لم يعد يفصلنا عن مونديال روسيا سوى أيام قليلة، لننعم بمشاركة وطنية مغربية طال انتظارها لعشرين عاما. طيلة شهر رمضان الأبرك نسرد لكم حلقات من كأس العالم: ملحمة المغرب، والتي نعرض فيها لأهم ما شهده تاريخ الكرة المغربية مع المونديال، بداية من أولى الحكايات إلى آخر القصص، سواء تعلق الأمر بالمباريات، النجوم الحية أو التي غادرت إلى دار البقاء، والمدربين الذين بالمقابل، غادروا كلهم إلى مثواهم الأخير. اتضح جليا من خلال مشاركة منتخبات القارة السمراء في تصفيات مونديال 1962 بالشيلي، مدى قساوة مرحلة التصفيات بالنسبة إليها، إذ كان لزاما على المنتخبات الإفريقية، خوض المباريات في ما بينها أولا، في سبيل أن يحجز في نهاية المطاف، منتخب وحيد منها، مقعدا في الدور الإقصائي الأخير، والذي كان يجمعه إما بمنتخب أوروبي أو أسيوي، على شاكلة مباريات السد. كانت تلك التجربة الأولى، قاسية فعلا، إذ وضعت المغرب، كأول منتخب إفريقي يصل إلى مباراة السد، أمام منتخب عملاق من حجم اسبانيا، كان الكل يرشحه للظفر ببطاقة عبوره بسهولة تامة على حساب الأسود، الذين برهنوا بالمقابل، بشكل كبير آنذاك، على أنهم كانوا يستحقون التأهل على الرغم من القوة التي سبقت الخصم. الوضع حتم التفكير في الخروج من هذا المأزق المؤرق، فكان أن اتحدت دول القارة السمراء في ما بينها، وعددها 17 منتخبا، برسم تصفيات كأس العالم 1966 التي ستجري حينها في إنجلترا، لتقرر الانسحاب من مسار التصفيات المؤهلة إلى النهائيات، ومقاطعة المونديال، وهو الأمر الذي أجبر الاتحاد الدولي لكرة القدم، بعد النهائيات، على عقد اجتماع طارئ مع الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، كاف، أفضى إلى منح القارة السمراء حقها في تأهيل منتخب قاري مباشرة إلى المونديال المقبل، والذي لم يكن سوى كأس العالم 1970 بالمكسيك. وكما كان الحال عندما كان أسود الأطلس أول منتخب يصل إلى مباراة السد في تاريخ إفريقيا، وبالضبط عام 1961 في الطريق إلى مونديال 1962، ستبقى سنة 1969 شاهدة على وصولهم لأول مرة تاريخيا إلى نهائيات كأس العالم، بعد مسار متميز في التصفيات الإفريقية، انتهى باحتلال المنتخب الوطني المغربي للمرتبة الأولى في مجموعته التصفوية خلال الدور الأخير. وابتسم الحظ أخيرا للمغرب ولقارة إفريقيا، لنيل البطاقة الأولى في تاريخ القارة السمراء بالمونديال منذ بدايته في نسخة 1934، تاريخ خوض مصر لنهائيات كأس العالم كأول بلد إفريقي يحظى بهذا الشرف، وكان ذلك بإيطاليا. في تلك الفترة من الزمن، كانت قوانين اللعبة مغايرة تماما على ما هو معمول به الآن، حيث كان على المنتخب المغربي خوض مباريات إضافية من أجل التأهل إلى الأدوار المتقدمة. في الدور الأول، من التصفيات القارية، على سبيل المثال، تغلب المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم على نظيره السنغالي في مباراة الذهاب، على أرضية الملعب الشرفي بالدار البيضاء، (حاليا هو ملعب المجمع الرياضي محمد الخامس)، بهدف بوجمعة بنخريف، قبل أن ينهزم بالعاصمة السنيغالية دكار بهدفين لهدف واحد سجله النجم الكبير حسن أقصبي، وهي نتيجة كانت لتؤهل الأسود إلى الدور الثاني، لو كانت