مهرجان مسرح وثقافة"، الذي ينظمه الفاعل في مجال الإشهار نور الدين عيوش. إذ اعتبرت زيطان، في الحوار ذاته، أن إملاءات خارجية فرضت على عيوش وباقي منظمي المهرجان إلغاء عرض مسرحية "ديالي"، بعدما تم الاتفاق على برمجتها بشكل رسمي. كما اتهمت عيوش بكونه لا يستطيع الدفاع عن قيم الحداثة التي ينادي بها، داعية إياه إلى "أن لا يركب فوق صهوة شعارات لا يستطيع الدفاع عنها عندما تأتيه إملاءات المنع من جهة غير معلومة." في هذا الإطار، وتعليقا على هذا السجال، كانت الفنانة نعيمة زيطان، التي أخرجت المسرحية، قد اعتبرت أن "الجدل الذي أُثير حول المسرحية لا يرقى إلى مستوى تسميته بالنقاش، لأن الأشخاص الذين انتقدوا العرض بطريقة فجة لم يشاهدوه أصلا. للأسف الكثير من الصفات القاسية ضدي وضد الممثلين جاءت من أناس لم يشاهدوا العرض. وبالتالي كانت ردود الأفعال متسرعة، ولم يكن فيها نقد لمقومات العرض المسرحي، لأن العرض المسرحي لا يمكن أخذه من الجانب الأخلاقي فقط." وأضافت المخرجة في حديث لصحيفة "صحيفة دويتشي فيله"، على هامش مشاركة فرقتها في مهرجان الربيع العربي الدولي في هانوفر سنة 2014، أن "العرض فتح النقاش حول موضوع العنف الجنسي في المجتمع وحول جسد المرأة، لأن المسرحية ليست سوى اعترافات نساء التقينا بهن على مدى سبعة أشهر. إذا لم نستطع نقل واقع معين من خلال عرض مسرحي، فهذا يعني وجود مشكل كبير." كما أشارت إلى أنها لا تتفق مع من يقول "بأننا مجتمع محافظ، بل نحن مجتمع منفتح، لذلك فلا يوجد في هذا العرض ما يمس عقيدة الناس أو أخلاقهم". تجدر الإشارة إلى أن مسرحية "ديالي" مبنية، أساسا، على استمارات في موضوع تمثل النساء لعضوهن التناسلي، حيث تكشف فرقة "الأكواريوم"، التي أدت المسرحية أن عملية ملء الاستمارات استمر مدة سبعة أشهر. في هذا الصدد، يقول الكاتب والناقد خالد أمين، مدير دراسات الفرجة، في تصريح لجريدة "العربي الجديد" حول هذا الموضوع: "على شاكلة استنطاق الجنسانية الأنثوية من خلال ملء الاستمارات وجلسات نقاش مع نساء مغربيات من مختلف الأعمار. وبعد العرض الأول مباشرة، استمر هذا التفاعل من خلال فتح نقاش بين الخشبة والقاعة، وتم تحويل المسرح إلى منتدى حقيقي لتبادل الآراء حول قضايا حساسة تهم المجتمع المغربي بأسره". تجدر الإشارة إلى أن مسرحية "ديالي" هي مسرحية مستوحاة من الاستمارات التي أعدتها "مها سانو". هذه الأخيرة بدورها استلهمت الخطوط العريضة لهذا العمل من مسرحية "مونولوغ المهبل" (The Vagina Monologues) (1996) للأمريكية إيف إينسلر، لتنجز هذا العمل على شهادات قدمتها عشرات النساء المغربيات من مستويات اجتماعية مختلفة. وقام بتشخيص هذا العمل الفنانات نورية بنبراهيم، فريدة بوعزاوي وآمال بنحدو."