القوانين الحالية مطبقة. فرضت قوانين ذاك الزمن إجراء مباراة حاسمة بين المغرب والسنغال، بلاس بالماس الإسبانية، وهي المباراة التي آلت لفائدة العناصر الوطنية بهدفين سجلهما كل من الشرقاوي الحفناوي وإدريس باموس، ليكسب المنتخب المغربي ورقة عبوره إلى الدور الثاني من التصفيات. في الدور الثاني هذا، تعادل المنتخب الوطني المغربي مع نظيره التونسي ذهابا في ملعب المنزه بتونس بصفر لمثله، وهي النتيجة نفسها التي ستؤول إليها نتيجة الإياب، بالملعب الشرفي بالدار البيضاء، ليضطر المنتخبان، وكما كان عليه حال أسود الأطلس في الدور الأول، إلى خوض مباراة ثالثة فاصلة، جرت هاته المرة على ملعب الفيلودروم بمارسيليا الفرنسية، وهي المباراة التي ستنتهي أيضا بالتعادل، لكن الإيجابي هاته المرة، وبهدفين لمثلهما، سجلهما لفائدة الأسود، كل من مولاي إدريس الخنوسي، ومحمد حومان، لاعب الرجاء الرياضي آنذاك. ما العمل إذن مع كل هاته التعادلات؟ الجواب فرضته القوانين مرة أخرى، بإجراء قرعة بين المنتخبين، كان فيها الأسود محظوظين لا غير، في الوصول إلى الدور الثالث، وهو الدور الذي سيقام لحسن الحظ هاته المرة على شكل مجموعة ثلاثية ضمت إلى جانب الأسود كلا من نيجيريا والسودان، واحتل فيها أسود الأطلس الصف الأول برصيد 5 نقط جمعوها من انتصار بالمغرب على نيجيريا بحصة 2-1، ثم تعادل سلبي من قلب السودان، ففوز على المنتخب السوداني بالمغرب ب 3-0، قبل الهزيمة بنيجيريا بحصة 2-0، علما بأن الفوز كان يعني نقطتين، والتعادل يعني نقطة وحيدة، في حين وبطبيعة الحال، فالهزيمة كان عنوانها دائما صفر نقطة. وسجل كل من الفيلالي وأحمد فرس، حامل الكرة الذهبية لاحقا في سنة 1976، الهدفين في مرمى نيجيريا بالمغرب، في حين عاد الفيلالي للتسجيل في مباراة السودان، قبل أن يوقع حومان هدفين، أكمل بهما الثلاثية. واستفاد الأسود من التعادلين المسجلين في مباراة السودان ضد نيجيريا ذهابا وإياب، بواقع 2-2 بنيجيريا و3-3 بالسودان، احتلت معهما نيجيريا المرتبة الثانية بأربع نقط، واختتمت السودان ترتيب المجموعة ب 3 نقط. بيتشو.. الرقايقي كان مصطفى شكري، الملقب ببيتشو، أول نجم كروي مغربي مقرون بأحد المونديالات السابقة يغادرنا إلى دار البقاء، إذ توفي الراحل عن سن يناهز 32 سنة فقط، في 20 من يناير 1980، بعد مسيرة كروية حافلة بالعطاء والتألق. الراحل كان من بين العناصر التي خاضت تجربة أول مونديال يلعبه المغرب في تاريخه، عام 1970 بالمكسيك، إذ سيشرك في إحدى المباريات، وهو في سن 22، في وقت كان منتخب أسود الأطلس يعج بالنجوم واللآلئ. في موسم 1966-1967، دخل المرحوم عالم كبار الرجاء الرياضي، بعد أن لعب للفريق الأول، الذي ظل برفقته يطرب الجميع بفنياته الناذرة، إذ يقول عنه زميله آنذاك في المنتخب الوطني والرجاء، سعيد غاندي: كان فنانا بمعنى الكلمة، وكان بإمكانه تغيير نمط المباراة لوحده. لم يكن ممكنا أن تتوقع ماذا سيفعله بيتشو بالكرة. الراحل، بعد ذلك لعب أربع سنوات للوداد الرياضي، قبل أن يختار الرحيل للاحتراف بالمملكة العربية السعودية، بصفوف نادي الوحدة، في يوليوز 1970، ليرحل إلى دار البقاء في ظروف غامضة حتى الأن، ستة أشهر بعد ذلك.